المستقبل: أنا أحاور إذًا أنا موجود

يبدو تيار المستقبل في حواره مع حزب الله، كالزوج المخدوع الذي يتحدّث الجميع عن خيانة زوجته له بينما يحدّثهم هو عن "شطارة" زوجته في إعداد القهوة.

مقدمة لا بد منها عند أي مقاربة لموضوع يتناول الحوار، حتى باتت من صنف الضروريات على الرغم من وضوح مسلماتها، وهي الإشارة إلى أهمية ان يقوم حوار بين طرفين او بين اطراف لبنانية متخاصمة، والتشجيع على ذلك والدفع الدائم بهذا الاتجاه وما الى ذلك من تعابير ومصطلحات وقصائد شعرية تخدم هذا المعنى. ويكثر دائما تكرارها حتى صارت كالموال القديم، ومن صنف الاغاني الهابطة.

أما بعد،

وبالحديث عن الحوار الدائر بين تيار المستقبل من جهة وحزب الله من جهة اخرى، لا بد من الإشارة إلى أنّه يبدو كأنّه خارج سياق الاحداث أو خارج الزمان والمكان، سواء من خلال الموضوعات التي هي محل التحاور او من خلال ما يصدر عن هذه اللقاءات من مقررات ونتائج تكاد تكون مضحكة واقرب الى المزاح الطفولي.

ثانياً، ماذا يعني ان يكون الرئيس نبيه بري عرّاب هذه اللقاءات بصفة المصلح والجامع بينهما، وهو الذي يعلن ليلا نهارا سرا وجهارا بانه احد اركان الاصطفاف السياسي الموجود بالبلد، وبانه ركيزة من ركائز فريق 8 اذار الاساسيين. وإن كنا هنا لا نريد الخوض بالمحاولات العديدة للرئيس بري ومساعيه الإعلامية في سبيل تظهير نفسه على انه ينتمي الى الفريق الوسطي مع زميله وليد جنبلاط، الا ان الثابت هو اخفاق الاول حيث نجح الثاني.

وهذا يعني ان تيار المستقبل قد ذهب الى هذا الحوار حاملا معه خسارة أوليّة من حيث الشكل قبل حتى بدء الجلسات وهذا يدلّل عن قصور في النظر وعن ركاكة في مواقف قيادة هذا التيار. ولطالما عانى جمهور المستقبل من هذه الركاكة، مما ساهم في إضعاف ساحة المستقبل التي تشكو اصلا من غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وما يمثل.

هذا من حيث الشكل، أمّا من ناحية المضمون، فلا شك ولا ريب أنّ تيار المستقبل في وضعية لا يحسد عليها، وهو أقرب الى صورة الزوج المخدوع، الذي يتعرض لخيانة زوجية يعلم بها كل الجيران والاصحاب واهل القرية وابناء الوطن، والجميع يتناول حالته وما هو عليه فيما هو يحدثهم عن “شطارة” زوجته في اعداد القهوة.

فحزب الله أعلن بوضوح عن توحيد الجبهات بين لبنان وسوريا، ناسفا بذلك واحدة من اهم مرتكزات قيام الوطن، واخبرنا كما اخبر كل العالم عن سقوط قواعد الاشتباك بينه وبين العدو مما يعني بشكل لا لبس فيه، تحويل لبنان الى ساحة اكثر استباحة، ومكان يمارس منه الحزب دوره في الدفاع عن محور يمتد الى طهران، تحت مسمّى المقاومة وتحرير شبعا.

في ظل هذه المستجدات الخطيرة، وما تشهده المنطقة من انعطافات مهولة، يطلّ علينا قادة تيار المستقبل ليبشرونا بانجاز “تاريخي” عظيم هو عبارة عن ما تمخض من قرار استراتيجي نتج عن الحوار واستغرق النضال من اجله اكثر من خمس جولات وصولات، هو ازالة بعض الشعارات والاعلام الحزبية عن الطرقات. وأكاد اجزم هنا ان حزب الله هو الذي تصدّق على محاوري المستقبل بهذه العطية السخية التي يعتبرها الحزب كهبة كبيرة من منظوره متجانسة مع حجم طموحات الطرف الاخر وما يشكل من مستوى آمال عند قيادته.

ففي حين ان حزب الله يريد من هذا الحوار تغطية ومشروعية لما يخدم اجندته التي لم تتوقف لحظة ويساهم في بسط سيطرته على كامل مفاصل البلد وليس كما يقولون على قراري السلم والحرب فقط، والتخفيف من تبعات كل ذلك عبر الظهور بمظهر المحاور والشريك وليس المهيمن والممسك بزمام الامور، تماما كمحاولة الحوثيين في اليمن مع الرئيس عبد الهادي منصور، الذي رفض باستقالته لعب هذا دور ذلك الزوج الغبي.

نجد ان جلّ هم تيار المستقبل هو تعبئة الفراغ في الرؤية عنده، ومحاولة التعويض عن ترهل مبكر اصابه من رأسه حتى قدميه، كنتيجة طبيعية للخواء السياسي، هو بالذهاب طوعا الى ما يسمى حوار تحت ضغط حاجة اثبات الذات، ومن اجل اشباع غريزة الاستمرار كيفما كان، رافعا شعارا جديدا يسعى الى تعليقه مكان كل الشعارات التي سيزيلها من شوارع بيروت يقول: “أنا أحاور إذاَ أنا موجود”.

السابق
الجيش يتسلم 72 مدفعاً ومستوعبات ذخيرة أميركية الاحد
التالي
داعش في «شفاء الصدور» وتقنيات بثّ العنف والذعر