هكذا فشلت إيران في تحقيق نجاح يكرّس نفوذها الإقليمي

يشكّك مراقبون في نوايا المحافظين الإيرانيين وحقيقة موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، على الشروط الغربية التي ستحدّ من الطموح النووي الإيراني الذي يعتبره خامنئي مسألة وجودية وقومية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية؛ وأكّد في أكثر من مناسبة أن لا مجال لقبول إملاءات “الشيطان الأكبر”.

تشهد تصريحات الجانب الإيراني وبقية الأطراف في الملف النووي، تناقضا حول ملف العقوبات المفروضة على إيران التي توصلت إلى اتفاق إطاري مع مجموعة 5+1 بخصوص برنامجها النووي؛ منبئا بصحّة التوقّعات التي شكّكت في إمكانية نجاح هذا الاتفاق والاعتقاد بأن إيران ستلتزم بشروطه.

وقال الخبراء إن حرص المسؤولين الإيرانيين على الحديث عن إلغاء العقوبات دفعة واحدة، مردّه حدّة الأزمة الاقتصادية التي باتت تشكّل ضغطا كبيرا على الداخل الإيراني. واعتبروا أنّها من بين الأسباب التي كانت وراء تصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني كبير المفاوضين، عباس عراقجي، أن العقوبات ستلغى دفعة واحدة، وليس كما تقول الإدارة الأميركية، بأنها سترفع تدريجيا.

وجاء في حديث عراقجي للتلفزيون الإيراني أن “نص الاتفاق واضح تماما، فالعقوبات الاقتصادية والمالية، وكافة أنواع الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي، ستلغى تماما مع اليوم الأول لتطبيق الاتفاق”، في معرض رده على سؤال حول تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التي قال فيها إن العقوبات ستلغى تدريجيا.

ويحاول المسؤولون الإيرانيون عادة التقليل من حدة الأزمة المالية، لكن مراقبين يقولون إن طهران تكابر وترفض الاعتراف بالمأزق الاقتصادي، الناجم عن تراجع أسعار النفط وتأثيرات العقوبات الغربية.

وكان البنك الدولي قد صنّف إيران في المرتبة 157 من 186 دولة في مجال النمو الاقتصادي، وأشار التقرير إلى تزايد معدل البطالة الذي وصل إلى نسبة 38 بالمئة.

ويؤكّد الخبراء أن إيران، التي تدعم الفوضى في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتهدّد أمن المنطقة الإقليمية والعالم، تعيش غليانا داخليا، لو وجد فرصة للانفجار لأسقط النظام لولا سطوة يد المرشد الأعلى الكبرى وعلاقته بالحرس الثوري.

وفي عام 2009 عجّت الشوارع بأكبر مظاهرات للمعارضة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. ورغم أنه تم قمع هذه الانتفاضة سريعا فقد أثارت قلق المحافظين. وباتت الحكومة الإيرانية تواجه أزمات داخلية بالغة الصعوبة والخطورة، وتخوض معارك شرسة على جبهات متعددة تهدد كيان جمهورية المرشد الأعلى.

ويقول مقرّبون من دوائر المفاوضات حول النووي، إن هذا الوضع الصعب، هو الذي دفع المرشد الأعلى علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في كل الملفات الاستراتيجية، ليقدّم دعما حذرا لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي؛ خاصة وأن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط لم تمش وفق هوى إيران ومخطّطاتها، ثم جاءت “عاصفة الحزم” لتزيد من تعقيد الأمور عليها.

ورغم أنه صرح أكثر من مرة بأنه يعتقد أن المفاوضات ستفشل فقد قدم خامنئي للرئيس الإيراني حسن روحاني غطاء سياسيا مهما لمواصلة المحادثات الطويلة والشاقة على خلاف رغبة المعارضة الداخلية القوية.

وبإتاحة المجال لإبرام اتفاق مع الأعداء فقد اتخذ خامنئي خطوة مماثلة لاتفاق سلفه مع العراق على وقف إطلاق النار في عام 1988 بعد حرب استمرت ثمانية أعوام قارنه الخميني آنذاك بتجرّع كأس من السم.

