السنيورة «يتمرّد» على الحريري.. والحوار!

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والتسعين بعد المئتين على التوالي.

ليس سؤال الحوار هو الأوجب طرحه، بل من يريد تخريبه أو الحد من مفاعيله الآنية والمستقبلية، ربطاً بأية تسويات محتملة قد تجد لها ترجمات، ليس في الرئاسة وحدها، بل على مستوى كل السلطات.
ولم يعد خافياً على أحد أن من يبحث في الداخل عن تسوية رئاسية في كومة المرشحين المعلنين أو المخفيين ـ المعلومين، إنما يملأ الوقت الضائع بالثرثرات على الطريقة اللبنانية التقليدية.
أما الخارج، فلم يكبس «الزر الأخضر» حتى الآن. وها هم الفرنسيون في ضوء ما اختبروه من برودة أميركية وسعودية وإيرانية مع مبادرتهم غير المنسقة مع أحد، قد طلبوا من موفدهم جان فرنسوا جيرو أن يطفئ محركاته، وأن يرتاح في انتظار صدور قرار تعيينه في سفارة غير تلك التي اشتهاها في طهران، وفي الوقت نفسه، توصلوا إلى خلاصة بأن لا بديل عن الرهان على ضغط دولي سيكون محكوماً، بشكل أو بآخر، بمجريات الأزمة السورية من جهة، والتفاوض النووي من جهة ثانية.
وما كان يهمس به الفرنسيون في السر، صاروا يقولونه في العلن أمام زوار «الأليزيه» من لبنانيين وغير لبنانيين: لا بد من البحث عن تسوية أوسع من رئاسة الجمهورية تتضمن ليس فقط القانون الانتخابي والحكومة رئاسة وتوليفة، بل ما يتعدى ذلك الى «مناقشة المشاكل التي يشكو منها النظام السياسي اللبناني».
أكثر من ذلك، طلب الفرنسيون من الأميركيين تهدئة اندفاعتهم النووية في انتظار انجاز بعض التسويات في المنطقة ومنها في لبنان، لأنهم يخشون من تشدد ايراني في الملفات الأخرى اذا تم توقيع الاتفاق النووي الآن.
اذا صحت هذه المعطيات، يصبح السؤال: هل يعمل الرئيس فؤاد السنيورة ضد كتلته وتياره السياسي؟
يأتي طرح السؤال في ضوء من أسماهم الرئيس نبيه بري «الدواعش السياسيين» الذين يريدون تفجير أنفسهم ليس في الحوار ولا بالحكومة أو مجلس النواب بل في مجمل النظام السياسي وصولا الى تطييره.
«حزب الله» سيذهب الى حوار الغد. الجواب نعم حتما. هو صاحب مصلحة في المضي بالحوار. الجواب نعم أيضا. وما يسري على الحزب.. يسري على الرئيس بري، لا بل يسري على «المستقبل» وكل حريص على الاستقرار. لماذا يريد السنيورة المضي في خيار اطلاق النار على الحوار؟
لا أحد يملك جواباً حتى الآن. أسهل الأجوبة أن رئيس «كتلة المستقبل» يطلق النار على رئيسه سعد الحريري قبل أن يصيب الآخرين من الجالسين على الطاولة. لكن اذا كانت مصلحة أحد «المستقبليين» في الشمال، المزايدة على بعض رجال الدين، فما هي مصلحة رئيس كتلة نيابية كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أنه ضد الحوار. لم يخف خياره أمام أحد. لا أمام بري ولا سعد الحريري. هو من القائلين بأن «السيد» ليس جاهزاً لتقديم أي نوع من التنازلات، وأن الحوار حاجة لـ «حزب الله» لحماية ظهيره الخلفي في ظل تورطه في سوريا ثم العراق! من هذه الزاوية، رفع الرجل سقفه. حدّد شروطاً تعجيزية، من المحكمة الدولية الى السلاح الى سوريا، فكان رد الحريري عليه بأن طلب وضع العناوين الخلافية جانباً وأوعز الى نادر الحريري أن يعطي رأياً مختلفاً للرئيس بري.. وهذا ما أدى الى وضع الحوار على السكة الصحيحة بعد خروج السنيورة من المقدمات التحضيرية.
وبطبيعة الحال، فؤاد السنيورة ليس خالد الضاهر. وما يسري على الثاني عندما أضرّ بصورة «المستقبل» أمام جمهور مسيحيي «14 آذار»، فطلب منه الخروج من كتلة «المستقبل»، لا يسري على رئيس الكتلة، طالما أن الاساءة المتعمّدة لجمهور وازن في البلد لا تؤثر على شعبية التيار السياسي الذي ينتمي اليه، بل تشدّ عصبه السياسي، لذلك، لا بد من زيادة الضغط يوماً بعد يوم؟
