سنة «داعش» لم تنتهِ في 2014 و…ستكون حدث 2015

إذا كانت سنة 2014 حقاً هي سنة “الدولة الاسلامية”، فمن الممكِن المراهنة بسهولة على أن هذا التنظيم المتشدّد الذي وصفه الرئيس الاميركي باراك أوباما يوماً بأنه “فريق هواة” لن ينكفئ بسهولة، وسيواصل صناعة الحدث سنة 2015 في غياب استراتيجيات فاعلة لمواجهته.

في نهاية 2013 كان “داعش” مجرد وحش من وحوش كثيرة استباحت سوريا وخطفت ما بقي من آمال سورية في التغيير. ففي تلك السنة التي سقطت كل الخطوط الحمر في النزاع السوري، كان التنظيم يتمدد تدريجا على حساب المجموعات المعارضة متجنّباً مواجهة النظام وقوّاته. وفيما كان التمرّد السنّي يرفع رأسه مجدّداً في العراق ، كان “داعش” يخطّط ويرسم ويستعدّ للساعة الصفر بحملة مدروسة جيداً، ومن ضمنها هجمات منظمة على السجون عرفت باسم “هدم الجدران”. تلك الهجمات المتفرقة لتحرير سجناء انتهت بهجوم ناجح على سجني ابو غريب والتاجي في صيف 2013 خرج خلاله 500 سجين على الاقل، غالبيتهم مقاتلون مدرَّبون.

حجم الطموحات
خطّط التنظيم ودبّر ونفّذ على مرأى حكومات المنطقة واستخبارات العالم. وكان نمو قوته بيّناً امام عيون الكثيرين. وإذ غضت أطراف النظر عنه وسهّلت له أخرى التعبئة والامداد، في لعبة خطيرة من تقاطع المصالح، بدا لاحقاً أن أنظمة ودولا كثيرة لم تدرك حجم طموحات ذلك الكائن الغريب الذي ولد في المعتقلات الاميركية في العراق ورفدته سجون النظام السوري بالمقاتلين، وبات يهدّد بسجن المنطقة كلها.

استياء سنّي
استفاد التنظيم من الاستياء السنّي المتصاعد في العراق نتيجة سياسات التهميش لحكومة نوري المالكي واستراجيته الامنية وسيطرته على مفاصل الحكم. ومثّل كلّ من النزاع السوري والتقارب الاميركي – الايراني عوامل إضافية في إطار تهيئة الأجواء للتعبئة والحشد.
كان تنظيم “القاعدة” في العراق في حال سيّئة بعدما واجه التمرّد السنّي ضربات موجعة على يد القبائل السنّية التي شكلت “الصحوات”. واضطر الى الانسحاب من غرب العراق باتجاه مناطق حول الموصل. ولكن من بقي من مسلّحيه بدأوا ينتعشون تدريجاً مع انتهاء الانسحاب الاميركي في نهاية 2011. ولعبوا على وتر الاستياء الواسع بين العراقيين السنّة، حتى إنهم نجحوا في استقطاب جماعات سنّية كانت تحاربهم في الأنبار.
وشكلت الحرب السورية فرصة لانطلاقة جديدة لهؤلاء الجهاديين. وقبل استيلاء “داعش” على الموصل كان لدى التنظيم ميدان يستطيع استيعاب ستة آلاف مقاتل، لكن هذا العدد تضاعف مرّات مع الهيبة او السطوة التي اكتسبها لدى الشبان السنّة وعوامل الجذب التي لفتت أنظار بعثيين سابقين وأبناء قبائل عراقية ومنشقّين من “القاعدة” وجهاديين متحمّسين من كل أصقاع العالم وجدوا في تركيا ممراً سهلاً الى المعركة.

استراتيجية مختلفة
تعلم “داعش” من تجربته في العراق معتمداً استراتيجية مختلفة في سوريا لتقليص الخسائر. هنا ركّز على الاستيلاء على مناطق تخسرها القوات السورية ويعجز “الجيش السوري الحر” والمعارضة المسلحة الاخرى عن المحافظة عليها. وعلى رغم انخراطه في حرب أهلية جهادية مع “النصرة” و”أحرار الشام” وجماعات أخرى، تمكّن من المحافظة على الرقّة وعلى جزء كبير من شرق سوريا، وصولاً الى كوباني التي كاد ينفِّذ فيها إحدى أكبر المجازر لولا القرار الدولي بالتدخّل في اللحظات الاخيرة.

