عودة العلاقات بين إيران وحماس محاولة للفهم

ماجد عزام

توالت التصريحات من قادة ومسؤولي حركة حماس في الفترة الأخيرة حول عودة العلاقات مع إيران، حيث قال القيادي أسامة أبو حمدان لوكالة قدس برس- 28 ديسمبر الماضي – إن العلاقات عادت إلى طبيعتها، وهي قائمة على أساس الموقف من القضية الفلسطينية ودعم المقاومة، وقبل ذلك بأيام كان القيادي محمود الزهار قد قال لصحيفة الأخبار اللبنانية – 23 ديسمبر- أن الحركة استأنفت علاقاتها مع إيران التي لم تنقطع إلا لفترة بسيطة على خلفية الموقف من الثورة السورية، ومؤكداً على أن أي قرار لم يتخذ بشأن قطع العلاقة مع طهران، بينما كتب موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن “العلاقات مع إيران آخذة في التطور”، مشيراً إلى أنه “كان هناك خلاف في وجهات النظر وسوء تفاهم بين الطرفين، ولكن انتهت أسبابه، وتم حل النقاط الخلافية واللافت أن الجانب الإيراني الرسمي حرص طوال الوقت على لغة هادئة تجاه حماس، حتى أن رئيس البرلمان الإيرانى علي لاريجاني أشاد في حديث لقناة الميادين – منتصف آذار مارس الماضي – وعندما كانت العلاقة شبه مقطوعة أو باردة بحماس، مؤكداً على دعمها كحركة مقاومة، وأن العلاقات قد عادت إلى طبيعتها معها.

واضح الآن أن العلاقات عادت بين الطرفين بدليل اللقاءات المتتالية والتصريحات الإيجابية من الطرفين، ما يطرح السؤال عن الأسباب أو الحيثيات التي أدت إلى عودة التواصل المكثف بين الطرفين، مع الانتباه إلى أن إيران حرصت طوال الوقت وقبل حماس بمدة طويلة على الترويج لعودة العلاقات إلى طبيعتها، وعلى دعم حماس بصفتها حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
سعت طهران طوال الوقت إلى إعادة التواصل مع حماس، والتأكيد على العلاقات الجيدة معها وقد تناسب هذا الأمر طردياً مع مستوى التدخل الإيراني في أكثر من دول عربية، وكلما زادت درجة الانخراط الإيراني واتضحت معالم المحور أو التحالف الطائفي بامتياز الذي تقوده في لبنان سورية العراق اليمن، باتت بحاجة إلى غطاء أو طرف عربي سنّي للتمويه، وتجميل الوجه الطائفي للمحور السالف الذكر، وعلى عكس ما يروّج إعلامياً فإن الدعوة لخالد مشعل كانت مفتوحة طوال العام الأخير على الأقل وسعت طهران بكل السبل لصورة له مع المرشد على خامنئي معتقدة أنها تغنيها أو توفر عليها الكثير في مواجهة النقد والرفض الشعبي والجماهيري العربي الإسلامي لسياستها الطائفية في المنطقة.
جاءت حرب غزة الأخيرة لتدفع إيران أكثر في اتجاه المصالحة مع حماس واعادة العلاقات معها فقد أظهرت الحرب غياب شبه كامل لطهران في الملف الفلسطيني، وهي أكدت رغم المقاربات السياسية المختلفة لها أن الحركة الإسلامية التي وصفت لسنوات أنها جزء من المؤامرة الأممية الأمريكية الصهيونية العربية التركية الخليجية الإخوانية ضد محور ونهج المقاومة – هكذا يرد التوصيف في الإعلام الموالي لإيران – قاتلت إسرائيل منفردة لشهرين مع حضور سياسي إعلامي خجول ومتأخر، وحتى بارد لطهران وحلفائها تجاه حماس، علماً أن هذه الأخيرة خاضت حربين مع إسرائيل في ظل قطيعة شبه كاملة مع إيران وحلفائها، مع الانتباه أيضاً إلى أن طهران دعمت مباشرة وغير مباشرة – عبر حليفتها الجهاد الإسلامي – الوساطة المصرية ليست لأسباب عقلانية منطقية أو واقعية، طبعاً وإنما لأسباب إقليمية لها علاقة بسياستها الطائفية في سورية والعراق تحديداً.
