محنة لبنان: الثنائيات الخانقة والتسويات الهشّة

يتساءل كُثُر، في لبنان، وسط الاضطرابات المتفاقمة والمخاوف المتعاظمة، أمَا من سبيل للخروج من المأزق الخانق الذي يضعنا بين فكّي الكماشة: الصراعات الطائفية المحتدمة في الداخل، والتدخلات السافرة من الخارج، من جانب القوى الفاعلة في لبنان، بثالوثها العربي والاقليمي والدولي. هنا مقاربة للمسألة على وقع ما استجد من تطورات وتداعيات على المسرح، بعد تفاقم ظاهرة الإرهاب وتداعياتها السلبية، بل القاتلة، على الوضع اللبناني.

البلد الاستثنائي
لبنان بلد صغير تم انشاؤه، قبل عقود، لكي يتركب من فسيفساء من الطوائف، لكل واحدة منها هويتها الدينية أو المذهبية، كما لها ولاؤها أو تحالفها مع مرجعها الثقافي أو السياسي أو المالي أو الأمني في الخارج.
هذه التركيبة التعددية هي التي جعلت من لبنان بلداً استثنائياً، من حيث كونه نموذجاً للتنوع أو مختبراً للتعايش أو منبراً لحرية التفكير والتعبير. من المفارقات في هذا الخصوص أن تعددية الطوائف هي التي وقفت وراء الديموقراطية اللبنانية، وليس احترام حق الآخر في الاختلاف. فاللبنانيون ليسوا عشّاق الحرية، كما يقدّمون أنفسهم، أو كما يرى إليهم بعض العرب الذين يحسدونهم على الفردوس الليبيرالي الذي ينعمون في اجوائه.
لكنْ، ما كان ميزةً في ما مضى، قد بات آفة، بعدما أصبح كل فريق، في الداخل، يعطي الأولوية لعلاقته بمرجعه في الخارج، على حساب علاقته بشركائه في الوطن، وهي علاقة تزداد توتراً وسوءاً، بقدر ما تحتدم الصراعات على المسرح العربي والاقليمي.
هكذا صار الولاء للخارج هو الأولى، بحيث بات اللبناني، وليس إسرائيل، هو العدو الأول للبناني، كما تشهد لغة الخطب المشحونة بمشاعر الكره والعداء، بين الطوائف المتنابذة والقوى المتعارضة. من هنا بات الحوار بين الأخوة في الدين او الشركاء في الوطن أصعب وأكثر تعقيداً من الحوار بين العرب وإسرائيل، بقدر ما بات الصراع بينهم أدهى وأخطر.

المساواة بالمفاسد
بالإضافة إلى هذه المشكلة الكيانية، هناك مشكلة سياسية تجسدت في كون الساسة الذين تعاقبوا على حكم البلد، منذ نشأته، قد فشلوا في ادارته، ولم يحسنوا تطوير صيغته الديموقراطية، المدنية، إذ كان الهاجس، في أكثر الأحيان، هو التنافس والتسابق، لا من أجل الخير العام والمصلحة المشتركة، بل من أجل حصد الغنائم والمكاسب، سواء باللعب على الوتر الطائفي، أو بانتهاك الأنظمة والقوانين، عبر هدر الأموال ونهب الثروات. من هنا كانت القاعدة الذهبية في لبنان دوماً المساواة في المكاسب والمفاسد.
ليس هذا وحسب، بل إن الساسة أطاحوا المحاولة الاصلاحية التي تحققت في أيام الرئيس فؤاد شهاب (1958 – 1964)، بقدر ما أمعنوا في تشويه ما ورثه لبنان عن فرنسا، وتخريبه، تماماً كما أمعنت الأنظمة العربية، ولا سيما تلك التي استولت على لبنان، في مسخ ما ورثته عن عهود الاستعمار، وتخريب ما يخصّ عناوين الحداثة وشعاراتها. هذا ما جعل الرئيس الراحل ينعت الساسة في لبنان بأنهم “أكَلَة الجبنة”. هذا في زمنه، أما اليوم فقد ازدادت الأحوال سوءاً وفساداً، كما تشهد التجارة بالأغذية والأدوية الفاسدة التي تجري أعمالها بتغطية من الساسة أو بسكوتهم عليها. فكيف يمكن إذاً لهؤلاء أن يحاربوا “داعش” وهم الوجه الآخر لها، لأن من يفسد في الأرض هو شريك لمن يسفك الدماء، في تدمير القيم وخراب الدول؟!