سقوط الموصل
وجه “داعش” برفعه الراية السوداء فوق الفلوجة في آذار 2014، بعد سيطرته على منطقة واسعة من الأنبار، صفعة قوية للولايات المتحدة التي كلّفها تحرير المدينة عام 2004 خسائر بشرية ومادية فادحة. مذذلك، بدأ يتّضح أن ميزان القوى تغيّر في العراق لمصلحة “الدولة الاسلامية” عقب هزيمة نكراء للجيش العراقي الذي كان ينشر خمسة ألوية في المحافظة.
ولكن على رغم هذه المؤشّرات القوية، شكل سقوط الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، في حزيران صدمة قوية لبغداد والعالم، ونقطة تحوّل في المنطقة. فبسرعة قياسية مفاجئة، تقدّم مسلّحو “داعش” من الموصل في اتجاه تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين، ومسقط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومنها الى بيجي ومصافي النفط فيها، في ظلّ مقاومة شبه معدومة من الجيش العراقي.
نفذ “داعش” هجموماً متقناً، لا مجرد تقدّم فوضوي ناجم من انهيار الجيش العراقي في الموصل. ومع المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا، تمكّن من بسط سيطرته على شريط من الأراضي يمتدّ على طول أكثر من 660 كيلومتراً من حلب حتى بلدات في شرق العراق تقع على مسافة ساعتين من الحدود الايرانية.

جرعة دعم

منذ إعلانه الخلافة في 29 حزيران ومبايعة ابو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، أظهر الفصيل المنشق عن “القاعدة” أنه أشدّ عنفاً وفاعلية من التنظيم الأم. عكس اسمه (الدولة الاسلامية في العراق والشام) والذي اختصر لاحقاً الى “الدولة الاسلامية” أهدافا خبيثة، أما ممارساته فجاءت أفظع وبيّنت طائفية لا حدود لها وإجراماً تخطّى دموية “القاعدة” التي انتقلت الى قيادة أيمن الظواهري. وقد أظهرت أرقام “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن التنظيم أعدم نحو 1500 شخص في سوريا وحدها، بينهم نحو 700 من أفراد عشيرة الشعيطات السنية.
… بعد ستة أشهر من إعلان الخلافة، تبدو تصريحات المسؤولين الغربيين أنهم نجحوا في وقف تقدم “الدولة الاسلامية” غير مقنعة تماماً. فمع أن “داعش” يواجه في العراق تحالفاً ضمنيًّا بين 60 دولة وايران، فالحديث عن نجاح الجيش العراقي أو الائتلاف الدولي في منع وصول المقاتلين الى بغداد، ليس إلا بمثابة جرعة دعم لرفع المعنويات أكثر منه واقعاً. وفي سوريا، لم ينجح الائتلاف الدولي حتى الآن إلا في منع سقوط أحياء إضافية من كوباني من دون أن يبدّد الخطر نهائيا عن المدينة.
لعله من الصعب التكهن بما سيحصل في الاشهر المقبلة في سوريا والعراق نظراً الى الفوضى والتغيّر السريع في الوضع على الارض، إلا أن الواضح حتى الآن أن “الدولة الاسلامية” لا تزال تدفع للسيطرة على مزيد من الأراضي في مختلف أنحاء العراق، وهي تهدّد جديًّا محافظة الأنبار على طول الحدود مع الاردن. الى ذلك، يوسع التنظيم شبكته من معسكرات التدريب ويستمر في استقطاب المقاتلين من جهات العالم الاربع، بما فيها اوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا. وإذا واصل التنظيم نجاحاته وجهوده الدعائية، فمن المرجّح أن يحظى بمبايعات مجموعات محلية، إضافة الى مجموعات انفصالية في شمال القوقاز مثلا.

إعادة التوازن
حتى الآن، تمثل الغارات مصدر ازعاج لـ”داعش” أكثر مما تمثل خطراً حقيقيًّا عليه. ففي سوريا مثلا، اضطرت الضربات التنظيم الى الانتقال من استراتيجية الهجوم الى الدفاع وخصوصا في كوباني. وبوتيرة كهذه، لا يبدو أن الائتلاف سيكون قادراً على تقويض التنظيم الذي يعمل كمجموعات فدائية تبدو قيادتها مدرّبة جيداً على البقاء في الخفاء.
ومع استمرار الحرب في سوريا، من الواضح أن الجماعات المتطرّفة من أمثال “داعش” ستستمرّ في التغلّب على المعارضين الآخرين الأقلّ تشدّداً وعلى تقويض قدرتهم على التحرّك في أيّ مفاوضات محتملة. ومع ذلك، لم يعد ثمّة مفرّ من البحث عن مخرج سياسيّ لهذا الجنون الذي حوّل نصف سوريا أنقاضاً ويهدّد بتدمير النصف الاخر.
أما في العراق وعلى رغم زيادة الدعم الاميركي للقبائل السنّية التي تشكّل الخط الامامي في المعركة، فثمة من يدفع في اتجاه دعم أكبر بكثير للقبليين، بما فيه تسليح لرجال القبائل. ومع أن تسليحاً كهذا قد يساعد القبائل السنّية على مواجهة “داعش” وإضعافها، الا أنه لن يكون قادراً على القضاء عليها ما لم يترافق وعملية سياسية تتيح إعادة التوازن الى الحكم في العراق وتقطع الطريق أمام تكرار تجربة المالكي في الحكم.

السابق
الجيش : توقيف اربعة سوريين حاولوا التسلل من منطقة شبعا باتجاه بيت جن السورية
التالي
قانون الإيجارات ساري المفعول منذ 28 ك1 غانم : تطبيقه مشلول قبل«الترميم»