فرنسا.. ضد الإرهاب تارة ومعهُ تارة أخرى

يبدو أن عام 2015 قد دخل دخولًا قويًا على صعيد المنطقة العربية والإسلامية خاصة، وها هو شهر يناير ينتهي على وقعٍ هزةٍ مركزُها باريس ولكنها تمتد بطريقة مباشرةٍ نحو كل هويةٍ عربية مسلمة، حيث اعتادت هذه الهوية أن تكون منبوذة منذ وقبل أحداثِ 11 ديسمبر2011، ومنذ أوائل التنظيمات الإرهابية التي ألصق اسمها بالإسلام والمسلمين، ولكن هذه المرة كانت في بؤرة أخرى من العالم، تحديدا بالعاصمة الفرنسية باريس في 7 يناير 2015، حادثة الهجوم الإرهابي على مقر الصحيفة الفرنسية شارلي ايبدو.

شارلي ايبدو هذه الصحيفة الفرنسية التي أثارت بلبلة منذ عام 2006 مع نشرها للرسومات المسيئة عن الرسول، لتتوالى الكرة في سنتي 2011 و 2012 وقد تلقت في كلِ مرة تهديداتٍ مباشرة لصحفييها ولرساميها، وهجومًا واحدًا في 2012 لم يؤد لسقوطِ ضحايا ولكن تم فيه العبث بمحتويات الصحيفة، مما أدى إلى التشديد الأمني الفرنسي لسلامة وأمن الفريق العامل بالصحيفة، علمًا أن رسوماتها الهزلية المسيئة شملت النبي عيسى وموسى والمعتقد البوذي أيضا.

بعد الحادثة الأخيرة مباشرة، انتشر فيديو تحت عنوان(فضح كذبة شارلي ايبدو) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي تضمن العديد من الأخطاء الإخراجية لهذا الهجوم المفبرك، وأظهر عن قربٍ ضربة رصاصة من سلاح الكلاشينكوف الذي كان يحمله المعتدي الملثم صوب رأس رجلِ أمن لم تسفر عن نقطة دمٍ واحدة رغم أن هذا السلاح معروفٌ بقوته الكبيرة، كما أظهر المرآتين الجانبيتين للسيارة التي تم حجزها من طرف السلطات الفرنسية بيضاء اللون بالمقابل أظهرت كاميرات المراقبة أن السيارة التي تم الاعتداء بواسطتها سوداء بالإجمال، كما أقرت صحفية ناجية من الحادثة أن أحد المعتدين كان ذو عينين زرقاوين وذلك ما كان مناقضا لصور المتهمين الأساسيين في القضية، بالإضافة أن أحد المتهمين أثبت أصدقاؤه أنه كان موجودًا في مقره الدراسي وقت الحادث وذلك ما كتبوه في تغريداتهم على تويتر ومنشوراتهم على موقع الفيس بوك.

وحسب كلِ هذه المعطيات المثبتة بالصور فما كان وراء الفيلم الذي قامت به الصحيفة الفرنسية شارلي ايبدو بعد عملية قتل 12 صحفيا بمقر الصحيفة، وبعد قتل عدد من اليهود في  فرنسا، لم يكن إلا تمهيدًا لعملية استفزاز أخرى لإعادة نشر الرسومات المسيئة للرسول، والمساس بمقدسات المسلمين، لأجل ردة فعلٍ تسمحُ لهم باتخاذ الموضوع مادة إعلامية جديدة تجذبُ نحوهم الوجوه والمهتمين، وترمي بالكرة في ملعبهم، وتسمح لهم بنعت المسلمين بالمتخلفين، والإرهابيين، وما إلى ذلك، ناهيك عن الربح المادي الذي تُحققه الصحيفة في كلِ مرة تعيد نشر الرسومات المسيئة والتي اتضح أنها تنفذ في وقتٍ قياسي في كل مرةٍ تقوم بذلك، حسب تصريحاتها الإعلامية، وهذا ما ذهب إليه مجمل المحللين السياسيين للحادثة والذين ارتأوا أن الحادثة تُهين بالدرجة الأولى الأمن والأمان في فرنسا، فهل من الممكن القيام بهجوم بهذا الشكل في وضح النهار وفي شارع باريسي؟ أين هو الأمن وأين هو جهاز الاستخبارات الفرنسية؟

الجهات المسؤولة، والأيادي الخفية التي قامت بهذا الفيلم تعلم جيدًا إلى ما سيصل إليه الموضوع لو خرج إلى الواجهة “المتطرفون الإسلاميون” وما هم قادرون على فعله، لتتخذه نقطة سوداء أخرى على الجالية الإسلامية الموجودة في فرنسا خاصة وفي الغرب بصفة عامة، ولتجد حادثة مروحة جديدة لتضييق الخناق أكثر عليهم.

فيلم (شارلي ايبدو) كان فاشلا بشكلٍ مريع وبطريقة فضائحية، والفائز الوحيد هو التصعيد لفرانسوا هولاند الذي كان أسوأ حظا من ساركوزي وأقل ذكاءً منه في استفزاز المسلمين، وبهذا تُعيد فرنسا تاريخها البطشي الاستعماري الذي عُرفت به، وها هي اليوم تجمع عدة رؤساء من الغرب والعرب في مسيرة ضد الإرهاب وتجمعُ معهم “نتنياهو” سيد الهجمات الإرهابية منذ شهور في الحرب الأخيرة على غزة.

فهل فرنسا ضد الإرهاب تارة، ومع الإرهاب تارة أخرى؟

 

السابق
تجمع في طرابلس لمنع إزالة كلمة “الله” من ساحة عبد الحميد كرامي
التالي
اليمن صار إيرانياً.. والخليج «أعرب عن قلقه»!