السياحة في إقليم التفاح قصة في تراجع كبير

لا زال أصحاب المطاعم في إقليم التفاح وشرق صيدا يعاندون الواقع السياحي المتراجع عاما بعد عام… فالهموم المعيشية والواقع الأمني المتردي جعلا حركة الناس محسوبة  لأي نشاط ترفيهي، إضافة إلى إلغاء المناسبات الجماعية التي كانت تقيمها المؤسسات الإجتماعية والأحزاب السياسية، والتي كانت السند الأساس لإستمرار خدمات هذه المطاعم.

حاولت البلديات في معظم بلدات المنطقة المساهمة في خلق جوّ جديد، زينة ملأت كل الساحات، والإضاءات الملونة شعشعت في الشوارع، عدد كبير من الإستراحات والمقاهي رصفت الكراسي على جانبي الطرقات، وحركة المواطنين ليلا أعادت الحياة لبلدات إعتادت النوم باكرا.

ساهمت المخاوف الأمنية ايضا في تقوقع الناس داخل قراهم، وتغير لون الفرح في فصل الصيف، الغداء في طرابلس قرب المينا أضحى حلما بعيدا عند الجنوبيين، صيدا وصور لم تعودا تغريهم أيضا، الأماكن المزدحمة والتجمعات شكلت خوفا جديدا، حالات الهلع عادت لتسيطر وتعيد مشاهد الحرب الأهلية لمن عاشها من جديد.

السياحة الدخلية نشطت بشكل كبير، قد لا يصح إستخدام هذا المصطلح إذا كان نطاقه بعض بلدات صغيرة، لكنه هو الحال، الناس لم تعد تغادر نطاق منطقتها إلا للضرورة،  والسهرات البعيدة ألغيت من يومياتهم، في وقت أعادت العلاقات الإجتماعية والزيارات بين الأقارب والجيران رونقها القديم.

عوائق سياحية

أثر الوضع الأمني في البلد على عودة الكثير من المغتربين إلى بلداتهم، وهم الأساس الذي يعوّل عليه أصحاب المطاعم، أحمد كركي صاحب مطعم في بلدة عين بوسوار، يؤكد:” أن حركة المصطافين الكثيفة داخل البلدة، لم تفعّل حركة الزبائن في المطعم، لأن القروض الكثيرة التي أغرقت المواطن في هموم العيش، حرمته من الرفاهية وأصبح يهتم بالمظاهر الخارجية من سيارة وتلفون حتى ولو كانت بالدين”. مبديا إستياءه من التراجع المستمر للواقع السياحي، معتبرا أن هذه البلدات يجب أن تكون مقصدا دائما لكل من يبحث عن الإسترخاء بعيدا عن مشاكل الحياة والمدينة، وحتى المنطقة التي كانت ولا زالت مزارا لكثيرين وهي معلم مليتا السياحي تشهد اليوم بمطاعمها تراجعا بالحركة المعتادة، يقول رضا براري مدير صالة في احد المطاعم المجاورة لـ”مليتا” :”أن قدوم فصل الصيف لم يغير وتيرة العمل في المطعم فحركة الزبائن مقبولة إلى حد ما لكنها دون المستوى المطلوب”، مقدرا حركة الزبائن الفاعلة بأربعة ايام في الأسبوع.

لا يكفي تدهور الأوضاع الإقتصادية في المنطقة، والموت البطيء للمؤسسات الكبيرة، وكل الاوضاع الصعبة التي يمر بها البلد تلقي بظلالها الثقيلة عليهم، وكلما حاولوا النهوض وجدوا تحديات كبيرة أمامهم، الرسوم والضرائب ومصاريف المياه والكهرباء يدفعونها مضاعفة، فاتورة للدولة وفاتورة للمولدات الخاصة، إضافة إلى شح المياه وفوضى التسعيرات الخاصة بالصهاريج، كل هذه العوائق وقفت حاجزا سميكا أمام أصحاب الإستثمارات السياحية، علي زراقط مدير مطعم في بلدة جباع، يقول بأن كل عام يأتي بالجديد السيء، فالمناسبات الجماعية التي ألغيت بسبب الوضع الأمني خفضت نسبة العمل إلى أقل من النصف، مؤكدا أن وضع الطرقات السيء في المنطقة أبعد الزبائن الذي يقصودنها من بلدات بعيدة، وخصوصا الطريق من بلدة عربصاليم –جرجوع- جباع.

في ظل هذا التراجع السياحي الكبير، برزت مجموعة من الإستراحات الصغيرة على العديد من الأرصفة، تقدم لروادها النرجيلة وبعض من مشروبات ساخنة او باردة، ليجلسوا في الهواء الطلق، تحت جناح الضباب الذي يخيم على كل هذه المنطقة صيفا، حسن خير الدين صاحب إحدى هذه المقاهي يقول: “إن عملها موسمي نفتح صيفا ونغلق شتاء، نقدم خدماتنا بأسعار مدروسة ومقبولة لكل طبقات المجتمع، لم تبق زيارة المطعم حكرا على الأغنياء بحيث أصبحت الجلسة الواحدة في المطعم لشخصين تفوق كلفتها المئة الف ليرة لبنانية، في حين نقدم عروضات لشخصين مع عشاء ونرجيلة بكلفة العشرة الالاف ليرة، لأن مصاريفنا التشغيلية أقل بكثير، فلا فواتير كهرباء ولا ماء ولا موقف ولا عمال، فكرة المقهى بسيطة تسعى للتخفيف عن المواطن عبء الحياة بأقل تكلفة ممكنة، ونتيح خدمة الإنترنت لكل الزبائن بشكل مجاني”.

على الرغم من كل المشهد القاتم، لا زال أبناء إقليم التفاح وشرق صيدا يتمسكون بخيوط الأمل، محمد حمود إبن بلدة كفرملكي إفتتح منذ شهر إستراحة ومطعماً في إحدى مرتفعات البلدة، حيث للمغيب لونا آخر يمتزج بزرقة البحر، وحيث يفرغ الإنسان شحنات الحياة السلبية منطلقا من جديد نحو مبادرات جديدة علها تغير واقعا مؤلما لا زال يسيطر علينا حتى اليوم ويجعل يومنا يمر سريعا امام شاشة التلفاز في ترقب دائم لكل جديد امني في البلد.

 

السابق
الشاعر موريس عوّاد يُرشّح رسميا لـ «نوبل الآداب»
التالي
حسابات التقارب الطارئة بين عون وجعجع؟