نصرالله في «بيت القصيد»: تعالوا إلى طاولة الكبار

غداً يبدأ الشهر العاشر.. ولبنان بلا رئيس للجمهورية.

..وفي خضم الفراغ المتمادي في الداخل رئاسة وحكومة ومجلساً نيابياً.. وسياسة، أطل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب مهرجان «الشهادة والوفاء»، ليطلق سلسلة مواقف محددة وواضحة، اتسمت بالإيجابية في شقها اللبناني، وخصوصاً بالتشديد على أهمية استمرار الحوار مع «تيار المستقبل»، عشية الجلسة المقررة غداً، وتوجيه تحية خاصة لمناسبة الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري وتلقف دعوة الرئيس سعد الحريري إلى وضع إستراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب.
أما في الشق الخارجي من الخطاب، وهو «بيت القصيد»، فقد اتسم بتقديم «حزب الله» نفسه لاعباً كبيراً على طاولة المنطقة، داعياً اللبنانيين إلى أن يكونوا رياديين في الانخراط في معركة مواجهة الإرهاب، مثلما كانوا رياديين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من دون انتظار لا إستراتيجية وطنية ولا قومية.
وبين هذا وذاك، بدا «حزب الله» متصالحاً مع جمهوره لا بل قادراً على تحديد خياراته الإستراتيجية. هذا الجمهور الذي لم يخيب بالأمس قيادته بامتثاله الصارم بقرار منع إطلاق الرصاص في الهواء.
وإذا كان «خطاب شهداء القنيطرة»، مخصصاً للشأن الإسرائيلي بامتياز، وتمحور حول «قواعد الاشتباك» الجديدة للصراع المفتوح مع إسرائيل، عبر جعل الجبهة اللبنانية السورية جبهة واحدة في المواجهة مع إسرائيل و»عملائها التكفيريين»، فإن «خطاب القادة الشهداء» جعل لبنان جزءاً من جبهة مفتوحة ممتدة من بيروت حتى الموصل، وقوامها مواجهة إرهاب فالت من عقاله، بدليل المشاهد المصورة من حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة إلى ذبح العمال المصريين في ليبيا.
ولعل «حزب الله» الذي خرج من عملية مزارع شبعا، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، بأكثر مما كان يتوقع، والمنخرط في معركة «الجبهة الجنوبية» في سوريا بطريقة نوعية، قد فاجأ اللاعبين على ملعب المنطقة، في خطاب الأمس، بنبرة تتسم بالثقة إزاء الخيارات الكبرى:
÷ في سوريا «خلصت اللعبة»، ومن قرر أن يضرب رأسه بالجبل حتى تتدمر سوريا عن بكرة أبيها، عليه أن يعيد النظر بخياراته الخاطئة، فالنظام هناك جاهز للوصول إلى تسوية مع المعارضة الوطنية، وها هو مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا يعلن بالفم الملآن أن الأسد جزء من الحل.
÷ دول الخليج هي التي ستدفع الثمن. من هنا، على بعض هذه الدول أن تحسم خياراتها، على قاعدة أنها عُرضة للتهديد والخطر قبل غيرها من دول المنطقة، فهدف الإرهاب «الداعشي» الحقيقي هو مكة والمدينة وليس بيت المقدس. على هذه الدول أن تقارب قضايا المنطقة من البحرين إلى لبنان، مروراً بسوريا واليمن والعراق بطريقة مختلفة، وذلك على قاعدة تجميد الصراعات الثانوية والانخراط في الصراع الرئيسي الكبير الذي سيحدد، ليس مصير المنطقة وشعوبها فحسب، بل العالم بأسره، وثمة شواهد كثيرة على تكامل المشروعين الإسرائيلي والتكفيري، ولم يعد جائزاً بعد الآن، أن تكون ضد «داعش»، وفي الوقت نفسه تدعم «النصرة» بالمال والسلاح، وهما مشروع واحد وهدفهما واحد ولا يختلفان سوى على الإمرة والسلطة.
÷ إذا كانت موجبات «الأمن القومي» تفرض على بعض البلدان في أوروبا (مثال إيطاليا)، الانخراط في مواجهة الإرهاب التكفيري في المنطقة وهي على بعد مئات الكيلومترات، فكيف هو الحال مع بلدان وشعوب المنطقة التي صار الخطر عند حدودها وفي دواخلها، فهل يجب انتظار العاصفة حتى تهب علينا ونسلم أمرنا إليها أم نستعد لمواجهتها بما يتوافر من إمكانات؟
÷ اعتبار المواجهة مع الخطر الإرهابي التكفيري «دفاعاً عن إسلام النبي محمد وليس دفاعاً عن محور أو طائفة أو مذهب أو نظام أو أقلية».
