عن عجز الحكومة اللبنانية… وفشل الوساطة القطرية

العسكريين المخطوفين
كيف تتصرف الحكومة اللبنانية حيال العسكريين المختطفين، ومن يعوّق السير بملف التفاوض؟ ولماذا رُفضت العروض التي قدمها الخاطفون؟ وهل ان الخلاف بين الاجهزة الامنية والجيش اللبناني هو السبب في خسارة المخطوفين؟ ولمصلحة من سُرّب خبر اعتقال سجى الدليمي؟ ولماذا انسحب الوسيط القطري من ملف التفاوض مع "جبهة النصرة".

كان لانسحاب الوسيط القطري من ملف الوساطة فيقضيةالعسكريين المخطوفينضربة قاصمة لأهالي الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى “جبهة النصرة” في جرود القلمون شرق لبنان. رغم ان التقدم الذي جناه في هذا الملف لم يُسجل اي جديد. فعاد الملف الى نقطة الصفر ما دفع الاهالي الى المطالبة بدور جديد لـ”هيئة العلماء المسلمين” التي أُزيحت مؤقتا من الطريق في السابق لافساح الدور أمام الوسيط القطري الذي قيل ما قيل في اهماله وتراخيه وغيره الكثير… وكان مستشار رئيس الحكومة تمام سلام خلدون الشريف قد قال لـ”جنوبية”: “انه لا معلومات لديه بخصوص هذا الملف”.

فداء عيتاني يقول الصحافي الخبير في الملف الميداني السوري، فداء عيتاني، في حديث لـ”جنوبية”: “لأكون صريحا لا معلومات لديّ عن سبب فشل الوساطة القطرية، ولكن تقديري انّ هناك مشكلتين في موضوع التفاوض، الاولى انّ المخطوفين موجودين بيد ميليشيات فوضوية، مطالبها متحركة. يمكن مثلا ان يطالبوا بانسحاب حزب الله من سورية كمطلب وتارة اخرى مطالب اخرى.

والمصيبة الثانية هو ان الدولة اللبنانية بحالة كسل ويظهر عدم جديتها في توزع العمل بين الحكومة والاجهزة الامنية التي تتصرف على مزاج قياداتها. ومثال ذلك فلنفترض ان المسؤول السياسي يقول: اعتقلوا سجى الدليمي واطلقوا سراحها لاشعار الخاطفين انّنا ننعرف كيف ندير اللعبة. لكنّ الاجهزة الامنية تعتقلها على مدى اسبوعين وبدل ان تطلق سراحها فإنّها تقوم بتسريب الخبر وتفاصيل التفاصيل الى الاعلام، ومن ثم يعلنون انهم سيفاوضون عليها. وهذا ينطبق على الحكومة التي سرّبت لصحيفة السفير خبر اعتقال سجى الدليمي، وهذا العمل، اي تسريب المعلومات والاعلان عنها، هو دليل عدم جدية الحكومة بالتفاوض. وهي تستهدف الناس بذلك. وما كلام قائد الجيش جان قهوجي لصحيفتين محلييتين في اليوم نفسه حول انّ الجيش قادر على الحسم الا عمل مقصود تعميمه”.
ويضيف عيتاني: “اذا كانت الحكومة اللبنانية تنأى بنفسها عن التدخل في الموضوع، فأين هو هذا النأي؟ خصوصاً بعد تصريح اللواء عباس ابراهيم بالنية في إعدام جمانة حميّد وعماد جمعة، ما ادى الى قتل علي البّزال. فقد تأخرت الحكومة في إعلان موقفها من عدم نيّتها إعدام أحد من الموقوفين لديها. إذا القرار السياسي قد تأخّر، وهنا المصيبة الحقيقية في عملية التفاوض”.
المشكلة تكمن في أحدى جوانبها حول خلاف واقع بين الجيش اللبناني والاجهزة الأمنية، محوره مرجعية القرار السياسي حول من يريد تسلّم عملية المفاوضات. فالجيش لا يريد ان تتم العملية الا عبره، وعلى هذا المنوال قد تستمر القضية لاربع سنوات آتية. وخلال المعركة قتل من قتل، وقد عمدت القيادة الى تركهم في ارض المعركة. هم الذين سلّموا ارواحهم إلى قيادة الجيش. والفضيحة الكبرى انّ ثمة عسكريين تركوا المعركة وانشقوا وهربوا الى داخل جرود عرسال، وقد قاد الانشقاق احد الضباط الموجود حاليا في السجن.

بداية طالب الاهالي حزب الله بالتدخل، واليوم بعد انسحاب قطر من الوساطة يطالب الاهالي بعودة “هيئة العلماء المسلمين” إلى لعب دورها في الملفّ. كيف هذا؟ يجيب عيتاني: “هيئة العلماء المسلمين لها طلب واحد وهو تكليفها رسميا من قبل الحكومة اللبنانية حتى لا تكون كبش محرقة، وهي التي يمكنها القيام بذلك كونها تتمتع بنوع من مصداقية عند الخاطفين، ولكن اين هو القرار السياسي الذي على الحكومة اتخاذه بهذا الصدد؟ فعلى المفاوضين حسم قرارهم أوّلا. وقبل ان نوجه الاتهام لهم علينا ان نقرّر من هي الجهة التي ستفاوضهم”.
لكن من يقف ضد المفاوضات، فمن المعلوم ان النائب وليد جنبلاط وحزب الله موافقون على التفاوض. يرى الصحافي فداء عيتاني، الذي أمضى سنتين متنقّلا داخل سورية بحثا عن الأجوبة، أنّ “وليد جنبلاط مع التفاوض، لكنّ حزب الله عرض التفاوض من باب “اوراق القوة”. ولكن ما هي اوراق القوة هذه؟ هل هي خطف سجى الدليمي؟””. ويضيف: “الخاطفون وضعوا أمام الحكومة اللبنانية ثلاثة خيارات لاتمام عملية التفاوض. اولها: حلّ لبناني بالكامل اي مبادلة اللبنانيين في رومية بالعسكريين، وقد رُفض هذا الطرح بالكامل. والثاني: لبناني- سوري وقد رفضوا المشي به. والثالث: تبادل اغلبية سورية بالعسكريين، هو ما تبنته الحكومة اللبنانية. لماذا؟ لأنّها تريد اشراك السوريين في ملفّ الاسرى. وهذا الضغط ببساطة يقوم به حزب الله والاجهزة الامنية الذين يطالبون بتنسيق لبناني – سوري. ومعناه ان تقوم الاجهزة اللبنانية الامنية بتسلّم الاراضي اللبنانية، ويقوم حزب الله بتسلّم الاراضي السورية ويضغطون على المقاتلين في عرسال”.
ويختم الخبير في الملف الميداني الصحافي فداء عيتاني: “الحكومة اللبنانية لا تزال تعيش العقلية التالية: نحن نذبحهم بالسوريين، فنحاصرهم بالجرود في الثلج كما في العام الماضي. لكنّ الحكومة لا تعرف انّهم قد حصلوا على مولّدات كهرباء تكفيهم لأشهر، وصلتهم عبر ضبّاط في الجيش السوري. والخلاصة انّ الاجهزة الامنيّة وحزب الله غير مهتمين بإطلاق الجنود، وكل طائفة تعمل على تقوية جماعتها”.

السابق
رنا الفليطي وعلي البزّال: لبنان والحبّ المستحيل
التالي
غارديان: الحظ منع مفاوضي الدول الخمس والمانيا من التوصل الى اتفاق مع ايران