بعد «الموت لأميركا» نموت بأميركا

هل من مكان بعد في البيارق الايرانية لعبارة “الموت لأميركا”، هناك شك كبير في ذلك، خصوصاً انه بمجرد الاعلان عن الاتفاق النووي في لوزان انطلق طوفان من تظاهرات الابتهاج والحبور في شوارع طهران، معناها العميق على ما يدرك المتشدّدون من الملالي، ان الشباب في ايران في وادٍ والنظام في وادٍ آخر.

عملياً لم يكن انفجار تظاهرات الحبور حباً او شغفاً بما انتهت اليه المسألة النووية، بل توقاً الى الهواء في بيئة محاصرة وخانقة، ولهذا ليس كثيراً الافتراض ان المشاعر لم تكن تعكس مشاعر “الموت لأميركا” بل “نموت بأميركا”، والأوضح نحب الحياة على الطريقة الأميركية !
واذا جرى كل شيء وفق ما أُعلن وتمّ رفع العقوبات، هل يوظّف النظام الايراني مبلغ الـ ١٥٠ ملياراً من الدولارات التي سيحصل عليها فوراً وقبل ان تبدأ عائدات النفط بالتدفق عليه، في مشاريع تدخلاته الاقليمية ومحاولات فرض نفسه قطباً محورياً عبر التلاعب بالأنظمة والمنظمات على ما حصل ويحصل في العراق وسوريا والبحرين والكويت ولبنان واليمن والسودان؟
أم ان تحسّن الوضع الاقتصادي سيشجعه على فتح النوافذ ولو مواربة أمام الايرانيين المتعطشين الى شيء من الحرية، فليس سراً ان الثورة الخضراء التي قمعت بالقوة لا تزال عرقاً ينبض في الجامعات وفي أوساط الاصلاحيين الذين يخضعون للإقامة الجبرية !
عندما كان موكب محمد جواد ظريف ورفاقه العائدين من لوزان يجتاز الشوارع في طهران وسط الحشود الصاخبة، كان المتشددون يكزّون على أسنانهم ليس لأن الاتفاق النووي لا يعجبهم كما تقول البيانات الصادرة عنهم، بل لأن المناسبة تحوّلت قرعاً قوياً على الأسوار العالية… “نحن نموت بك أميركا”!
وهكذا عندما يقول حسن شريعتمداري مستشار المرشد علي خامنئي “ان اتفاق لوزان ومجموعة ٥+ ١ وُلد ميتاً لأننا سلّمنا الحصان وتسلمنا عنانه فقط”، فان لذلك أهدافاً عدة في مقدمها طبعاً محاولة امتصاص تداعيات الاتفاق على أثارة التوق الداخلي الى الأبواب المفتوحة، بعد ٣٥ عاماً من ممارسات النظام الذي بدا واقفاً ضد العالم كله تقريباً.
ثم ان سياسة التحفّظ والانتقاد الايرانية تريد ان تعطي باراك اوباما ذخيرة سياسية واعلامية تساعده على تجاوز الاعتراضات الواسعة التي تواجه الاتفاق وقد أعلن عنها عدد من الجمهوريين والديموقراطيين على السواء داخل الكونغرس… ومجلس الشورى يريد ايضاً درس الاتفاق!
أضف الى ذلك ان النظام الايراني لا يريد ان يظهر في صورة السعيد والمتهافت على اتفاق يفترض انه سينزع أنيابه النووية وسيسقط تاريخاً طويلاً من شعاراته الدعائية، اذ لن يكون هناك بعد الآن أي معنى لطبول تقرع أهازيج “الموت لأميركا… وللشيطان الأكبر”.

(النهار)

السابق
تباهى بأمواله عبر تويتر: ففشي بسره للشرطة
التالي
ألم يحن الوقت لدخول عرسال؟