لماذا الكشف عن دور أميركي في اغتيال مغنية؟

ما إن كشفت صحيفة «واشنطن بوست» النقاب عن الدور الأميركي في اغتيال الشهيد عماد مغنية في العاصمة السورية قبل سنوات، حتى تداعى المعلقون الأمنيون والعسكريون الإسرائيليون إلى عرض معاني ذلك. وفيما رأى معلقون أن تسريب الأنباء عن الدور الأميركي في عملية الاغتيال يرمي إلى إظهار أنه ليس في وسع إسرائيل العمل في المنطقة العربية من دون الولايات المتحدة، أشار آخرون إلى أن هذا الكشف يورط واشنطن مع «حزب الله».

وكتب المعلق الأمني في «معاريف الأسبوع»، يوسي ميلمان تحت عنوان «التسريب ليس صدفة»، إن من سرَّب تفاصيل اغتيال الشهيد مغنية لصحيفتي «واشنطن بوست» و»نيوزويك» الأميركيتين أراد نقل رسالة لإسرائيل ورئيس حكومتها أن «ليس في وسعكم العمل من دوننا. انظروا إن كان التعاون وطيداً بين جهازي الاستخبارات للدولتين، من شأنه أن يتضرر جراء سياسة رئيس حكومتكم. هذا هو الجوهر المستتر للرسالة المسربة».
ويوسي ميلمان، الذي سبق له أن نشر بالاشتراك مع الصحافي الأميركي دان رفيف كتاباً عن عملية الاغتيال بعنوان «عملاء ضد يوم القيامة»، أشار إلى أن هناك في الولايات المتحدة من يرغب في نيل حصة من الإنجاز حتى عبر تسريب معلومات غير دقيقة. ففي نظره كان الموساد العنصر المهيمن في عملية اغتيال مغنية الأب برغم أنباء عن مشاركة جهات أخرى بينها الاستخبارات المركزية والاستخبارات الأردنية.
وشدد على أن «مغنية كان هدفاً لإسرائيل أكثر مما كان هدفاً للولايات المتحدة، برغم أن يديه ملطختان بدماء الأميركيين». ويرفض ميلمان الانطباع المتولد من قراءة ما نشر في الصحف الأميركية وهو أن الاستخبارات المركزية كانت الشريك الأكبر والموساد الأصغر في العملية.
وخلص ميلمان إلى أنه برغم أن الرسالة في التسريب موجهة إلى الإسرائيليين ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، فإن النشر يمكن أيضاً أن يخدم المصلحة الأمنية لإسرائيل. فالأميركيون بذلك يتحدّون «حزب الله» ويضعونه وإيران أمام وضع صعب: ليست إسرائيل وحدها التي تواجهونها، وإنما أيضاً الولايات المتحدة.
ومن هذه النقطة بالذات، ينطلق المعلق العسكري في «القناة العاشرة» آلون بن دافيد، الذي ينشر تعليقات أيضاً في «معاريف الأسبوع»، ليشير إلى أن نشر هذه الأنباء يورط الولايات المتحدة في المعركة ضد «حزب الله».
وكتب بن دافيد أن قصة اغتيال مغنية نشرت بالتوازي في اثنتين من كبريات الصحف الأميركية، ما يشير إلى وجود حملة مدروسة. وعلى عكس تقدير ميلمان، فإنه «خلافاً لكل القصص التي كتبت حتى اليوم عن اغتيال مغنية، والتي ضمت الكثير من الاختلاقات والتكهنات، ما نُشر المرة يحوي معلومات دقيقة وحميمة».
ويضيف بن دافيد: «لم تخف واشنطن بوست أن مصدر معلوماتها موظف سابق في سي آي ايه، والشعور هو أن هذه حملة موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى داخل الولايات المتحدة. فوكالة الاستخبارات المركزية تلقت شحنات من الانتقادات في لجنة مجلس الشيوخ، خصوصاً على طريقتها في التحقيق مع المشبوهين بالإرهاب في الدول الأجنبية. وهذا النشر يأتي ليوضح أن الوكالة تعرف كيف تفعل أموراً أفضل. لكن هذا النشر يورط الولايات المتحدة مع حزب الله، الذي لم يتهم الأميركيين أبداً باغتيال مغنية».
ويلحظ بن دافيد أيضاً أن التسريب يحوي «غمزة» للإيرانيين لأن القصة، كما نشرت، تفيد بأن الأميركيين منعوا اغتيال قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني. وربما أن في ذلك إثارة للمقارنة بين ما أراده الأميركيون حينما منعوا العملية بسبب وجود سليماني، وما فعله الإسرائيليون عندما لم يمتنعوا عن اغتيال مغنية الإبن برغم وجود جنرال إيراني. واعتبر أن نشر القصة في الولايات المتحدة غير مرتبط باغتيال الشهيد جهاد مغنية، لأن الصحافييْن اللذين أعدَّا التحقيق، عملا عليه منذ شهور واتصلوا بجهات إسرائيلية في هذا الشأن قبل أسابيع من اغتيال مغنية الإبن.