مفاعيل المقاومة
ثم برزت المشكلة الكبرى، بعد انتقال المقاومة الفلسطينية إلى العمل، انطلاقاً من لبنان، بدعم من الدول العربية التي كانت تنظر إلى نجاح لبنان وازدهاره بعين الحسد والعداء، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية بصيغتها الأولى بين مسيحيين ومسلمين (1975-1976). بذلك فقد لبنان قراره المستقل، وصار بلداً معلّقاً، بعدما استولت عليه القوى من داخل وخارج، بجيوشها وأحزابها، أو بمنظماتها وميليشياتها، من عهد عرفات إلى عهد حافظ الأسد، وصولاً إلى الانتداب الإيراني على لبنان، عبر وكيله الشيعي: “حزب الله”.
وهكذا، كان اللبنانيون غافلين عما يتمتّعون به من حريات، وفي الاخص مَن كانوا منهم لا يعترفون بالكيان اللبناني من أصحاب المشاريع القومية واليسارية، الأمر الذي حوّله “ساحة” سائبة ومفتوحة، لكل داعية مشعوذ أو مناضل مخرّب، بذريعة الدفاع عن القضايا المقدسة والشعارات الخادعة او المشبوهة، وكانت الحصيلة انفجار حروب أهلية بدأت منذ عقود ولم تنتهِ فصولها بعد.
بالطبع، تراجع الكثيرون ممّن كانوا في صفّ العروبة واليسار، بعد هذا الدمار الذي أصاب لبنان ليطرحوا شعار: “لبنان هو أولاً”، بأرضه ودولته ومؤسساته وجيشه، الأمر الذي يعطي صدقية للراحل الكبير، الشاعر سعيد عقل، الذي بالغ في حب لبنان حتى تأليهه بقدر ما كان يؤلّه نفسه، لكنه جسّد بإبداعه وبعد نظره، الحلم اللبناني وكان آية من آيات لبنان العظمى التي ساهمت في صنع أسطورته ومجده. لكن البعض لا يزال يفكر وكأن شيئاً لم يحدث. أذكر أنني عندما شاهدتُ متظاهرين يساريين، في شارع الحمراء، يريدون إغلاق مقهى “ستاربكس”، بحجّة أنه فرع من شركة اسرائيلية، قلت في سري: فليتقّ هؤلاء كارل ماركس، لأن سياساتهم ساهمت في تخريب لبنان، وما استرجعت ذرة من فلسطين، تماماً كما أن من أتى بعدهم يساهم في تدمير سوريا، من دون استرجاع ذرّة من الأراضي المحتلة.

الحرب على الإرهاب
هكذا قُبض على لبنان منذ العام 1969، ومُنع من أن يعود إلى وضعه الطبيعي كبلد مستقر وآمن. ثم زادت الأمور سوءاً، بالانتقال إلى الحرب الأهلية بصيغتها الثانية بين المعسكرَين السنّي والشيعي، على كل المستويات السياسية والإيديولوجية والأمنية، ولا سيما بعد انخراط “حزب الله” في القتال إلى جانب النظام السوري.
وما الحرب على “داعش” وأخواته إلا وجه من وجوه ذلك الصراع الذي يحتدم في لبنان وسوريا كما في العراق واليمن، بين الكتلتين: الشيعية بقيادة إيران، والسنّية بقيادة السعودية وتركيا.
خلقت هذه الحرب مشكلة جديدة للبنان تُضاف إلى سابقاتها، هي الحرب على الإرهاب. صحيح أن الإرهاب مورِس، منذ عقود، في البلد الذي كان يسمّى “سويسرا الشرق”، سواء بخطف أجانب، أو بتفجير السفارات، أو باغتيال الشخصيات، لكنه تحوّل الآن إلى معضلة كيانية، كما تشهد العمليات بين الجيش اللبناني والمنظمات الإرهابية على الحدود اللبنانية – السورية، إذ هي تورّط لبنان في النزاع السوري، فيما هو يريد أن ينأى بنفسه عنه.
لذا لا يجدر تبسيط الأمور. فإذا كان الإرهاب يحتاج دحره إلى سنوات، كما يعترف قادة التحالف الدولي المؤلف من عشرين بلداً، فكيف يمكن للبنان أن يتغلب عليه؟! كذلك لا يجدر تبسيط الأمور بإخفاء البعد الطائفي للحرب على الإرهاب. صحيح أن العالم السنّي، الرسمي، ممثلاً بالأزهر والسعودية، يعلن بصورة قاطعة أنه مع الحرب ضد تنظيم “داعش” وأخواته، لكن ذلك لا يخفي مشاعر الخوف لدى الجمهور العريض من أهل السنّة الذين يقفون من الحرب على “داعش” موقفاً ملتبساً. هذا إذا كنا لا نريد دفن رؤوسنا في الرمال.

