هل طالبت «النصرة» الدروز باشهار الاسلام وهددت مقاماتهم؟

الأنباء الواردة من جبل السماق في ريف إدلب لا تُطمئن، خاصة بعد ما تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أن “دروز إدلب مطالبون قبل الأول من الشهر المقبل بإعلان إسلامهم “السنّي” مع التهديد بتهديم مقاماتهم”. فما صحّة هذه المعلومات؟ وكيف يقرأها دروز لبنان؟

“النصرة” يعتذر

“لم يطالب النصرة الدروز بإعلان “إسلامهم” فهم أصلاً مسلمون، بل ان تنظيم “داعش” من طالب بذلك حين كان يسيطر على المنطقة. والوثيقة التي يتمّ تداولها اليوم كُتبت مع سيطرة “داعش” على المنطقة. لكن بعد أن حلّت “النصرة” مكانه في جبل السماق أعلنت تحفّظها على المقامات”. هذا ما أكّده رئيس “مؤسسة العرفان التوحيدية” الشيخ علي زين الدين في حديثه لـ”النهار” فلَفَتَ الى أن الجو كان متوترًا منذ أيام، لا سيما بعد اجتماع وفد من ممثّلي القرى الدرزية ومسؤول منطقة إدلب في النصرة”، لكن اليوم اعتذر التنظيم عمّا بدر منه في اجتماع مع وفد من رجال الدين ضمّ عددًا من المشايخ من بينهم الشيخان محمد ورافع عز الدين”.

وضع القرى الـ 18 الدرزية الواقعة في جبل “السماق” يؤرق رجال الدين والسياسة من الموحّدين: 16 ألف نسمة في 18 قرية، 14 منها في الجبل الأعلى و4 أخرى في السهل المتاخم لها تئنّ رغم حيادها عن الازمة الدائرة في بلادها، فالطائفة الدينية الرابعة من حيث العدد في سوريا، تخشى من مستقبل ضبابيّ و”فرامانات” تصدر فجأة لا تحمد عقباها. كما يخشى اخوانها خارج الحدود عليها من أي سوء، وهم يتابعون الإشاعات والمعلومات، ويعلّقون عما يدور، ويحاولون استدراك أيّ مخاطر قد تحلّ عليها.

الوضع دقيق
الحديث عن فرض الجماعات التكفيرية على دروز إدلب إعلان إسلامهم علّق عليه الشيخ ناصر الدين الغريب في اتصال مع “النهار” فقال: “يريدون أن يفرضوا الدين الإسلامي وهم لا دين لهم ولا دنيا ولا آخرة، نحن مسلمون لكن لنا خصوصيّتنا”. وأكّد: “نتابع القضية على أوسع نطاق ونتمنّى خيراً، الوضع دقيق جداً ولا مجال الآن للتصريحات، نحاول القيام بأمر يفيد اخواننا من دون أن يضرّهم، فالنار ليست بأيدينا بل بأيديهم “.

اتصالات للإحاطة بالأزمة
من جانبه أكد مستشار رئيس الحزب الديمقراطي طلال ارسلان، سليم حمادة أن “الاتصالات مستمرّة والتشاور قائم ما بين الامير طلال ارسلان ووليد بك جنبلاط والمشايخ الأجلاء للإحاطة بهذه الازمة ومحاولة تحييد الدروز في هذه المنطقة عن أيّ صراعات ومظالم يمكن أن يتعرّضوا لها. كما سيكون هناك اجتماعات مكثفة للهيئات الروحية والمشايخ في الايام القليلة القادمة، وعلى ضوئها ستتقرّر خطط عمل لمعالجة هذه الازمة المتفاقمة”.

حملة سياسية
ما يتعرّض له دروز إدلب هو ما تتعرّض له الأقليات في سوريا، بحسب حمادة الذي أضاف: “لا فرق بين التعرّض لهذه الأقلية المسالمة التي يبلغ عددها ما يقارب 16 ألف نسمة موزعة على مزارع وقرى آمنة، وما يتعرّض له المسيحيون والايزيديون والاكراد في ظل مشروع داعش والنصرة التكفيري”. وشرح: “الدروز جزء لا يتجزأ من الإسلام لناحية توحيدهم الخالق واعترافهم بالنبي محمد، ولكنهم مذهب من مذاهب الإسلام على غرار الشيعة والعلويين والاسماعليين، وهم يعتنقون طريقة وأسلوبًا في العبادة تختلف في شكلها عن طرق المذاهب الإسلامية المحمدية الاخرى، وما فتوى الأزهر التي صدرت في أواخر الستينات من القرن الماضي، والتي تقرّ بأن كل من نطق بالشهادتين هو مسلم، إلاّ دليل على أن الموحدين الدروز هم جزء لا يتجزأ من الإسلام”.

