الطلاب المكفوفون: ما الفائدة من الكتاب إن لم نستطع قراءته؟

بعبارة «دبّري راسِك» أنهى الأستاذ حديثه مع حنين، رافضا النقاش، وغير آبه بكل الأعذار التي قدمتها له.
كان على حنين، في سنتها الدراسية الأولى في «الجامعة اللبنانية»، تلخيص أحد كتب المكتبة الجامعية كعمل تطبيقي ضمن إحدى المواد. وبالرغم من سهولة العمل المطلوب، إلا أنه كان أمراً صعباً بالنسبة لحنين، لأنها مكفوفة، وجميع الكتب الموجودة في مكتبة «الجامعة اللبنانية» ورقية ولا يمكنها قراءتها باستقلالية.
روت حنين محاولاتها في إيجاد الحلول، وكيف اضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى إحدى الجمعيات، التي بدورها سجلت لها الكتاب صوتياً، ولكنها كانت قد تأخرت كثيراً عن الموعد المحدد للتسليم.
فهي عبثا حاولت الطلب من أستاذها السماح لها بالعمل مع زميلاتها، فقد جوبهت برفضه ذلك. وعادت وحاولت أن تشرح له الأسباب، بأنها لا تستطيع قراءة كتاب إن لم يكن رقميا أو صوتيا أو بطريقة برايل، ولكنه مضى في طريقه مردداً تلك العبارة: «دبري راسك أو بتاخدي صفر على الحضور».
في لقاء مع أحد موظفي مكتبة «الجامعة اللبنانية»، أكد أنهم يساعدون «الطالب المكفوف على اختيار الكتب، وأنه لا يوجد أي خدمة إضافية غير ذلك». فتصبح هنا مهمة البحث عن وسائل القراءة من مسؤولية الطالب، لتضاف الى مسؤولياته وأعبائه الأخرى من بحث عن وسائل للتنقل، وتدوين المحاضرات، وإيجاد وسائل لإجراء الامتحانات، فيلجأ بعضهم إلى مؤسسات الرعاية والجمعيات المعنية أو إلى عائلته ورفاقه.
تعد مشكلة قراءة الكتب لإجراء الأبحاث، والدراسة، ولزيادة الاطلاع، واحدة من المشاكل الأساسية التي يواجهها الطلاب المكفوفون في الجامعات. فمعظم المكتبات الجامعية الأساسية في لبنان، لا تحتوي على كتب رقمية أو صوتية، أو على نظام خدمات يساعد المكفوف على القراءة. في المقابل تتميز «الجامعة الأميركية في بيروت» عن معظم الجامعات، إذ «من اهتماماتها تقديم التسهيلات التي تشمل الطلاب المكفوفين». وتحتوي مكتبتها «على عدد كبير من الكتب الرقمية، التي تتنوع بين الانكليزية والعربية. وإذا ما احتاج الطالب إلى قراءة كتاب ورقي، فيمكنه أن يستعين بمتطوعي الصليب الأحمر، فيقومون بقراءته له أو يسجلونه صوتياً»، وفق الدكتور لقمان ميحو، الذي يستلم حالياً «مشروع تحويل الكتب التي تعود إلى ما قبل العام 1956 إلى كتب رقمية. وذلك بهدف وضع مئة ألف كتاب رقمي، من عدة فروع للجامعة الأميركية في العالم، على الانترنت». والهدف من ذلك أن تكون الكتب متاحة أمام الباحثين الموجودين خارج لبنان، والعكس. ومن بين فروع الجامعة، تأتي مساهمة فرع بيروت بكتب عربية «لذا قمنا باستخدام برامج مخصصة تتيح للمكفوفين تصّفحها وتسهيل البحث داخلها، بالرغم من أنها الطريقة الأصعب تقنيا»، وفق ميحو.
وقد أسس مركز «RZCS» في الجامعة ويشارك متطوعو «الصليب الأحمر» في المركز، بهدف مساعدة الطلاب المكفوفين فيسجل لهم متطوعو الصليب الأحمر الكتب صوتياً أو يساعدونهم في إجراء الأبحاث، ويقرأون لهم النصوص التي يحتاجونها. كما يساعدونهم في حفظ الأماكن من أجل التنقل باستقلالية داخل المدينة الجامعية، ويرافقونهم إذا ما احتاجوا إلى المساعدة.
«هذه الغرفة أسسها طلاب مكفوفون، درسوا في هذه الجامعة وحاجتهم دفعتهم للقيام بهذه المبادرة»، كما تقول فاطمة مسالخي التي تعمل في «مركز الخدمة المدنية في الجامعة الأمركية في بيروت». تضيف «المساعدة باتت مع الوقت، تشمل طلابا مكفوفين يدرسون في جامعات أخرى. وذلك بمبادرة قام بها المركز». وتقول غنوة، التي تدرس العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الفرع الخامس في صيدا «كنت أرسل الكتب التي عليّ دراستها، إلى المركز الموجود في الجامعة الأميركية، كي يسجلوه لي كي أستطيع الدرس للامتحانات النهائية. وبالرغم من بُعد جامعتي عن المركز، لكنه كان الحل الوحيد أمامي، ودونه لم أكن لأنجح». تجربة «الأميركية» قد تكون فريدة، فـ «الجامعة اليسوعية» لا تقدم خدمات مشابهة، تقول موظفة مكتبة «اليسوعية» أنه لم يسبق أن واجهت مشكلة من هذا النوع، فـ «الطالبة المكفوفة التي ترتاد المكتبة، تكون دائماً برفقة شخص من أقربائها يساعدها في جميع الأماكن، وحينما تأتي إلى المكتبة هو من يساعدها في اختيار الكتاب ويقرأه لها». تضيف «ذلك لا يعني أننا لن نتعاون مع من لديه إعاقة سواء حركية أم بصرية في اختيار الكتاب وإحضاره»، لافتة إلى أنها ستقوم بذلك بمبادرة منها دون أن يكون هناك قانون ينص على ذلك، أو على وجود خدمات مشابهة في المكتبة.
ولكن، يبقى السؤال، ما الفائدة من أن يحصل الطالب المكفوف على الكتاب من دون أن يجد وسيلة لقراءته؟

(السفير)

السابق
الحريري وصل ليلا الى بيروت
التالي
إسرائيل تستخدم أموالاً إيرانية مصادَرة