آه، لو يعلم حزب الله؟

آه لو يعلم حزب الله بالحلم الذي ضاع بالامس، عندما ضرب ضربته في مزارع شبعا. آه لو يعلم بالخيبة التي اشاعتها تلك العملية العسكرية غير المتوقعة ضد المحتل الاسرائيلي، والتي تعيد الامور الى نصابها قبل غارة القنيطرة الاخيرة، وتعلن الانضباط في قواعد الاشتباك المحددة منذ العام 2006 ، والانتظام داخل خطوط الجبهة اللبنانية المشؤومة.. والالتزام بالحق في الرد الذي كاد يبدو أشبه بثأر قبلي.

جيل كامل، من اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، شعر بطعنة موجعة. كان الاعلان عن عملية شبعا محبطاً لأمل عاش عليه ذلك الجيل طوال عشرة أيام كاملة بلياليها، غذته تقديرات جدية وتحليلات عميقة جرى تداولها من قبل مسؤولين وخبراء رصينين في بيروت وتل ابيب وواشنطن، وطهران ايضاً. وكلها سارت في اتجاه واحد وخلصت الى نتيجة واحدة.

فاجأت عملية شبعا العدو الاسرائيلي. لا شك في ذلك. وقائعها ونتائجها تثبت ذلك. لكن آخرين فوجئوا ايضا لان الحزب اختار هذا الرد التقليدي، وذلك المكان المألوف للاشتباك، وتلك الوسيلة المعروفة لاستهداف المحتلين لارض لبنانية عزيزة.. على غرار ما كان يفعل في ما مضى، في الوقت الذي كانت فيه غارة القنيطرة وباعتراف الحزب والحرس الثوري الايراني تحديداً انتهاكاً خطيراً جداً ليس فقط لقوانين اللعبة على الحدود مع العدو، بل ايضا لموازين القوى الاقليمية.

العملية نفسها متواضعة، اذا ما قورنت بعمليات سابقة للحزب في الموقع نفسه، واذا ما قيست بحجم التهديدات التي اطلقت في اعقاب غارة القنيطرة. والخسائر البشرية المتبادلة على جانبي الحدود خير دليل، حتى ولو استثني منها الجنرال الايراني في الحرس الثوري محمد علي دادي. ولعل الحزب استجاب للضغط النفسي الصادر من الداخل اللبناني اكثر مما تجاوب مع مقتضيات الصراع التي فرضها العدو الاسرائيلي داخل الاراضي السورية قبل عشرة أيام خلت.

قد يكون الحساب مفتوحاً. لكن عملية شبعا كانت مؤشراً أولياً واضحاً على ان الحزب ليس قوة حاسمة في المعادلة الاقليمية، بل هو لاعب منضبط في داخلها، لا يستطيع ان يتفرد في فتح جبهة جديدة او في إغلاق جبهة قديمة.. ولا يستطيع أن يتخطى او أن يتمرد على آليات الصراع الداخلي في ايران التي يقودها الحرس الثوري المناهض للتفاوض النووي مع اميركا والذي شعر بالاستفزاز من تلك النزهة الودية بين وزيري الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ونطيره الاميركي جون كيري في فيينا قبل أيام.

هل كان يمكن لحزب الله أن يساهم في تحقيق حلم ذلك الجيل الذي اصابته عملية شبعا بالاحباط فعلا.. وأن يقدم على فتح جبهة الجولان التي نما العشب البري على اسلاكها الشائكة، السهلة الاختراق، كما ثبت في مسيرات العودة الفلسطينية الشهيرة قبل اعوام. كان يمكن لمثل هذا القرار أن يشكل هدية ثمينة للشعب اللبناني الذي عاش ساعات طويلة من الخوف من حرب جديدة تلحق بلبنان خسائر بشرية فادحة.. بعدما كان يسمع ويترقب ايضا ان تفتح اخيراً جبهة الجولان. بل كان يمكن لهذا القرار ان يكون مخرجا للنظام السوري من معركته الانتحارية الداخلية، وتوجيه بوصلة الصراع ولو لمرة واحدة نحو العدو الحقيقي لسوريا.. كان يمكن لمثل هذا القرار ان يحرج المعارضيين السوريين لا سيما الذين يتهمهم الحزب يومياً بالتعامل والتواطوء مع العدو، وان يحشر بقية العرب المتآمرين مع ذلك العدو على سوريا.

لاسباب لا حصر لها، كان يمكن للامة كلها ان تفرح باشتعال حرب عربية اسرائيلية جديدة من الجولان، تطفىء الحريق السوري الرهيب، وتساعد في إخماد الكثير من الحرائق الاهلية المندلعة من المحيط الى الخليج.

لكن حزب الله أثبت أنه اكثر انضباطاً مما كان يعتقد.. واكتشف جميع الذين قرأوا واعتقدوا (وتمنوا فعلا) ان تكون غارة القنيطرة ذريعة كافية لفتح جبهة الجولان، انهم واهمون!
(المدن)

السابق
«تغريدة» من الملك سلمان تضرب الرقم القياسي!
التالي
جنبلاط: لبنان لا يتحمّل تبعات الدخول في الحرب