الاستعمار الديني
لا ينخدعن أحد بأن هناك فريقاً قوياً يعلن دعمه للجيش في حربه على “داعش” و”النصرة”، فيما هو لا يعترف أصلاً بلبنان. نحن إزاء ضدّين هما وجهان لعملة واحدة، بقدر ما يتواطآن ضد البلدان العربية، بإغراقها في الفوضى والعنف لتفكيك دولها وتمزيق نسيجها الوطني.
من المضحكات أن البعض يعتبر الحرب على “داعش” ضرورية من أجل منع الجهاديين من إقامة إمارةٍ في شمال لبنان، في حين أن الجهاد الشيعي، بدعمٍ من النظامَين الإيراني والسوري، قد أقام إمارته منذ أكثر من ربع قرن، ممّا جعله يتعامل مع لبنان كأنه مُلكُه الذي يتصرّف به كما يشاء.
لكن لا ينبغي تبسيط الأمور من وجهٍ ثالث. فالصراعات الجارية مركّبة بقدر ما هي ملتبسة ومتداخلة. هناك صراع طائفي بين سنّة وشيعة، لكنه مغلّف بصراعٍ له طابعه القومي، إذ هو صراع بين عرب وغير عرب. فإيران، مثالاً، هي في النهاية، دولة عريقة لها لغتها وتقاليدها وثقافتها، لذا فهي وإن إعتنقت الإسلام، بنسخته الشيعية، فإنها حوّلته الى دين قومي. بهذا المعنى، فالشيعة العرب الموالون لإيران والمرتبطون بمشروعها الاستراتيجي، هم جاهلون بقدر ما يتناسون هذا البعد الوطني، الحاضر في عقول الإيرانيين بصورة لاشعورية، وأحياناً بصورة صريحة وسافرة.
هذا ما تشهد به تصريحات القادة والجنرالات الإيرانيين الذين رقصوا طرباً عند سقوط مدينة صنعاء في قبضة عاملهم وعميلهم عبد الملك الحوثي وجماعته، والذين لا يتركون فرصة إلا ويعلنون فيها أن حدود إيران تبدأ في طهران وتنتهي عند شواطئ لبنان. لعلّ ما يقومون به الآن هو ثأرٌ تاريخيّ يجيء كردّ فعل، بعد أكثر من ألف عام، على خروج العرب من جزيرتهم بمشروعهم الديني، لكي يستعمروا الشعوب التي سيطروا عليها باسم القرآن والإسلام. وتلك هي فضيحة الوحدة الإسلامية التي تعامل دعاتها ولا يزالون، ماضياً وحاضراً، مع من تجمعهم بهم عقيدة التوحيد بلغة الهيمنة والاستعمار او الغطرسة والاستكبار او الثأر والاستقواء.
من التبسيط، من جهة رابعة، قول بعض السنّة في لبنان بأن أهل السنّة هم المستهدفون. المستهدف في رأيي هو العالم العربي بجميع دياناته وطوائفه، بمن فيهم شيعة إيران الذين سيكتشفون، بعد فوات الاوان، ما جرّته وتجرّه سياساتهم من سوء العواقب على المصائر.

