«رَجُلنا في طهران» ينبش حكايا الجمهورية الإسلامية

استغرق المراسل التلفزيوني والصحافي الهولندي توماس إيردبرينك، أربع سنوات للحصول على تصريح إيراني رسمي، لتصوير برنامجه الوثائقي «رَجُلنا في طهران»، لمصلحة التلفزيون الهولندي الحكومي. هذا على رغم إن المراسل الشاب يعيش ويعمل في العاصمة الإيرانية منذ ما يقارب الـ 14عاماً. وهو أحد المراسلين الغربيين القليلين الذين مازالوا ينقلون أخبار إيران إلى العالم، بعدما غادر كثير من زملائه، وعدم التحاق صحافيين جدد، بسبب التشديد الحكومي، لتشهد السنوات الأخيرة تراجعاً غير مسبوق لمساحة الصور الخارجة من إيران. حتى يكاد البلد ينضم إلى حفنة قليلة من الدول المُنعزلة في العالم، من التي تحيط الأسرار والتكهنات، الحياة داخل حدودها. يتبدّى سريعاً، إن البرنامج التلفزيوني المؤلف من أربع حلقات، يريد أن يذهب إلى مسافات أبعد مما يقدمه التحقيق التلفزيوني السريع، وأن يتميز عن التغطيات الإخبارية العاجلة، التي يقدمها المراسل الهولندي دورياً، لمصلحة قسم الأخبار في التلفزيون الهولندي، وصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، التي يعمل لها أيضاً. كما يسعى البرنامج إلى أن يستفيد من خبرة المراسل، وإجادته الفارسية، ووإطلاعه على المجتمع الإيراني، عبر زوجته الإيرانية التي تعرف إليها، أثناء زيارته الأولى لإيران، قبل 15 عاماً.

يُشرك توماس إيردبرينك، بتلقائية وصدق كبيرين، المشاهد، بتجاربه الخاصة والعامة في إيران. فيأخذ المراسل الشاب الكاميرا الى بيت أهل زوجته. وهناك مشاهد ستنقل شجاراً بينه وبين زوجته التي تعمل كمصورة فوتوغرافية، ومستشارة غير رسمية أيضاً، تقود زوجها عبر حقول ألغام الرقابة الإيرانية، والتي لا يعرف أحد متى ستنفجر قنبلتها المقبلة. فأثناء تصوير البرنامج، اعتُقل الإيراني الأميركي جيسون رضايان، مراسل صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، ليخيم اختفاء الزميل والصديق، على بعضٍ من وقت البرنامج.

إيران، بلد الغموض والالتباسات… هذا ما اتفق عليه الذين تحدثوا للبرنامج من إيرانيين مثقفين، وأكده المراسل الهولندي نفسه. لا أحد يعرف صلب السياسة الإيرانية الرسمية، وكل شيء قابل للتأويل. هناك أيضاً العلاقة المُعقدة بين التيارين الديني والرسمي، من يؤثر في مَن؟ وأين تنتهي حدود كل من قطبَي النفوذ في البلد؟

يركز البرنامج على تيمة العداء لأميركا والغرب، فيقدم مقابلات، تحاول أن تنفذ إلى جوهر هذا العداء. كما يرافق البرنامج إيرانياً، يُطلق عليه: «الفم الكبير»، يُعرف بإيران بأنه صاحب الصوت الأعلى في هتافاته ضد أميركا وإسرائيل، في مناسبات عامة.

ولعلّ أكثر دقائق البرنامج كشفاً وقيمة وإنسانية، تلك التي ركزت على قصص نساء إيرانيات، من محيط المراسل نفسه. منهن، مساعدته في عمله لصحيفة «نيويورك تايمز»، والآتية من خلفية مُتدينة. هذه السيدة المثقفة طلقت زوجها، الذي تزوجته عندما كانت في الـ 14 من عمرها، واتجهت إلى طهران، المدينة التي لا ترحم أبداً النساء المطلقات. كما إنها تعيش اليوم تمزقاً بين أصولها الريفية المُحافظة، وحياتها في المدينة الكبيرة.

إلى جانب مساعدة توماس إيردبرينك، يقدم البرنامج إيرانية أخرى، هي أيضاً من خلفية محافظة. يستعيد البرنامج بعضاً من محطات التاريخ الإيراني الحديث عبر حياة الفتاة التي فقدت والدها في الحرب العراقية الإيرانية، عندما كانت في الخامسة، فيذهب معها في مشاهد مؤثرة لزيارة قبر الأب، في مقابر قتلى الحرب الشاسعة. هذه الإيرانية، ورغم تدينها الظاهر، الا إنها تملك تصوراً متفتحاً لمستقبل إيران، ودور النساء فيه، لتخالف الصورة الشائعة عن التيار الديني في البلد، في تأكيد جديد على انشغال الإيرانيات بجميع أطيافهن بالسياسة وهموم البلد، وإنهن سيكنّ في قلب أي تغيير مقبل في إيران.

ينتمي البرنامج، إلى اتجاه مُتزايد من البرامج التسجيلية الأوروبية، التي تستفيد من خبرات مراسلين أجانب في دول مختلفة، لتقديم قصص لا تصل في العادة إلى نشرات أو برامج الأخبار السريعة والآنية. كما تنقل هذه البرامج، خبرات مُقدميها الثرية، وعمق معرفتهم بالمحيط الذي يعيشون فيه. إلى جانب الأجزاء الجديّة والعاطفية من البرنامج، هناك كثير من الكوميديا المُحببة والمشاهد المسليّة، كالتي تنشأ من تفاعل المراسل التلفزيوني مع ما حوله، وحس الفكاهة لديه. كما إن الإيرانيين، ورغم مشاكلهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، يعيشون حياة، لا تختلف بجوهرها ومشاكلها كثيراً، عن دول عدة حول العالم.

(الحياة)

السابق
الولايات المتحدة تسلّم إلى الجيش اللبناني أسلحة وذخيرة بقيمة 25 مليون دولار
التالي
هيئة علماء المسلمين: نرفض مقارنة الشعارات الدينية بالشعارات الملشياوية