طرابلس:57% محرومون و26% ذوو فقر مدقع

مرة جديدة يجتمع السياسيون والمتنفذون في طرابلس ليشهدوا على فقر المدينة الموثق في دراسات تظهر حجم الانحدار الاجتماعي والاقتصادي والصحي والإنساني في عاصمة لبنانية ثانية.

ومرة جديدة تصرف الأموال من أجل دراسة عن مستوى الفقر، فيما تحجب الأموال الرسمية عن أي مشروع من شأنه أن يحد من هذا الفقر أو أن يوفر فرص عمل للشباب، أو أن يساهم في رفع المستوى الاجتماعي للمناطق الشعبية الأكثر بؤسا. يبدو واضحا أن المؤسسات الدولية باتت تتنافس في إعداد الدراسات عن مستوى الفقر في طرابلس، حتى باتت الأموال التي صرفت عليها توازي جزءا مما تحتاجه المدينة للإنماء، فيما يتصدر المسؤولون في كل مرة الصفوف ليؤكدوا عجزهم عن إنصاف مدينتهم أو الضغط على الدولة من أجل الإفراج عن المشاريع المتوقفة، وتلك التي تفرض على المدينة فتسيء إلى نسيجها الاجتماعي وواقعها ومستقبلها على غرار مشروع مرأب ساحة التل، ومشروع سقف نهر أبو علي الذي سبقه.

أظهرت الدراسة التي أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في «الإسكوا»، بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة الانمائي» تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية أن «التدهور الاجتماعي بلغ حدا خطيرا جداً»، وأن أبعاد الفقر المختلفة باتت مترابطة بقوة في المال والصحة والسكن والتعليم، ما يشير إلى أن الفقر بأوجهه المتعددة يتوسع أفقيا في طرابلس التي كانت قبل عقود مدينة للرفاه مع جيوب للفقر، وتحولت اليوم الى مدينة فقيرة مع جيوب للرفاه.

وجاء في الدراسة أن 57 في المئة من أهالي طرابلس فقراء ومحرومون، وأن هناك 26 في المئة منهم يعانون فقرا مدقعا ويصنفون في خانة الأشد حرمانا، بينما هناك 77 في المئة متعثرون اقتصاديا، و35 في المئة يعانون مشاكل صحية، ومثلهم يقطنون في مساكن غير لائقة، و25 في المئة محرومون من التعليم.

وتبين أن نسبة الفقر والحرمان تتفاوت بين منطقة واخرى فتبلغ ذرونها في التبانة والسويقة 87 في المئة من العائلات، المدينة القديمة 75 في المئة، وفي القبة وجبل محسن 69 في المئة، الميناء 63 في المئة، التل والزاهرية 36 في المئة، بساتين الميناء 26 في المئة، بساتين طرابلس 19 في المئة.

أما نسب الفقر المدقع والحرمان الشديد فتتوزع كالآتي: 52 في المئة من العائلات في التبانة والسويقة، 36 في المئة في المدينة القديمة، 28 في المئة في الميناء، 28 في المئة في القبة وجبل محسن، 11 في المئة في التل والزاهرية، 10 في المئة في بساتين الميناء، و10 في المئة في بساتين طرابلس.

ولخصت الدراسة مشكلة طرابلس بوصولها إلى دينامية تدهور وتآكل لكل الرصيد التنموي، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعمراني للمدينة، ودعت إلى حشد الموارد المؤسسية والبشرية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من إطلاق دينامية إيجابية بديلة تنقل المدينة من مسار التهميش الى مسار التقدم والتنمية.

وأكدت الدراسة أنه لا يمكن التعامل مع النتائج بشكل سكوني، من دون معالجة الأسباب، ومن دون إطلاق الآليات والديناميات التي تسمح بإيجاد حلول للمشاكل بطريقة ذاتية ومستدامة، مشددة على أن النهوض بطرابلس يمكن أن يشكل فرصة لتحفيز النمو وطنيا، وذلك بالخروج من حالة التهميش والتدهور الشامل المستمر في مدن اتحاد الفيحاء، واندراج ذلك في إطار مشروع رؤيوي لدور طرابلس ومحيطها في إطلاق دينامية تنمية واقتصادية يكون لها مفاعيل إيجابية على الوضع في المدينة نفسها، وفتح نافذة إضافية لاستعادة النمو ومسار التنمية الشاملة وطنيا.

وعرضت الدراسة لثلاثة مسارات متكاملة للاستجابة لحاجات المدينة وقدراتها، لجهة ضمان الأمن والاستقرار بصفتهما شرطين مسبقين لأي خطة تنمية، إطلاق دينامية اقتصادية متكاملة مع الاقتصاد الوطني، محورها إيجاد فرص عمل للشباب على أن تكون ذات مضمون اجتماعي قوي تساهم في مكافحة الفقر والتفاوت، وتكون متلازمة مع برامج تدخل اجتماعي شاملة وقطاعية، متآزرة معها نحو المزيد مع العدالة والمساواة بين الجنسين وتعزيز مشاركة الشباب.
والعمل على تغيير صورة طرابلس تجاه الخارج، وعلى تطوير قيم وسلوكيات المواطنين في إطار صياغة صورة جذابة للمدينة تجاه سكانها تشعرهم بالانتماء إليها ورفع المستوى العلمي ومستوى المهارات للشباب.

