كيف يمكن للمجتمع المدني أن يراقب قطاع البترول في لبنان؟

النفط
حتّى تتمكّن منظمات المجتمع المدني من إجراء عملية الرقابة على قطاع البترول بنجاح، يجب تحديد أهداف واضحة، كما يجب إجراء البحوث لضمان الفهم الشامل للقضايا ذات الصلة، وينبغي تعزيز الشراكات الفعالة، كما يجب الاعتراف بالانتصارات الصغيرة.

في خلال المؤتمر الذي عُقد بمناسبة اليوم اللبناني للبترول تحت عنوان “إطلاق الفرص” في الثاني والعشرين من تشرين الأول 2014، اجتمع ممثلون عن الوزارات والمنظمات غير الحكومية، وأعضاء من المجتمع المدني لمناقشة مستقبل قطاع النفط والغاز في لبنان. تضمّن جدول الأعمال موضوع التقدم على صعيد تنمية الموارد النفطية البرية والبحرية، فضلاً عن كافة الاعتبارات البيئية.

ركزت جلسة النقاش الأخيرة على الشفافية والحكم الرشيد في قطاعي النفط والغاز، وأبرزت النقاط الرئيسية التالية:
– الشفافية ضرورية لضمان عدم تحوّل احتياطي النفط والغاز في لبنان الى ما يسمّى “بلعنة الموارد” علماً أن الشعب أيضاً يجب أن يشارك في استخدام مثل هذه المعلومات.
– يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني في قلب الجهود الآيلة الى منع الحكومة من السيطرة الحصرية على القطاع ومكافحة سوء الإدارة والفساد.
– كي تتمكّن منظمات المجتمع المدني من إجراء عملية الرقابة بنجاح، يجب تحديد أهداف واضحة، كما يجب إجراء البحوث لضمان الفهم الشامل للقضايا ذات الصلة، وينبغي تعزيز الشراكات الفعالة، كما يجب الاعتراف بالانتصارات الصغيرة.
– توجد أكثر من طريقة واحدة للخوض في عملية الرقابة على قطاع النفط والغاز، بما في ذلك من خلال التفاعل سواء عبر التعاون أو المواجهة مع الحكومة والصناعة.
– توجد مسارات عمل أخرى، غير اعتماد مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، والتي يمكن أن تعزز الرقابة السليمة على قطاع النفط والغاز في لبنان مثل التشريعات المحلية التي تملي كيفية تخصيص عائدات النفط.

تخلّلت الجلسة عروض قدمها ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جوزيف دي كروز، ومنسقة برنامج أنشر ما تدفع Publish What You Pay في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ديانا القيسي، وفرانسيسكو كرافيوتو، الباحث لدى مركز فوندار Fundar، وهو مركز معني بالرقابة والسياسات العامة في المكسيك. عرض كلٌ منهم أفكاره حول الشفافية والحوكمة الجيدة في الصناعات النفطية الوطنية استناداً إلى خبراتهم المهنية وأجابوا في وقت لاحق على الأسئلة التي طرحها الحضور خلال مناقشة أدارها سامي عطاالله، المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات.

تحدّث جوزيف دي كروز عن توسيع نطاق فوائد المسؤولية الاجتماعية للشركات الى أقصى حدّ وعن طريقة عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع المنظمات الوطنية المعنية بقضايا النفط والغاز. وفي حالة لبنان، قال دي كروز إن العمل جارٍ حالياً من أجل وضع مذكرة تفاهم ما بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وإدارة قطاع البترول اللبنانية حول كيفية تنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات. كما أشار دي كروز إلى أهمية تشارك المعلومات بين المجتمع المدني والصناعة، إذ من شأن تلك المعلومات مساعدة الشركات على اتخاذ قراراتها حول توجيه مبادرات المسؤولية الاجتماعية. واعترف دي كروز بأن مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات غالباً ما تكون جزءاً من حملة العلاقات العامة التي تطلقها الصناعات، إلا أن مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات يمكن أن تسفر في غالب الأحيان عن نتائج إيجابية لكل من الصناعة والمجتمعات المحلية حيث تعمل تلك الصناعات.

