ليس من السهل أن تكتب عن رفيق الحريري. تحاول، مثلاً، أن تفتش عن إطار مختلف لتجسد عبره الرجل، لكنك ما تلبث أن تستنتج بأنك تسبح في محيط يضّج بأفضل ما لديه من نصوص بديعة لامست حدود التوصيف الدقيق للرجل، لسياساته، لقدراته، لأحلامه، لرصانته ودماثته ونضوجه المتكامل.
ورد إسم رفيق الحريري أكثر من مئة ألف مرة عبر منصات التواصل الإجتماعي فقط
لماذا لا يموت رفيق الحريري؟ أتساءل دوماً. عشر سنوات مرت على رحليه وكأنه رحل للتوّ، ففي العام 2014، مثلاً، ورد إسم رفيق الحريري أكثر من مئة ألف مرة عبر منصات التواصل الإجتماعي فقط، وهو رقم يتجاوز عدداً لا بأس به من زعماء الصف الأول في لبنان.
عام 2013 عملت على إنتاج تقرير يومي يتعلق بالمتحركات السياسية ضمن الساحة اللبنانية، لا أذكر يوماً لم أصادف فيه رفيق الحريري، كان حاضراً عند مفترق كل قضية، نعم، كنت أتساءل، ولا أزال، لماذا لا يموت رفيق الحريري؟
صباح الإثنين، 14 شباط من العام 2005، لم أكن أعلم من يكون رفيق الحريري، كنت أسمع، من هنا وهناك، عن رجل إستثنائي من فئة الكبار، عرفته بعد رحيله بلحظات، بكيت كثيراً، نعم بكيت، لا أدري لماذا، ربما تأثرت ببكاء الجميع، وربما هالني مشهد القتل المهيب، المهم أنني بكيت، بكيت وكأنني أعرف رفيق الحريري عن سابق إصرار وتصميم.
ان رفيق الحريري من تلك القماشة النادرة، رجلٌ تتكئ عليه مدينة، رجلٌ يتكئ عليه جبل، رجلٌ تتكئ عليه بلاد
لماذا لا يموت رفيق الحريري، سؤال يلاحقني حدود الإستفزاز، من يكون الرجل؟ أي مكانة تلك التي وصل إليها؟ أي لعنة تلك التي حلّت بالقاتل؟ لقد أراده قتيلاً يرحل، كما رحل أسلافه، بهدوء وسكينة، هو قال في خلده: “سأقتل رفيق الحريري، سأمزق رفيق الحريري، سيموت رفيق الحريري”، لكنّه لم يمت، لماذا لا يموت رفيق الحريري؟
يقول غسان شربل في إحدى أروع مقالاته على الإطلاق: “كان رفيق الحريري من تلك القماشة النادرة، رجلٌ تتكئ عليه مدينة، رجلٌ يتكئ عليه جبل، رجلٌ تتكئ عليه بلاد .. وبعض الرجال يثير حسد الجبال”؟
لماذا لا يموت رفيق الحريري؟ هو سؤال برسم التاريخ، قد يخبرنا يوماً عن أسراره، لكنّه سيصمت حتماً أمام سؤالنا المستحيل: لماذا لا يموت رفيق الحريري؟