أبعاد التنمية

وحددت الدراسة خمسة أبعاد للتنمية:
أولا في البعد السياسي ـ المؤسساتي: العمل على تخطي آثار النزاعات القديمة من خلال تحسين المناخ السياسي داخل المدينة وخفض حدة التنافس سياسيا، وتحصين الخطة الأمنية، وإنشاء لجنة محلية للمصالحات، ومتابعة ملف الموقوفين قانونيا، وإنشاء لجنة لإدارة ملف النازحين السوريين، وإيجاد آلية محلية للحوار السياسي.

ثانيا في البعد الاقتصادي: تحفيز دينامية اقتصادية بدعم القطاعات الصغرى والمتوسطة بالتوازي مع العمل مع الجهات المسؤولة في الدولة من أجل تفعيل تمويل المشاريع، وتحديد تصور لدور طرابلس الاقتصادي تنفيذ المشروعات الكبرى، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والحرف التقليدية، تطوير السياحة، ووضع خطة حديثة للنقل.

ثالثا في البعد الاجتماعي: خفض معدلات الحرمان وتحسين مستوى المعيشة، معالجة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، تفعيل دور المجتمع المدني.

رابعا في البعد الثقافي: تعزيز المستوى العلمي والمهارات، وتطوير القيم والسلوكيات وثقافة الحقوق والتنمية والتسامح واحترام القانون بين سكان المدينة، تفعيل الحياة الثقافية، تطوير مهرجانات طرابلس تطويرا مستداما، تفعيل المنح الدراسية للمتفوقين والمحتاجين، تنظيم ورش عمل للمؤثرين في الأحياء بمن فيهم رجال الدين.

خامسا في البعد البيئي ـ العمراني: تطوير التنظيم المدني، والحفاظ على الارث الثقافي والحيز العام والمساحات الخضراء والحد من التلوث على جميع أنواعه.
واللافت أن هذه الأرقام المخيفة والاقتراحات المتقدمة التي تضمنتها الدراسة ووجهت بكثير من التنظير عن بعد من قبل المتحدثين، في وقت تحتاج فيه طرابلس إلى استدارة إنمائية شاملة وسريعة من قبل الدولة وقبل فوات الأوان.
فبعد كلمة مستشار «الإسكوا» أديب نعمة، الذي عرض لتفاصيل الدراسة، رحب رئيس غرفة التجارة توفيق دبوسي بالمشاركين، ثم اعترف رئيس بلدية طرابلس نادر غزال بتقصيره بحق المدينة، محملا المسؤولية الى المجلس البلدي معتبرا أنه بات عبئا على الناس.

وأبدى مدير مكتب لبنان في برنامج الأمم المتحدة الانمائي لوكا ريندا خشيته من أن تتفاقم المشاكل المرتبطة بالفقر وتؤدي الى تزايد الصراعات الاجتماعية إذا لم نبادر إلى اتخاذ الخطوات اللازمة.

وأشار محمد نور باسم المعهد العربي لإنماء المدن الى المقاييس والاعتبارات التي تمت على أساسها الدراسة.
ودعا نائب الأمين التنفيذي لـ «الإسكوا» عبدالله الدردري إلى إيجاد رؤية اقتصادية لطرابلس، مؤكدا أن المنظمة ستنظر إلى المدينة من منظار إقليمي وسيكون لها امتداد عربي عميق.

أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فشدد على ضرورة شراكة الجميع في مهمة إنقاذ طرابلس.

استنتاجات «الإسكوا»
خلصت دراسة «الإسكوا» إلى سلسلة استنتاجات منها:
1ـ طرابلس مدينة فقيرة مع جيوب رفاه.
2ـ أبعاد الفقر المختلفة متلازمة ومترابطة بقوة.
3ـ ضرورة جعل تقليص التفاوت على مستوى المدينة هدفا رئيسيا.
4ـ ضرورة تنفيذ مشاريع كبرى للتنمية الاقتصادية.
5ـ الحاجة الى قيادة مركزية ـ محلية قوية.
6ـ التنافس السياسي المحلي ضار ويشجع على الفوضى.
7ـ الحاجة الى إعادة رسم صورة طرابلس.
8ـ في المدينة طاقات كبيرة كامنة وغير مستخدمة.
9ـ المسار الإجمالي هو مسار إفقار وتدهور.

السابق
اللواء عباس ابرهيم يتفقد معبر المصنع
التالي
جليد يغطي طرق قرى مرجعيون