العجز والاستهداف
لا يصح الكلام على المشكلة اللبنانية من دون الكلام على العالم العربي، ما دامت معضلة لبنان هي، في وجه من وجوهها، مشكلة عربية. والعالم العربي هو اليوم في أسوأ أحواله. إذ هو فريسة للتطرف الديني والعنف الجهادي، كما هو فريسة للحروب الأهلية المركّبة، الطائفية والعرقية والسياسية. نحن إزاء عالم مشلول وعاجز عن إدارة شؤونه وتطوير أوضاعه باستخدام لغة العصر ومفاهيمه أو قيمه ووسائله. ما يجري هو العكس بالتمام، بعدما تمّ الانقلاب على الثورات التي قامت بها الأجيال الجديدة ضد الطغيان والفساد، سواء من جانب القوى القديمة المضادة لأي تغيير أو اصلاح أو تحديث، أو من جانب القوى الأصولية التي ركبت الموجة الثورية وحاولت استغلالها لترجمة مشروعها الذي يُنتج كل هذه الدماء وكل هذا الدمار.
التورّط والتواطؤ
إذا كان العالم العربي يشهد على عجزه، فإنه مُستهدَف من الخارج، بتوسل قوى في الداخل، وعلى ما يتعامل معه اللاعبون على “ساحته” من الدول الكبرى والقوى الفاعلة: أميركا وروسيا، إيران وتركيا، ومن يرتبط بها في الداخل العربي من الجماعات والأحزاب والميليشيات.
لذا لا يصح الحديث عن الوضع العربي، من دون التطرق إلى الوضع العالمي، لأن الأزمة العربية هي وجه من وجوه الأزمة العالمية، تماماً كما أن مشكلة لبنان هي وجه من وجوه المشكلة العربية. من الطبيعي أن يكون الأمر كذلك في عصر تتشابك فيه المصالح والمصائر بقدر ما تتعولم المشكلات والهويات، وربما المكتسبات والخيرات.
هكذا فإن مشكلة لبنان هي جزء من المشكلة العالمية. لكن العالم ليس على ما يُرام. نحن إزاء نظام عالمي فقد مشروعيته في إدارة الشأن الإنساني والكوكبي، كما تشهد السياسات والاستراتيجيات للاعبين والفاعلين على المسرح، إذ هي تتسم بسمات ثلاث: التخبّط، والتورّط، والتواطؤ.
الخلق والخرق
في ظلّ وضع مأزوم وبائس كهذا الوضع الذي يتسم، عربياً، بالشلل والعجز والتردي، كما يتسم عالمياً بالتورط والتواطؤ، ما الذي في إمكان اللبنانيين ان يفعلوه للخروج من النفق أو المستنقع؟!
لا شك أن الحلول ليست سهلة بل هي معقّدة وشبه مستحيلة، ما دام الأمر خرج من يد اللبنانيين وباتوا أسرى لعبة هي أكبر منهم؟ مع ذلك، لا مهرب من أن نفكر في ابتكار الحلول، إذا لم نشأ أن نحكم على أنفسنا بالعجز المطبق والجهل الفاضح. ولا حلول من دون قدرة فذة على الخلق والخرق، بخلق وقائع تغيّر المعطيات، بقدر ما تترك أثرها الفعال والبناء في تغيير خريطة المشهد وعلاقات القوة.

