لبنان يواجه الفتنة باحتضان جبل محسن

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والثلاثين بعد المئتين على التوالي.

هذه المرة تسلّق الإرهاب جبل محسن، مرتكباً مجزرة في صفوف الأبرياء الذين سقط منهم تسعة شهداء، جرى تشييعهم أمس، في موكب حاشد، إضافة الى 36 جريحاً. لكن وعي أبناء الجبل خصوصاً، وطرابلس عموماً، كان في «القمة» كذلك، فسقط مشروع الفتنة في المكان الذي كان يظن البعض أنه الأكثر قابلية للوقوع في الفخ.
وإذا كان لبنان بكل قواه وأطيافه قد ربح جولة أخرى في مواجهة مخطط الفتنة، إلا ان التحديات الآتية تبدو صعبة ايضا، وتتطلب المزيد من الجهد والتماسك لمواجهتها، إذ تفيد التقارير الموجودة لدى مراجع سياسية وأمنية بأن المرحلة المقبلة تنطوي على مخاطر أمنية تستوجب أعلى درجات الجهوزية واليقظة.
وعلمت «السفير» ان الوقائع والمعطيات التي جرت مناقشتها على طاولة الاجتماع الوزاري ـــ الأمني الذي عقد أمس في منزل الرئيس تمام سلام تؤشر الى احتمال تعرض الجيش لاستهداف إرهابي من قبل خلايا «جبهة النصرة»، ما دفع المؤسسة العسكرية الى رفع مستوى الاستنفار والجهوزية لدى وحداتها ومراكزها.
وفي المعلومات ان أعضاء الخلايا الإرهابية مزودين بأحزمة ناسفة معدة للتفجير، وأن أمير «النصرة» في القلمون ابو مالك التلي أمرهم بتفجير أنفسهم فورا في حال تعرضهم لأي مداهمة، وعدم الاستسلام للجيش.
وتطرق الاجتماع في منزل رئيس الحكومة أيضا الى ضرورة الإسراع في إطلاق ورشة إنمائية في باب التبانة وجبل محسن، لأن الإنماء أفضل وسيلة للقضاء على البنية التحتية للارهاب.
وتجدر الاشارة الى أن الانتحاريين طه خيال وبلال مرعيان هما من سكان «المنكوبين»، وكانا من ضمن المجموعات الموالية لـ «النصرة» التي قاتلت على جبهة المنكوبين ضد جبل محسن خلال جولات العنف، وأيضا ضمن المجموعات التي قاتلت الجيش في التبانة مؤخرا، قبل أن يفرا الى القلمون السورية ويشاركا في القتال هناك، ثم يعودا قبيل أسبوع تقريبا لتنفيذ عمليتهما المزدوجة في جبل محسن.
وتتركز التحقيقات على التعرف الى الجهة التنفيذية المشغِّلة لهما، عبر محاولة تحديد هوية من تولى إدخالهما الى لبنان، ومن زودهما بالحزامين الناسفين.
وليلا، أصدرت جبهة النصرة بيانا كررت فيه تبني العملية الارهابية في جبل محسن، «انتقاما للمسلمين المستضعفين في بلاد الشام»، معتبرة « ان الكثيرين نسوا او تناسوا الدماء التي أريقت باستهداف مساجد أهل السنة في طرابلس الشام».
وقد أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن الانتحاريَين كانا على صلة بالمطلوب المنذر الحسن الذي كان يسلم الانتحاريِين الأحزمة الناسفة، قبل مقتله في مواجهة مع القوى الأمنية في إحدى الشقق في طرابلس في رمضان الفائت.
وقال المشنوق لـ «السفير» إنه كانت توجد لدى الاجهزة الامنية معلومات حول أحد الانتحاريين الاثنين ونيته الجرمية، مشيرا الى ان الاجهزة حاولت اقتفاء اثره، لكن هذا النوع من الحروب الامنية معقد. وأضاف: نحن نخوض حرب معلومات وتقنيات تتطلب رصدا دقيقا وضربات استباقية، وهذه أصعب من الحرب الكلاسيكية بين الجيوش.
وأكد انه ارتكز في نسب الانتحاريين الاثنين الى «داعش» على تقارير تتوافر لدى الاجهزة الامنية المعنية، منبها الى ان خطر الارهاب عابر للمناطق، وبالتالي فان مواجهته تحتاج الى تماسك وطني يشكل ضرورة وطنية إستراتيجية.

