شارلي إيبدو: الغرب يدفع ثمن سكوته عن المجزرة السورية؟

أجهزة صنّاع القرار في الغرب لا تفكر من منظور ثقافي حضاري، بل من خلال منظومة المصالح. فالعرب والمسلمون اليوم بالنسبة اليهم موضوع امني. وما جرى في فرنسا لا يمكن عزله ايضا عن عمق العلاقة بالعولمة وسوء توزيع الثروة والتبعية الحضارية، وغياب الديمقراطية والتنمية والمساواة.

مليون ونصف المليون فرنسي نزلوا الى الشوارع والساحات وعشرات قادة الدول انضموا الى الرئيس الفرنسي ليعبروا عن استنكارهم العمل الإرهابي الذي شهدته العاصمة الفرنسية ضد صحيفة ” شارلي إبدو” وأدّى الى قتل سبعة فرنسيين.
الحدث الفرنسي يشغل اوروبا اليوم، لأنّ منفّذَيْه فرنسيان، مسلمان من اصول جزائرية، لذا فهو حدث يجدّد طرح سؤال ثقافي حضاري على المجتمع الفرنسي والدولة الفرنسية اولاً: هل إنّ العمل الإرهابي الذي طال الصحيفة هو موضوع امني؟ ام تقع الجريمة ضمن مسؤولية المسلمين، بحيث انّ كلّ مسلم مدان حتّى تثبت براءته؟ وهل اسباب هذا العمل الارهابي تكمن في الثقافة الاسلامية او في الاسلام أم هو تقصير أوروبي في دمج المسلمين بالمجتمعات الأوروبية؟ وكيف يدير الغرب صراعاته؟

أجهزة صنّاع القرار في الغرب لا تفكر من منظور ثقافي حضاري، بل من خلال منظومة المصالح. فالعرب والمسلمون اليوم بالنسبة اليهم موضوع امني. وما جرى في فرنسا لا يمكن عزله ايضا عن عمق العلاقة بالعولمة وسوء توزيع الثروة والتبعية الحضارية، وغياب الديمقراطية والتنمية والمساواة. فبعد كل عمل ارهابي في اوروبا تتصدّر المشهد لغة تعميمية بحقّ المسلمين. في المقابل لا نجد هذه الدول مهتمة باستيعاب المسلمين وبتعزيز روحية الانتماء لهذه الدول، بل تذهب الحكومات نحو اجراءات تزيد من عزلة الجماعات المسلمة واشعارها بالكثير من الذنب والمسؤولية وتجعلهم نهباً للتطرف.

هذه الحكومات استنفرت بعد نشوء تنظيم داعش. قبل داعش لم تستنفر رغم سقوط اكثر من مئة الف قتيل في سورية، وبات العدد يقارب الـ،300 ألف اليوم. وهذا يكشف اولويتها الامنية وتقدّمها على الأولوية الحضارية. أما غياب الديمقراطية وحقوق الانسان في بلادنا فلا يعنيها. هذه الحكومات الغربية ليس المطلوب منها الاعتراف بالمسلم في بلادها، بل المطلوب مساعدته على الانتقال من منظومة قيمية الى منظومة قيمية أخرى تساعده على الاندماج وبالتالي الخروج من الغيتوات المسلمة التي تنتشر في اوروبا وغيرها. لم يبذل أحد جهداً حقيقيا على هذا الصعيد. حتّى هذه الحكومات حين تريد ان توجّه رسالة ايجابية إلى المسلمين نراها تذهب باتجاه تعزيز المشروع الاصولي والسلفي، وتتخلّى عن منظومة القيم الديمقراطية في سبيل نظام مصالحها. فالحكومات الاوروبية والاميركية عقدت صفقات مع منظومات اسلامية سلفية واصولية، لتأمين مصالحها على حساب منظومة القيم الديمقراطية والحقوقية. وبالتالي على حساب أيّ مشروع تنويري لدى المسلمين.

اما ما نشرته مجلة الرسومات الكاريكاتورية التي نُفذت الجريمة بحقّ محرّريها، فلا يدخل في باب حرية الرأي المقبولة بل في سياق التحريض على الاديان والرموز الدينية ( لجميع الاديان). ورغم ذلك فمواجهته ليس مقبولا أن تكون بالقتل والعنف والإرهاب . لكن ما يجب ان يقال في هذا السياق هو التالي: لماذا دائما موضوع حرية التعبير عن الرأي يوضع في مقابل إشعار الآخرين بالاهانة؟ لماذا تقدّم حرية التعبير في مقابل التسليم بتقبّل الاهانة؟ بمعنى ادقّ: لماذا تُحشر حرية الرأي في زاوية ضيقة؟ لماذا في اوروبا نفسها يشكّل التشكيك بجرائم الهولوكست إيذاناً بالدخول إلى السجن؟ أما شتم رسول المسلمين فيجب أن يمرّ مرور الكرام؟

القيم الغربية الحقوقية والديمقراطية ان لم تتقدم في سياسات الحكومات على شبكة المصالح لديها، فسيبقى المعيار الامني هو الذي يحدد العلاقة مع الاسلام وشعوبه. واذا بقي تعامل الحكومات مع الجماعات المسلمة في اوروبا بعنوان امني يستهين بالجهد المهمش من اجل ازالة مبررات التمييز العنصري، سيدفع هذه الفئات الى المزيد من العزلة والشعور بالذنب والمسؤولية وانتاج التطرف. اذ ليس هناك من جهد حقيقي لاستيعاب هذه الجماعات بما يعزز في تفكيرها وسلوكها المواطنية.

ما حصل في باريس ارهاب لا يمكن ان يبرّر، لكن له اسبابه التي يجب ان تقرأ بعناية. وهي ليست في الإسلام كما يجري التجييش داخل المجتمعات الغربية من قبل تيارات تستثمر هذه الأعمال الوحشية. وتظاهرة باريس تكشف التخبّط في قراءة الواقع الاسلامي. مئات الآلاف قتلوا في سورية. الحكومات الغربية ايضا هي مسؤولة ما دامت تتعامل مع المنطقة باعتبارها ملفاً امنياً يحمي نظام مصالحها. فليس امراً عاديا ان تتحرّك الجيوش الغربية ضدّ النظام العراقي أو السوري من اجل المفاعل النووي او الاسلحة الكيماوية، ولا يحرّكها او يوقظها مجزرة يومية يرتكبها بشّار الأسد منذ اربع سنوات بحقّ الشعب السوري.

عندما يوغل الغرب في تقديم نظام مصالحه على منظومة القيم الحقوقية والديمقراطية التي يؤمن بها، فسنتوقّع في زمن العولمة انّ جغرافيا الإرهاب ستتمدّد من الشرق إلى الغرب.. وبالعكس ايضاً.

السابق
ديمبسي: مضي ايران في برنامجها للأسلحة النووية يشكل خطرا غير مقبول
التالي
فيديو حصري يظهر لقاءً بين جندي أسير لدى النصرة ووالده