أريد الدولة المدنية

هاني فحص

أنا هاني فحص، وكمواطن لبناني أوّلاً وأخيراً، ومن دون استعلاء أو استكبار، أجد نفسي أعلى ولو قليلاً، من المعارضة والأكثرية في حالتيهما الراهنة والسابقة وربما المستقبلية وأجد أنّ لديّ جهوزيّة عالية للفرح بالتعدّد، أي بالموالاة والمعارضة، إذا وجدت أنّ التعدّد تنافسيّ وينطوي فعلاً على مشروعات نهوض حقيقية. ويُشرّفني أن أنخرط في الحوار أو السجال أو الصراع من اجل الأفضل، إذا كان التنافس عليه هو السائد. وهذا لا يعني أن كلا الطرفين على باطل مُطلق، ولكنّ مقدار الحقّ لدى كل من الطرفين، كما أرى الآن، لا يكفي للقطيعة التامّة مع الطرف الآخر.

أما الدولة المدنية فما زالت هي الحلّ، حتى لو تأخّرنا قروناً. وأنا كرجل دين أريد الدولة المدنيّة من اجل الدين والمدنيّة معاً، ومن اجل الدنيا والآخرة. وإذا ما بقيت فكرة الدولة مسكونة بالرغبة في إنتاج الدين الرسمي، وبقي الدين مشغولاً بإنتاج الدولة، فلن تكون النتيجة إلا خراباً في الدين والدولة، وضد مصالح أهل الدين، بصرف النظر عن انتمائهم الفرعيّ.
هذه الاشكاليّة فشل الحداثة واكتشاف أفكار ومشاريع حركة التحرّر العربيّة. بلى الدولة المدنيّة هي الاسم الحركيّ للدولة العلمانيّة، فما المشكلة في ذلك؟
غاية الأمر أننا مدعوّون إلى الكف عن الكسل والتعميم بالسلب والإيجاب، وإلى إنتاج علمانيّتنا التي تمرُّ بالإسلام والمسيحيّة والعروبة والذاكرة والثقافة الجامعة، والتي تشكُّل الكيان والميثاق. ولسنا مضطرّين إلى تطبيق وصفات مجرّبة. ولا بدّ للعلمانيّين العرب من نقد تجربتهم، لأنّهم كانوا كسالى. وهناك عشرات النماذج العلمانيّة، وليس أيّ واحد منها مُلزماً لنا. هذه الأمور تمرّ بخصوصياتنا ومكوّناتنا، ولا داع لاختزال الدولة المدنيّة أو العلمانيّة بالفصل عن الدين أو الفصال مع الدين. هذا تعريف ناقص وأدّى إلى نقل العلمانيّة من مقامها المطلبيّ والعلاجيّ إلى مقامها العقائديّ الدينيّ والشموليّة القاتلة، كما في فرنسا وغيرها أيضاً.
وإذا ردّ البعض علينا بولاية الفقيه، فإنّ ولاية الفقيه فرع فقهيّ، وليست أصلاً من أصولنا العقديّة. ومعنى ذلك أنّ الذي يقول بها ليس كافراً ولا فاسقاً. وفي إيران ولاية الفقيه هي صيغة تكليف فقهيّ إيرانيّ لمركزيّة الدولة الإيرانيّة. إيران حرّة في ذلك، والنقاش في تعميم الخصوصيّة الإيرانيّة على غيرها، سواء كنا نسلّم بها أم لا، قائم.
أنا أنتمي إلى المدرسة الفقهيّة الأكبر في تاريخ الفقه الإسلاميّ الشيعيّ، والتي لا تقول بولاية الفقيه العامّة ولا تدعو إلى الدولة الدينيّة.

* (صوت لبنان – على مسؤوليتي – 21/6/2012)

السابق
حسن خليل: مناقلات في صفوف رجال الضابطة الجمركية شملت نحو 800
التالي
أجمل جميلات العالم من النبطية: صورة أخرى عن نساء الجنوب