وليس بعيداً عما سبق أكدت الحرب الأخيرة أيضاً ما كانت إيران مقتنعة به منذ زمن، وحتى قبل اندلاع الثورات العربية، ومفاده أن حركة الجهاد الإسلامي أصغر وأضعف من أن تؤمن الغطاء المطلوب للمحور الطائفي فلسطينياً ولا عربياً أيضاً.
هذا من جهة إيران. أما من جهة حماس، فيمكن القول بل التأكيد أنها عادت مضطرة ومكرهة لاستئناف العلاقات مع طهران، وهي سعت بقدر استطاعتها لتجنب أو لتأخير تجرع الكأس الإيراني المرّ والضارّ.
راهنت الحركة – وقيادة الخارج تحديداً – على الثورات العربية منذ البداية، وهي اعتقدت أنها ستغير موازين القوى بما ينعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية، ولو بعد حين، وأنها ستؤدي لقيام محور عربي إخواني يغنيها عن محور طهران – دمشق الذي كانت على علاقات ممتازة معه، سارت محاذية له ولكن دون أن تكون جزءاً جوهرياً منه في أي وقت، ومع ذلك فإن ثمة تيار داخل حماس الداخل في كتائب القسام تحديداً مع حضور سياسى محدود عبر القيادى محمود الزهار دعا دائماً إلى عدم القطيعة مع طهران والاحتفاظ بعلاقات جيدة معها ومع حليفها الرئيس حزب الله، حتى بعد انخراطه في معركة بقاء النظام السوري – المستحيلة – والتصرف وكأنها القضية المركزية له، وهذا التيار المتشدد أيضاً تجاه المصالحة الفلسطينية سعى إلى ضمان الدعم الإيراني المالي والعسكري لضمان البقاء في السلطة غزة، كما لتسريع تحول الكتائب إلى ما يشبه الجيش وفق نموذج حزب الله أو حتى النموذج الذي كانت عليه الثورة الفلسطينية قبل الخروج من بيروت عام 82، وهو النموذج كانت عوائده وما زالت أقل من أضراره، كونه يحول دون خوض معركة استنزاف مع الاحتلال بوتيرة منخفضة، ولكن متواصلة وكرّس ويكرّس فكرة التهدئة مع الاحتلال دون أي تحرير جدي لأي من الأراضي الفلسطينية، وفي تناقض صارخ مع التجارب والنماذج التاريخية المشابهة، علماً أن ثمة تناقض كبير بين الأمرين أي البقاء في السلطة من جهة، وخوض الصراع المفتوح مع إسرائيل من جهة أخرى، مع الانتباه إلى حقيقة ان الضفة الغربية باتت ساحة المقاومة الرئيسية منذ قرار أرئيل شارون اللئيم والخطير والاستراتيجي بفك الارتباط الأحادي عن غزة وبقائها بين بين لا هى محررة ولا هى محتلة.
مع ذلك فإن هذا التيار كان عاجزاً عن فرض إرادته لأسباب سياسية وواقعية، كون قيادة حماس السياسية في الداخل والخارج – إسماعيل هنية وخالد مشعل نموذجاً – كانت متفهمة ومدركة أن البيئة الحمساوية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً مؤيدة للثورات ورافضة للانخراط الإيراني الدموي في المنطقة. كما أن الثورات نفسها أمّنت بديل جدي للدعم الإيراني المالي والعسكري، فقد أدت الثورة المصرية وحتى قبل وصول محمد مرسى للرئاسة إلى طفرة في عمل الأنفاق التي مثّلت شريان الحياة لغزة وسلطتها، وأمّنت 50 بالمائة على الأقل من موازنتها. والثورة نفسها حولت سيناء إلى ساحة مستباحة بعدما كانت منسية وشبه مستباحة أواخر عهد حسني مبارك، بينما تكفلت الثورة الليبية وإشعال نظام القذافي النار في البلد، وإفراغ مستودعات السلاح الهائلة من محتواها ووصول كميات كبيرة منه إلى غزة عبر سيناء بتعويض انقطاع الدعم الإيراني العسكري عن حماس منذ أواخر عام 2011 تقريباً، ما يعني أن الحركة خاضت حربين مع إسرائيل في ظل انقطاع الدعم العسكري الإيراني عنها وقطيعة شبه كاملة على المستوى السياسي بين الجانبين.