وشدّدت ديانا القيسي على أن مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية أساسية لضمان الشفافية في قطاعات البترول الوطنية، لكن الأهم هو زيادة الوعي بحيث يتأكّد الناس من أنه يتم تحصيل عائدات النفط وانفاقها على نحوٍ فعّال، فضلاً عن المشاركة مع الحكومة في صنع السياسات. ولتسليط الضوء على هذه النقطة، أشارت القيسي الى حالة نيجيريا، حيث بيّنت منظمات المجتمع المدني أن الحكومة لا تقوم بتحصيل حصتها الكاملة من الضرائب على الصناعات الاستخراجية، وبالتالي رفعت عريضة وضغطت على الحكومة لتحصيل 589 مليون دولار إضافي من الإيرادات. وشددت على أن هذا المثال هو واحد من الأمثلة الكثيرة التي تبيّن أن مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من نظام أكثر شمولاً لفرض رقابة صارمة على قطاعي النفط والغاز.

آخر المتحدثين، فرانسيسكو كرافيوتو، ركّز على طريقتين للتعامل مع الحكومة في مجالات الصناعات الاستخراجية، هما التعاون والمواجهة. وذكر كرافيوتو مبادرة الشفافية الصناعات للصناعات الاستخراجية كمثال على العمل التعاوني، حيث يعمل أعضاء الحكومة والمجتمع المدني على صياغة السياسات وتنفيذها. وتمّ ذكر الحملة التي أطلقت في المكسيك ضد طريقة استخراج الغاز الطبيعي المعروفة باسم “التكسير” fracking كمثال عن الالتزام من خلال المواجهة. ومن ضمن نهج المواجهة، لجأ مركز فوندار وغيره من المنظمات الى وسائل الإعلام الوطنية والعمل المباشر مع المجتمعات المحلية للضغط على الحكومة كي تعترف بالمخاوف المرتبطة بعملية التكسير.

وتناول المحاضرون أيضاً الأسئلة التي طرحها الحضور، بما فيها طبيعة التشريعات المرتقبة لتنظم قطاع النفط والغاز في لبنان وإلى أي مدى قد تؤثر على التزام الناس ومشاركتهم. جرى التطرّق الى مشروع قانون بطرس الانتخابي كمثال على نص تشريعي معقّد، صارعت عدّة شخصيات عامة ومشرّعون آخرون لشرحه بشكل شامل وانتقاده وذلك بسبب طبيعته التقنية ونطاقه الواسع. مع العلم أن القوانين التي سترعى قطاع النفط والغاز سوف تكون أيضاً طويلة وتقنية، أكّد المحاضرون في أجوبتهم على أهمية دور منظمات المجتمع المدني والبحوث في هذا المجال، وذكروا أن لمنظمات المجتمع المدني دور أساسي في مساعدة الناس على فهم وتقييم الجوانب الرئيسية لسياسة النفط والغاز التي تعتمدها الحكومة.

أعطى المحاضرون تقييماً ايجابياً بشكل عام لقطاع النفط والغاز في لبنان وشدّدوا على أنه ينبغي تقييم مستوى المشاركة العامة على ضوء حقيقة مفادها أن صناعة النفط والغاز في لبنان هي في مراحلها المبكرة. وذكروا أيضاً أنه خلافاً لما يتم ملاحظته في البلدان ذات القطاعات النفطية اليافعة، يضم لبنان مجتمعاً مدنياً نابضاً بالحياة لديه القدرة على الخوض أكثر في الإشراف على هذا القطاع.

السابق
الحجيري يؤكد ان ملف العسكريين بين الحكومة والخاطفين
التالي
الفساد ينخّر سوق الادوية في لبنان