دروز لبنان الى جانبهم
وفي حال تعرّض دروز إدلب لأيّ خطر فإن دروز لبنان “سيقفون دائمًا الى جانب إخوانهم وأهلهم في إدلب وجبل الشيخ والقنيطرة وفي أي مكان آخر، فهم تاريخيا لم يتوانوا يوما عن القيام بمهمة الأخوة والصداقة والدعم للآخر. تمامًا كما سيقفون إلى جانب المذاهب الأخرى مسيحية كانت أم محمدية التي تتعرّض لما يتعرّض له أهلنا من محاولة لإفنائهم ومحوهم من الخريطة السياسية والديموغرافية للوطن العربي”.

“لن نسكت”
المشكلة بحسب الوزير السابق “وئام وهاب” في حديثه لـ”النهار” أن “النصرة تعمل لتأكيد المؤكّد، فهي تحاول أن تفرض عليهم بعض المزايدات من خلال أسلمة المسلمين. والمسألة مختلفة عما حصل مع المسيحيين، لأن الدروز هم مسلمون ولديهم اجتهادات ككل المذاهب الإسلامية التي اجتهدت لكن الاجتهاد لا يلغي الأصل”.
وبنظر وهاب “هناك مبالغات يقوم بها المسلّحون في المنطقة من نبش القبور وإزالة بعض المقامات، وهذا الأمر ينعكس سلباً على الناس ويشكّل عامل إزعاج للوضع الدرزي”. لكن “إذا تعرّض الدروز لأيّ انتهاك بالتأكيد لن نسكت، فهذا الموضوع يجر الى الكثير من المواجهات التي لا تحمد عقباها، إذ يوجد علاقات قربى وزواج وعلاقات اجتماعية بين دروز لبنان وسوريا، أما الردّ فسيكون بحسب الانتهاك الذي يقع”.
وختم مذكراً أن “أهالي إدلب هم أول من استقبل أهالي المعارضين في بداية الأحداث واستضافوهم في بيوتهم وحموهم وحافظوا عليهم. ونتمنّى أن يحافظوا على هذه العلاقات لكن الانتهاك يصبح له معالجة أخرى ولا نستطيع أن نضبط الناس”.

يجب ألاّ يتدخّل أحد
على عكس وهاب اعتبر القاضي عباس الحلبي في اتصال مع “النهار” أن “دروز سوريا قادرون أن يدافعوا عن أنفسهم وقد أثبتت التجربة عبر التاريخ أن باستطاعتهم مواجهة مثل هذه التحديات فهناك حالات مشابهة ومحن مرّوا بها، وهم يعرفون كيف يدافعون عن كرامتهم وعن دينهم ومعتقدهم وأرضهم، لذلك دروز لبنان ليسوا في حاجة لأن يساعدوا دروز سوريا، وأنا لست إطلاقا مع الرأي الذي يقول إن لبنان يجب أن يتدخل في الشأن السوري، لا دروز لبنان يجب أن يتدخّلوا ولا غيرهم من القوى اللبنانية يجب أن تتدخّل”.
وأكد أن “الدروز جزء من الإسلام. لكن هل فعلاً جبهة النصرة وداعش وسائر هذه القوى هي إسلامية حقاً حتى تزايد على الآخرين بالاسلام؟ وبالتالي أين أصبحت الآية القرانية: “لا إكراه في الدين”، معتبراً أن “الدروز لم يشعروا يومًا من الايام أنهم أقلية منعزلة عن المجتمع الإسلامي والعربي الذي ينتمون إليه، وبالتالي”لا مشكلة درزية محدّدة يُنظر اليها أنها مشكلة منفردة، بل هي جزء من المشكلة التي يعاني منها مجموع الطوائف في هذا الشرق بمن فيهم المسلمين المعتدلين الذين لا يقرّون بما يقرّ به المتطرّفون”.

(النهار)

السابق
أزمة الكازينو الإدارية دخل فيها السياسيون لمصالح شخصية وانتخابية
التالي
قمة الرياض تُرسخ «التفاهم الوثيق» بين السعودية وأميركا