بدّلت ثورة 30 حزيران ثم انقلاب الجنرال السيسي – بدعم شعبي – على الرئيس المنتخب محمد مرسي كل المعطيات، حيث اتخذت القيادة المصرية الجديدة قراراً بإغلاق نهائي وكامل للأنفاق واتبعت سياسة عدائية وحادّة تجاه حماس بحجة دعمها للإخوان المسلمين والحركات الجهادية الناشطة في سيناء، وأدى ذلك إلى تجفيف منابع الدعم المالي للسلطة في غزة، كما في إيقاف سيل السلاح المتدفق من ليبيا إلى غزة.
ومع ذلك فإن قرار استئناف العلاقات مع إيران لم يكن حتمياً فقد حاولت القيادة السياسية في الداخل والخارج استبعاد وتأخير الخيار الإيراني قدر الإمكان وأمام احتدام المأزق السياسي والاقتصادي سعت قيادة حماس إلى تفعيل المصالحة مع فتح والرئيس أبو مازن، علماً أن هذه القيادة اعتبرت المصالحة جزءاً لا يتجزأ من الزمن العربي الجديد غير أن تشدد الرئيس عباس وإصراره على فرض ما يشبه الاستسلام على حماس وفق معادلة غض النظر عن تسليم السلاح مقابل التسليم التام للسلطة بشقيها المدني والعسكري، ورفض القبول بالحلول الوسط وحتى بمبدأ الشراكة بالمعنى السياسي، وليس الإداري مع حل عادل ومتفق عليه لقضية الموظفين مع ممارسات خاطئة طبعاً من التيار الضيق المعادي للمصالحة داخل حماس ما أدى إلى تعثر العملية وحتى جمودها دون الوصول إلى طريق مسدود طبعاً.
وحتى ذلك لم يكن كافياً بنظر قيادة حماس السياسية لاستئناف العلاقات مع إيران، وهي كانت وما زالت على استعداد للصبر وإعطاء الوقت الكافي للمصالحة، إلا أن المصالحة القطرية الخليجية ثم القطرية المصرية قد غيّرت الموازين بشكل جدي مع تقليص الدوحة الملحوظ لدعمها السياسي والإعلامي والمالي للإخوان المسلمين – وانخراط الرئيس عباس بشكل أكبر في الحلف العربى الإقليمي المعادي لهم ولمصر على إضعافهم، وحتى إخراجهم من المشهد السياسي بشكل عام.
في الأخير وباختصار لا تبحث طهران المستنزفة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً سوى عن حضور ما في فلسطين يحسن وضعها في البازار التفاوضي مع واشنطن والغرب وعن راية سنية عربية تحجب أو تلفت النظر عن المحور الطائفي الذي تقوده، وهو الأمر الذي تفهمه حماس جيداً والتي تفهم أيضاً أن مصطلح عودة العلاقات هو مصطلح هلامي وغامض، وأن إيران ليست بوارد ضخ الملايين أو إرسال قوافل السلاح إلى غزة مرة أخرى، وهذا ما يفسر تجاوز أو تحييد الخلافات تجاه الثورة السورية ورفض حماس لتغير موقفها أو تبني رواية النظام السوري وحلفائه عن المؤامرة المزعومة وبناء عليه يمكن االقول أن خيار المصالحة الفلسطينية ما زال هو الخيار الأول لقيادة الحركة السياسية في الداخل والخارج مع – استثناءات تثبت الأمر ولا تنفيه – غير أن حماس قد تكون مضطرة لتحديث القاعدة السياسية النهضوية التونسية عن الخروج من الحكومة والبقاء في الحكم، وربما عليها الخروج من الحكومة والسلطة والتركيز أكثر على الشراكة السياسسية ولو بحدودها الدنيا وبلورة توافق وطني يسمح بإدارة هادئة للصراع مع إسرائيل إلى أن تنقشع العواصف الإقليمية، وهذا غير متوقع طبعاً لا على المدى القصير ولا حتى المتوسط.
• كاتب فلسطيني

السابق
بالفيديو من البحرين.. متظاهر يتلقى إصابة مباشرة في الرأس بقنبلة غاز
التالي
بري: اسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجيا ووضعت إيران على حدودها