عرسال في عيون الصحافة: مغالطات وتاريخ محرّف

قد لا أكون صحافيًا، لكن أعرف أن للعمل الصحافي معايير محدّدة ومن ضمنها الدقة والمصداقية. فكيف تتعامل وسائل الإعلام مع بلدة عرسال الحدودية إعلاميًّا؟

أنا لست صحافيًّا، وبكل تواضع، لا أعرف تقنيات العمل الصحافي عن قرب أو طريقة كتابة المقال أو نقل المعلومة بين السطور، وهذا لم يمنعني من محاولة التجربة أكثر من مرة، أو التطفل على محترفات صاحبة الجلالة، لكن مصيرها محتوم ونهايتها في سلة المهملات وقد يكون سبب ذلك ليس قلة المعلومات أو ركاكة الأسلوب ،واللغة، بل الأكيد أن يكون سببه النقص في المعارف، أو بكلمة أصح النقص في الواسطة التي اعتدناها في لبنان.

ومن خلال معلوماتي المتواضعة التي جمعتها من مطالعاتي القليلة التي أقوم بها أحيانًا، والتجارب التي فرضتها عليّ ظروف الحياة، وما اكتسبته من الأحاديث اليومية، فإن العمل الصحافي يتوخى الدقة ويتعب الصحافي الذي يقوم بجهد مضني من أجل الوصول إلى المعلومة الصحيحة. ونسمع عن صحافيين أبطال غامروا بحياتهم وماتوا في سبيل الوصول إلى المعلومة الصحيحة.

تكون الصحافة عادةً مرجعًا موضوعيًّا وشبه صادق للكثير من الباحثين ومراكز الأبحاث، أما رأي الصحافي وموقفه فله هامشه الخاص إن كان سلبًا أو إيجابًا، وهذا حقه الذي لا يناقشه به أحد. وأعتقد أن مهمة المحرر مراجعة المقالات والأخبار من أجل التخفيف من المغالطات التي قد يقع فيها الصحافي وضبط المقال ضمن سياق موقف الصحيفة العام.

من موقع وجودي في بلدة مثيرة للصحافيين والإعلاميين منذ عقود، والتي زادتها إثارة واهتمامًا الأحداث في سورية وما تركته من تداعيات وحالة تأزم على بلدة عرسال، فقد دهشت من “دقة” المعلومات التي نشرت عن هذه البلدة من قبل المؤيدين والمعارضين لها، مثالًا على ذلك: “حزب الله يحشد لاحتلال عرسال من أجل أن يوصل الهرمل بالمنطقة العلوية في سورية”. هذا الكلام في صحيفة العرب اللندنية.

“كان مساء 13 كانون الأول عام 1958، اشتعلت رقعة صغيرة في البقاع بين بلدة عرسال وبلدة بوداي، عشائر بين بعضها البعض تقاتلت وفتحت النار فسقط عدد من القتلى”، هذا الكلام منشور في موقع المدى.

“ولقد واجهت عرسال العثماني والفرنسي والاحتلال الإسرائيلي، ومن المعروف أن العثمانيين قد نكلوا بأهلها لوقوفهم إلى جانب الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين في بداية الحرب العالمية الأولى، ولالتحاق بعضهم بها، فشنق أكثر من أربعين شابًا دفعة واحدة في منطقة البستان في البلدة، وآخرون في بعلبك ودمشق” هذا الكلام منشور في موقع التمدن.

“وعن محبتهم للرئيس رفيق الحريري وعائلته، يوضح أن آل الحريري قدموا العديد من المشاريع الإنمائية للبلدة، كمهنية عرسال الفنية والمركز الصحي ومدارس وثانوية، بعدما كانت منسية من رؤساء الوزراء السابقين، فأول مدرسة في البلدة هي مدرسة رسمية تبرع أهلها بحجارتها لثورة 1958، وفي عام 1960 عملت الدولة على بناء خمس غرف، أما اليوم بفضل آل الحريري فهناك 4 مدارس رسمية و6 خاصة”، هذا الكلام منشور في جريدة النهار.

هذا الكلام وما يضم من مغالطات وتزوير للحقائق هو من إنتاج أشخاص من المفترض أنهم صحافيين. لكن للأسف يشعر المرء وكأن هؤلاء يكتبون من خارج الجغرافيا ومن خارج التاريخ.

السابق
الكحل يقتل!
التالي
حين يستقبلني أشرف ريفي