المخرج إذا بقي عقلاء في لبنان، بل إذا بقي لبنانيون في لبنان، أن نحسن قراءة الوضع المتشابك بمختلف أبعاده العربية والإقليمية والدولية. وقراءتي في هذا الخصوص ألخّصها بالبنود الآتية:
– لا احد يساعد اللبنانيين على حل أزمتهم، إذا كانوا هم أنفسهم لا يسعون إلى ابتكار الحلول. تفيد التجارب أنه كلما تقارب اللبنانيون وتواصلوا، ضعف أثر التدخلات من الخارج. وبالعكس. من هنا ما عادت تجدي استراتيجيا الاستقواء بالخارج لاستضعاف الشريك في الداخل، إذ هي لا تنتج سوى الدمار المتبادل.
– لا نعوّلنّ كثيراً على العرب لحل مشكلة لبنان، لأن العاجز أو المستبد لا يحل لك مشكلتك، بل هو يتخذك رهينة في انتظار حل مشكلته، مما يجعله يساهم في تأزيم الأوضاع لا في حلها.
– بداية الحل المُعجِز هو التفكير والعمل على تفكيك المنظمات والإمارات المسلّحة على اختلافها. فلا جدوى من محاربة هذه الإمارة الجهادية بالسكوت على أخرى أو بدعمٍ منها. فالتنظيمات المسلّحة، الخارجة على قوانين الدولة، يستدعي واحدها الآخر ويخدمه أو يتغذّى منه بقدر ما يستمدّ بقاءه من وجوده.
– يقتضي الحل تشكيل اقتناعات جديدة بحيث يعترف الواحد بأنه يخطئ ولا يملك الحقيقة، وإلاّ وقع في خطأ مضاعف، ومارس جهلاً مركّباً بالذات والآخر والواقع، لكي يدمر جسور التواصل مع النظراء والشركاء. مثل هذا الاقتناع يعني كسر إرادة التملك والقبض والتحكم. فلبنان ليس ملكاً لأحد، ولا سيما أولئك الذين يستضعفون الدولة ويستقوون على شركائهم بقوة السلاح.
– لا حلول من دون كسر أنماط التفكير السائدة والمستهلكة التي تعيد إنتاج الأزمة بشكلها الأسوأ. من هنا يحتاج الحل إلى خيال خلاّق يجترح إمكانات جديدة للعمل الوطني تُبتكَر معه صيغ جديدة، مرنة، مركّبة، يجد فيها كل فريق قسطه ويمارس دوره في بناء المجتمع وتقدمه.
– لا نعوّلنّ كثيراً على مجلس النواب الذي فقد صدقيته وبات دوره تعطيل الحلول، بدلاً من السعي لإنتاجها. من هنا المسؤولية التي تحملها الشخصيات والهيئات والقوى الوسطية والمستقلة، وكل فاعليات المجتمع المدني بحيث يكون لها دورها الفعال في كسر إحتكار الشأن الوطني من هذا الفريق أو ذاك، وفي تفكيك المتاريس الإيديولوجية والخنادق السياسية التي تعطل الحلول، عبر المشاركة في المناقشة العمومية بأوسع مجالاتها ومختلف دوائرها وميادينها. بذلك لا تقتصر الحوارات على الذين يتباحثون في الغرف المغلقة، بل تشمل كل مَن هو قادر على أن يُساهم في رأي او موقف أو اقتراح، لفتح كُوّة في الجدار المسدود. إن المجريات والتطورات تجاوزت الثنائية القائمة في لبنان بين الفريقَين المتصارعين السنّي والشيعي، إذ هي أعجز من أن تنتج حلولاً أو أن يترك لطرفيها تقرير مصير مجتمع بأسره، إلا إذا نفد رصيد لبنان من وجود أناس قادرين على إبتداع حلول لإخراجه من مأزقه الخانق.

خلاصة القول
لا نتوقعن حلولاً للمشكلات بصورة حاسمة، فالحلول، إذا وجدت، هي أشبه بتسويات موقتة، قد تولّد مشكلات اخطر وأكثر استعصاء، فكيف ونحن نندرج في واقع متدفق وفائق بقدر ما هو سيّال ومتسارع، لا ينتج سوى أنصاف الحلول وأشباهها. الدرس عند مَن يحسن استخلاص العبرة، هو التخفّف من المزاعم المثالية والادعاءات الطوباوية التي تترجم تألهاً وعبثاً أو جنوناً وتوحشاً. لست لأتشاءم. ولكن لم تعد تجدي المعالجات والتدابير بالعقليات والأفكار القديمة أو السائدة. فمفاهيمنا لقضايا الهوية والحرية والدولة والديموقراطية تحتاج إلى إعادة النظر والبناء، وفي الأخصّ مفهومنا للمشترك الوطني أو للمشترك الإنساني، عبر صوغ أنظمة وقوانين تكسر إرادة القبض والتملك، بقدر ما تأخذ في الاعتبار ما يسفر عنه تطور الحياة المعاصرة من الحقول والمجالات أو القوى والبدائل أو القيم والوسائل.

السابق
إعلانات «تويتر» تتجاوز الحدود
التالي
اتفاق الطائف مظلوماً بين طائفتين على غير ما يُرام