أما المعلق الأمني في «يديعوت»، رونين بيرغمان، فكتب أنه منذ بضعة أشهر يعمل صحافيان أميركيان كبيران مختصان بشؤون الاستخبارات ـــ جيف ستاين من «نيوزويك» وآدم غولدمان من «واشنطن بوست» على سبق صحافي جدي وهو: الولايات المتحدة التي كانت الجهة الرائدة (وفق ستاين) أو شريكة مركزية (وفق غولدمان) في اغتيال عماد مغنية. ومع حلول الذكرى السنوية السابعة للاغتيال، نشر الصحافيان بالتوازي تحقيقيهما مفصلين عن العملية ـــ من مرحلة التخطيط وحتى الضغط على الزر الذي شغل المادة المتفجرة.
ويشير بيرغمان إلى أن تقرير ستاين في «نيوزويك» يصف الموساد، كشريك صغير، بصفته من حدد الهدف لـ»سي آي ايه» وكان آخر من شخص مغنية قبل الانفجار، بينما نفذت الاستخبارات الاميركية معظم العمل. وحسب تقرير غولدمان، فإن الحديث يدور عن حملة مشتركة جلب فيها كل واحد من المشاركين تجربته وقدرته إلى الطاولة.
وبحسب التحقيق في «واشنطن بوست»، في ليلة 18 شباط العام 2008، «سار مغنية نحو سيارته في حي كفرسوسة في دمشق، بعدما أنهى وجبة العشاء في مطعم محلي. خلية من عملاء الـ»سي آي ايه» كانت في الميدان ولاحقته. وعندها، عندما مر إلى جانب سيارة الجيب، انفجرت عبوة ناسفة صغيرة كانت مزروعة في دولاب الاحتياط في الخلف، فقتل مغنية على الفور». أما العبوة، كما كتب غولدمان يقول، فقد «شغلها رجال الموساد الذين كانوا يجلسون في تل أبيب، وكانوا على اتصال مع خلية المراقبة في دمشق».
وبحسب رواية «نيوزويك»، فقد كان الأميركيون هم الذين أنتجوا العبوة وأدخلوها إلى سوريا من الأردن. «وفي ليلة العملية كان في الساحة فريق مشترك من رجال سي آي ايه والموساد. ولاحظ مقاتل من الموساد بأن الشخص هو بالفعل مغنية، وزميله من الاستخبارات المركزية الأميركية شغل المادة المتفجرة».
وبحسب التقريرين يقول مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية: «لقد جرى التخطيط للعملية بحيث كان باستطاعة الولايات المتحدة أن تعترض وتقوم بإلغائها، لكن لم يكن بمقدورها التنفيذ».
وأضاف أن الولايات المتحدة ساعدت على صنع القنبلة، واختبرتها مرات عدة في منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات في كارولينا الشمالية للتأكد من عدم اتساع رقعة الانفجار ومن عدم وقوع أضرار جانبية، قائلاً: «فجّرنا على الأرجح 25 قنبلة كي نتأكد من حسن سير العملية».
ويضيف التقرير أن «الإسرائيليين اقترحوا تصفية مغنية خلال الأوقات التي يمشي فيها وحيداً، لكن ضباط وكالة الاستخبارات الأميركية قرروا تأمين سكن آمن في مبنى قريب من الشقة التي يقيم فيها مغنية للمزيد من الدقة في الرصد والتنفيذ. واقترح الإسرائيليون بعد ذلك تنفيذ العملية عن طريق وضع قنبلة على دراجة هوائية أو نارية، وهو ما رفضه الأميركيون تحت مبرر أن الانفجار قد يؤدي إلى حدوث خسائر جانبية غير محسوبة».
ويشير التقرير إلى أنه «بعدما توصل المخططون إلى أن المتفجرة التي سيتم استخدامها لن تصيب أو تقتل أحداً غير الهدف المقصود، قالت بعض المصادر إن الوكالة الأميركية تراجعت أكثر من مرة في قتل مغنية لأن الرقابة عليه ورصد تحركاته كانت تشير قبيل تنفيذ العملية إلى أن هناك من هو معه أو يتحدث إليه. وعلى سبيل المثال كانت هناك فرص سانحة لقتله مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني حينما كانا يمشيان سوية في الحي الذي يقطن مغنية فيه».
ويخلص بيرغمان إلى أنه «إذا كانت المنشورات صحيحة، فإنها تشكل مثالاً آخر على التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية في تلك الفترة. وكعمق القرب بين البيت الأبيض وديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، هكذا قوة الارتباط الاستخباري بين محافل الاستخبارات في الدولتين. فالعلاقات التي نسجها مئير دغان ورئيس شعبة الاستخبارات «أمان» في حينه عاموس يادلين مع مدير الاستخبارات المركزية مايكل هايدن ومع زملائه كانت غير مسبوقة، ولكنها ما كانت لتبقى لولا القرب بين شارون وأولمرت وبين الرئيس جورج بوش. ويمكن للمرء أن يشتاق فقط لتلك الأيام».

(السفير)

السابق
ما الفضيحة التي تهز منزل كارداشيان؟
التالي
فياض: الدور التكفيري والإسرائيلي متلازمان