÷ كانت لافتة للانتباه التحية ـــ الرسالة التي استهل بها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خطابه الى مصر شعباً وحكومة وكنيسة قبطية، في معرض الإدانة الشديدة للجريمة المروعة التي ارتكبها «داعش» بحق العمال المصريين المظلومين على الأراضي الليبية. وهذه أول رسالة علنية من الحزب الى القيادة المصرية في ضوء التطورات التي شهدها الشارع المصري في السنتين الأخيرتين، علماً أن الحزب سبق له أن أدان ببيانات رسمية جرائم حرق الكساسبة ورهائن آخرين، ولكن ليس بلسان أمينه العام كما حصل بالأمس.
عناوين إيجابية لبنانية
أما في الشق اللبناني، فقد تميز الخطاب بعناوين وإشارات إيجابية كثيرة:
• التوجه بالتحية الى عائلة رفيق الحريري وجمهوره في ذكرى استشهاده العاشرة.
• تأييد دعوة سعد الحريري في خطاب «البيال» الى وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وصولاً الى فتح الأبواب حول الآلية التنفيذية.
• التأييد المطلق للخطة الأمنية في البقاع على قاعدة استمراريتها وألا تكون موسمية كسابقاتها، وأن تُدعم بخطة إنمائية أولاً، وحل قضية الاستنابات القضائية التي تطال عشرات آلاف البقاعيين ثانياً، وبالاستعداد لمواجهة الخطر الآتي عبر الحدود الشرقية بعد ذوبان الثلج ثالثاً.
• للمرة الأولى، تم إعطاء التفاهم بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» غداة ذكراه التاسعة، بُعده الإقليمي وليس اللبناني وحسب، والدعوة الى تعميقه وترسيخه، كما الى تحصينه بتفاهمات موازية على المستوى الوطني.
• الدعوة الى إعادة البُعد الوطني للاستحقاق الرئاسي في ضوء انعدام أية جهود خارجية وعلى قاعدة عدم التعويل على أية متغيرات خارجية («لأن المنطقة تتجه نحو المزيد من الأزمات وثمة جبهات جديدة ستفتح»). وهنا، ضم «حزب الله» صوته الى صوت العماد ميشال عون بدعوة بعض دول الخليج (السعودية من دون أن يسميها) الى رفع «الفيتو» المفروض على «الجنرال» وأن يسمحوا للبنانيين بالتفاهم لإبرام تسوية رئاسية.
• الدعوة غير المباشرة الى استئناف الحوار بين العماد عون والرئيس الحريري من خلال الحث على «معاودة الجهد الداخلي الوطني (في الموضوع الرئاسي) ومفهوم أين وكيف ومع مَن. يعني لا يوجد داع «نغمّق» ونفصّل، مفهوم، أصحاب العلاقة كلهم يعرفون».
• تدعيم حكومة تمام سلام وتحصينها حاجة وطنية للجميع وبالتالي سيتعامل «حزب الله» بإيجابية مع موضوع آلية التصويت في مجلس الوزراء.
• مواصلة الحوار مع «المستقبل» للوصول الى خاتمة جيدة ومعقولة وتحت سقف التوقعات وفي الوقت نفسه، تشجيع القوى الأخرى على الانخراط في الحوار، في إشارة غير مباشرة الى تأييد «حزب الله» المسعى القائم حالياً بين الرابية ومعراب من أجل جمع العماد عون وقائد «القوات» سمير جعجع.
• الدعوة الى اعتماد قاعدة التعامل بالمثل في موضوع النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، وفي هذا الإطار، وجه سؤالاً ضمنياً الى سعد الحريري: أيهما أخطر على لبنان التدخل سياسياً وعسكرياً لإسقاط نظام بلد عربي مثل سوريا المتداخلة مع لبنان حدوداً واقتصاداً وأمناً واجتماعاً ومياهاً أم المطالبة بالإصلاح ونبذ العنف في البحرين؟
• الدعوة الى التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري في مواجهة الخطر التكفيري وبين الحكومتين اللبنانية والسورية في موضوعي النازحين والأمن لأن الخطر الذي يواجه البلدين أكبر من كل الحسابات الضيقة (وهنا كانت لافتة للانتباه دعوة السيد نصرالله مَن يطالبون المقاومة بالانسحاب من سوريا أن «نذهب سوياً الى سوريا والعراق (حيث للحزب حضور متواضع هناك) وإلى أي مكان نواجه فيه الخطر الذي يتهدد بلدنا ومنطقتنا وشعوبنا».

 

السابق
ربط الجنوب بالجولان.. حماية للبنان أم جنون؟
التالي
نصرالله متمسّكاً بالحوار مع «المستقبل»: لنذهب معاً إلى سوريا