صار الكلام داخل «حزب الله» وحتى في حركة «أمل» مختلفاً. اذا أراد هذان الحزبان التذرع بجمهورهما، فهو لا يرغب برؤية ممثليه في الحوار. ثمة انطباع بأنهما يخضعان لحالة ابتزاز و «دلع»، فماذا تغيّر اذا جلس هؤلاء الى طاولة الحوار أم لم يجلسوا طالما أن منسوب الاحتقان السياسي والاعلامي يزداد يومياً ويستدرج ردوداً من هنا وهناك؟
صار التخريب للحوار علنياً، وليس خافياً على أحد أن «الثنائي الشيعي» لو أراد الانقياد الى مزاج بعض حلفائه المسيحيين، ليس الآن، بل من لحظة الاعتصام في ساحة رياض الصلح قبل ثماني سنوات، ثم في السابع من أيار وصولا الى يومنا هذا، لكان ذهب الى مكان آخر، لكنه اختار أن يكون عقلانياً، فهل هناك من يريد أن يحرجه اليوم ليخرجه من الحوار، وربما من الحكومة، وصولا الى تحويلها الى وزارة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ القرارات، سواء في التمديد للقادة الأمنيين أو غيرها من الأمور المتصلة بخيار الاستقرار؟
من هو المستفيد في هذه الحالة؟
لعل «حزب الله» أراد من خلال موقف النائب محمد رعد أن يبعث برسالة ما، سرعان ما لاقاها الرئيس بري بكلام أعنف سياسيا، ومن سيكون مبادرا غدا الى طرح هذه الاشكالية، قبل المضي في جدول الأعمال، هو على الأرجح، المعاون السياسي لرئيس المجلس الوزير علي حسن خليل، كما كان مبادرا في طرح هذه القضايا في الجلسات السابقة، وصولا الى اعادة التأكيد على تمسك الجميع بالحوار كخيار وليس بصفته ترفا سياسيا، خصوصا أن مفاعيله ارتدت ايجابا على البلد كله، وليس على جمهور من دون الآخر.
وما يسري على الحوار، يسري على موضوع تمديد ولاية القادة الأمنيين، أيضا من زاوية الحرص على الاستقرار. وهنا، ينبغي على رئيس «تيار المستقبل» أن يكون أكثر وضوحا مع خيار العماد ميشال عون بترشيح العميد شامل روكز لقيادة الجيش، لا أن يفتح الباب أمام صياغات ضبابية لتبريد مواقف «الجنرال»، وذلك على طريقة التعامل مع الملف الرئاسي منذ سنة ونيف حتى الآن.
فاذا كان «الجنرال» رافضا للتمديد، ويرهن مشاركته في الحكومة بطريقة تعامل الآخرين مع هذا الخيار، فإن «الثنائي الشيعي» ومعه النائب سليمان فرنجية اعتمدوا مقاربة عقلانية مفادها التصويت الى جانب تعيين روكز اذا طرح في مجلس الوزراء، ولكن اذا تعذر ذلك، فهم لن يقبلوا الفراغ في رأس المؤسسة العسكرية، وسينحازون حتما الى التمديد لقائد الجيش، من زاوية أن ذلك التمديد يشكل عنصرا داعما للاستقرار.
وفي هذا السياق، فضّل وزير الدفاع الوطني سمير مقبل عدم التعليق على المواقف المتصلة بمسألة تأجيل تسريح ضباط في مواقع قيادية، واكتفى بالقول لـ «السفير» إنه لن يدخل «في اي جدل او سجال او مهاترات في ظل الظروف الراهنة التي يقدّر الجميع مدى دقتها وحساسيتها». وعلق على موقف العماد عون الرافض للتمديد لقادة الاجهزة العسكرية والأمنية بالقول:»الجنرال بيمون».
أما وزير الداخلية نهاد المشنوق، فقد رفض مناقشة المسائل الأمنية الحساسة في الاعلام، لأن من شأن ذلك تعريض المؤسسات العسكرية والأمنية لاهتزازات لا مبرر لها. وقال لـ «السفير»: «دستورياً، سواء على صعيد الجيش أو قوى الأمن، سيتخذ القرار المناسب في المكان المناسب».
يذكر أن وزراء «تكتل التغيير» رفضوا في جلسات مجلس الوزراء الأخيرة تغطية نفقات سفر قائد الجيش بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، واشترطوا أخذ اذن الحكومة قبل أي رحلة خارجية، ولذلك، تحفظوا على رحلة العماد جان قهوجي الى الأردن، ورفضوا صرف اعتماد لتغطية نفقاتها، فما كان من الأخير الا أن قام بتغطيتها من موازنة قيادة الجيش اللبناني.

السابق
عليان: على الدولة اللبنانية ان تأخذ موقفاً تاريخيا تجاه الإمارات
التالي
الخناق يشتد على «جبهة النصرة»: انتقادات واعتقالات