وعانت إيران لعقود بسبب العقوبات الاقتصادية لا سيما على مدى الأعوام الثلاثة الماضية عندما تسبب تشديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات ضدها في تقليص صادرات النفط، في وقت كانت تمول فيه حزب الله وحركة حماس وتدعم النظام السوري ماديا ولوجسيتيا، بالإضافة إلى ما تستهلكه أذرعها في العراق واليمن، وحتى في دول أفريقية، على غرار أريتريا.

ومع اشتداد الأزمة، دعم خامنئي فكرة “اقتصاد المقاومة” وصور برنامج إيران النووي كرمز للسيادة لا يمكن التخلي عنه مهما كان الثمن. ولا تزال خطاباته حافلة بالتنديد بالولايات المتحدة التي يصفها بأنها “الشيطان الأكبر”.

ومنذ ثمانينات القرن الماضي حافظ المتشدّدون على اعتقادهم، الذي شكّل ركيزة أساسية في رسم السياسة الخارجية لطهران، بأن الثورة الإيرانية هي “إنجاز تاريخي لا يمكن للولايات المتحدة أن تقبل به”.

وعندما انتخب الشعب روحاني بأغلبية كبيرة قبل نحو عامين بارك خامنئي المفاوضات رغم أن خطاباته توحي بعكس ذلك رغم انعدام ثقته في الغرب. ورغم دخول المفاوضات مراحلها الأخيرة فقد واصل خامنئي التأكيد على أنه يتوقع فشلها. وقال إن المحادثات مصدر للتشويش وحجاب رقيق يخفي عداوة أميركية شديدة.

ويرى الدبلوماسيون أن مجاراة المحافظين لروحاني كانت لأسباب من بينها فوزه في الانتخابات، في يونيو 2013، بنسبة كبيرة من الأصوات مما كشف حجم الغضب بسبب سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية ومدى التأييد الشعبي لهدفه وهو إنهاء عزلة إيران الدولية. وكان قرار خامنئي دعم العملية الدبلوماسية حتى ولو بشكل مؤقت تحولا ملحوظا لرجل طالما أبدى احتقاره للولايات المتحدة وحلفائها الذين وصفهم طوال حياته “بالقوى المتغطرسة”.

ووفقا لسيرته الذاتية الرسمية كان خامنئي مراهقا عندما دعمت وكالات مخابرات غربية انقلابا ضد رئيس الوزراء القومي محمد مصدق في عام 1953. وبعد سقوط الشاه في 1979 تولى خامنئي عدة مناصب في الحكومة الإسلامية الجديدة. وانتخب رئيسا في عام 1981 ووعد في خطاب تنصيبه بالقضاء على “الانحراف والليبرالية واليساريين المتأثرين بأميركا”.

ويصف باحثون خارج إيران الزعيم الأعلى، الذي يواجه أزمة صحية أثارت أنباء عن أن إيران بصدد تحضير البلاد والعالم للانتقال لقائد أعلى ثالث، بأنه منظّر كتوم يخشى الخيانة وهو خوف تفاقم منذ محاولة اغتيال تعرض لها في يونيو عام 1981 أصابت ذراعه اليمنى بالشلل. وأصبح خامنئي مقربا من الجيش لا سيما الحرس الثوري وهي علاقة أتت ثمارها عندما سحق الحرس الثوري احتجاجات عام 2009.

وبحسب الخبير الإيراني أمير مهيبيان، المقرب من دوائر السلطة، فإن هذا الاتفاق النهائي يجب أن يحقق هدفين سبق للمرشد الأعلى أن حددهما هما رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده منذ عام 2006، والحفاظ على البرنامج النووي الإيراني حتى وإن تم تقييده ووضعه تحت مراقبة صارمة.

السابق
حركة «أحرار الشام» أقوى فصائل المعارضة بعد اندماجها مع «صقور الشام»
التالي
مفاوضات لإعادة السائقين اللينانيين وظهور 6 منهم مع الجيش الحر