طرابلس تنتصر على الفتنة

ويبدو ان الارهاب اعتمد جغرافيا جديدة لمسرح عملياته، بعد التضييق الأمني الذي تواجهه المجموعات المسلحة في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وساهم في وضع حد لتدفق السيارات المفخخة التي كانت تستهدف الضاحية الجنوبية ومنطقة البقاع.
ضرب الارهاب مجددا، من أجل هدف واحد هو إشعال الفتنة، فاختار منطقة شديدة الحساسية، وفي مدينة لا تزال تتلمس طريق الأمن بعد 20 جولة عنف عبثية، وتفجيرين إرهابيين طالا مسجدي «التقوى» و «السلام».
وإذا كان وعي أبناء جبل محسن، واحتضان طرابلس وكل لبنان لهم قد أحبطا مشروع الفتنة، إلا ان الخرق الخطير الذي حصل أثبت في الوقت ذاته ان الاستقرار الذي بدأت تنعم به طرابلس في كنف الجيش اللبناني يبقى في دائرة الاستهداف، وان الخطة الأمنية تحتاج الى صيانة دائمة.
وقد سارعت طرابلس أمس، بكل مكوناتها السياسية والطائفية الى احتضان جبل محسن في مصابه الجلل، وإظهار أعلى قدر من التضامن والتعاطف معه في مشهد قلَّ نظيره، وأعاد إلى طرابلس صورتها الحقيقية الجامعة والمتنوعة، التي طالما سعى البعض إلى تشويهها.
ويضاف الى ذلك، ان الاستنكار الشعبي في منطقة المنكوبين لما حصل وتبروء عائلتي الانتحاريين مما قاما به، ساهما في وأد الفتنة في مهدها، وعطل سيناريو الجهات الارهابية.
وشكلت زيارة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى المدينة وحرصه على تفقد موقع الجريمة وإعلان تضامنه ومشاركته في الجنازة الحاشدة، رسالة بليغة بأن جبل محسن غير متروك، وهو جزء لا يتجزأ من العاصمة الثانية ومن لبنان ككل، وأن مصابه هو مصاب كل اللبنانيين.
كما شكل إعلان المشنوق بأن «مؤسسة الحريري»، بايعاز من الرئيس سعد الحريري، ستتكفل باعادة ترميم وتأهيل أضرار التفجيرين في جبل محسن، بادرة إيجابية تجاه تلك المنطقة وأهلها من قبل الحريري يجب البناء عليها في تقريب المسافات، وفي إيجاد الآليات لانجاز مصالحة طرابلسية تاريخية تطوي صفحة الصراع الى غير رجعة.
وقد جاء التفجير الارهابي المزدوج في لحظة سياسية بالغة الدقة والاهمية على الصعيدين الوطني والمحلي، وتحديدا بالتزامن مع الحوار المتقدم بين تيار «المستقبل» و»حزب الله».
لذلك لا يمكن فصل التفجير الانتحاري المزدوج عن سعي الجهات الارهابية التي تقف خلفه الى تعطيل الحوار القائم وضربه، والعودة الى إثارة النعرات والغرائز المذهبية وتعميمها على مختلف المناطق اللبنانية.
وربما لا يمكن فصل التفجير أيضا عما يجري في القلمون السورية من معارك ضارية، وعن الضغط الذي تتعرض له. وهو ما يثير مخاوف من أن تكون «النصرة» و»داعش» قد اتخذا قرارا بالتحرك لبنانياً عبر خلاياهما النائمة، ومحاولة اللعب مجددا على التناقضات الداخلية، علما ان نجاح هذه المحاولة أصبح أشد صعوبة مع خضوع تلك التناقضات الى التبريد في غرف الحوار.
ووفق المعلومات المتوافرة، جرى قبل فترة العمل على إقناع بقايا العديد من المجموعات الارهابية المحلية بأن «جوهر الاشتباك في سوريا هو سني ـ علوي، وطالما أن هناك صعوبة في الدخول الى العمق السوري، فلتكن المعركة مع جبل محسن وهكذا نستطيع أن نقاتل نظام بشار الأسد من طرابلس».
أما طرابلسيا، فما يلفت الانتباه هو وقوع التفجير الانتحاري بالتزامن مع إعادة طرح عودة النائب السابق علي عيد الى جبل محسن بعد استرداد مذكرة التوقيف الصادرة بحقه نتيجة تحويل قضية تفجيري مسجدي «التقوى» و «السلام» الى المجلس العدلي الذي أصدر في اليوم نفسه للتفجير (السبت الفائت) مذكرة توقيف غيابية بحقه.
كما بدا واضحا أن للخطة الأمنية الناجحة في طرابلس كثيراً من الأعداء والمتضررين، خصوصا بعد الحصار الذي فرضته على كل المجموعات المسلحة، وقيام الجيش بتوقيف أكثرية المتورطين وقطع أرزاق المستفيدين من التوترات، وفي مقدمة هؤلاء الجهات التي تقف خلف الانتحاريين والتي قامت برسم سيناريو خبيث، وهو اختيار انتحاريين من منطقة المنكوبين المتاخمة لجبل محسن، لتفجير نفسيهما في أحد أكثر المقاهي اكتظاظا بهدف إيقاع أكبر عدد من الاصابات، وصولا الى ردود فعل دموية توقظ الفتنة، وتعيد إشعال المحاور التقليدية مع المنكوبين والتبانة والقبة.. لكن طرابلس رفضت ان تدخل مجددا في النفق المظلم

السابق
فيديو حصري يظهر لقاءً بين جندي أسير لدى النصرة ووالده
التالي
أفضل 5 مواقع إجتماعية.. الفايسبوك ليس من بينها