تلوث المياه يسمم الخضار والفاكهة!

لا يبالغ المدير العام لمصلحة الابحاث العلمية الزراعية في تل عمارة الدكتور ميشال افرام حين يؤكد لـ«السفير»، ان نسب التلوث في المياه على مستوى لبنان باتت تتجاوز كافة الخطوط الحمراء في ظل ارقام يصفها افرام بـ«أكثر من مخيفة»، لا سيما انها موثقة في مختبرات المصلحة التي تدل نتائج فحوصاتها المخبرية على اكثر من 20 الف عينة من المياه منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم، على وجود تلوث يتراوح ما بين 80 الى 90 % من حجم هذه العينات التي تشمل كافة المناطق اللبنانية .

الاخطر في نسب التلوث التي تتصاعد سنة بعد سنة انها معلومة من الدولة اللبنانية، اذ تدأب مصلحة الابحاث العلمية الزراعية بشخص مديرها العام منذ العام 2004 على ارسال كل تقارير التلوث وارقامه ونسبه الى المراجع الرسمية المعنية.

عينات لا تستحق اسمها

استفحل التلوث وتفاقم في ظل غياب اي نوع من المعالجات، وهذا ما خلصت اليه نتائج فحوصات مختبر الفنار التابع لمصلحة الابحاث التي تشير الى وجود تلوث جرثومي وكيميائي يرتفع سنة بعد سنة، وهذا ما ظهر في بعض العينات التي وجد فيها تلوث يفوق الحد الاقصى بعشرات الاضعاف عما هو مسموح به عالميا، الأمر الذي يعني ان نوعية المياه في لبنان تتراجع من سنة الى سنة وباتت بشكل لا يحمل التأويل، غير صالحة للشرب وللري ولأي استعمالات منزلية وسواها لعدم تطابق مواصفاتها مع اي من الشروط الصحية والبيئية والغذائية.
بعض العينات من المياه لا يصح ان يطلق عليها «عينة مياه» وفق ما يؤكد افرام، الذي يشير الى احتواء بعض العينات على اكثر من 7 آلاف جرثومة في حين يفرض الحد الاقصى عدم وجود اكثر من 100 جرثومة. عندها يمكن اطلاق عليها عينة من جراثيم ايشياريشيا كولي والقولونيات وهي الجراثيم الأكثر تلويثا لشبكات المياه والآبار الجوفية. ومرد هذا التلوث تداخل شبكات الصرف الصحي مع مياه الشفة او تسرب هذه المياه المبتذلة الى المياه الجوفية.

اهتراء

تزداد مخاطر تلوث المياه في الينابيع بفعل احجام مؤسسة مياه البقاع عن المعالجة المطلوبة كما ان اغلب بلديات البقاع يشكون تلكؤ المؤسسة في تأمين مادة الكلور الى خزانات المياه كما ان المطالبات بتغيير شبكات المياه المهترئة لم تلق الآذان الصاغية عند القيمين على مؤسسة مياه البقاع الذين يصرون على استنزاف المزيد من المياه الجوفية عبر حفر الآبار الجوفية من دون تغيير شبكات التوزيع التي لا تنقل سوى الامراض القاتلة الى منازل البقاعيين من جراء تداخل قساطلها مع شبكات الصرف الصحي الى المياه الآسنة التي لا تجد مسارب لها على الطرق البقاعية.
تلوث المياه في لبنان، مزمن ويعود لسنوات مضت ولكن المفاجأة وفق افرام الارتفاع الكبير في حجم هذا التلوث وازدياد نسبه واتساع رقعته ومرده الى ان مصادر التلوث في ازدياد قياسي في المقابل يعاني لبنان من النقص السنوي في معدلات الامطار التي كانت تعمل على تخفيف نسب التلوث .

خريطة التلوث

يحدد افرام المنطقة الساحلية في لبنان بالاكثر تلوثا ومرد هذا التلوث الى العشوائية في كيفية معالجة مياه الصرف الصحي كما يتحدث عن «خريطة التلوث» التي تطال البقاع وتحديدا مناطق حوض الليطاني الذي يعد اكبر الاحواض المائية تلوثا بشبكات الصرف الصحي التي لا تجد مصبا سوى روافده على الرغم من انتشار عدة محطات لتكرير مياه الصرف الصحي. الا ان تشغيلها دونه عقبات لوجستية وتقنية لا يبادر احد ما في ادارات الدولة الى تذليلها، في حين تؤكد بعض نتائج الفحوصات المخبرية وجود تلوث كيميائي كبير في حوض الليطاني وقد وصل هذا التلوث الى السهول والحقول الزراعية التي دلت بعض نتائج الفحوصات التي خضعت لها بعض اصناف الخضار والفاكهة على وجود تلوث بالمعادن الثقيلة والجرثومية وتناولها دونه مخاطر صحية مميتة.
ويصل تلوث المياه بارقامه الكبيرة الى منطقة عكار حيث اظهرت النتائج وجود تلوث جرثومي على نطاق كبير في قرى قضاء عكار وفق ما يشير افرام وهي ارقام كبيرة.

تلوث الخضار والفاكهة

تلوث المياه يقابله تلوث في الخضار والفاكهة التي تروى بهذه المياه الملوثة، وهذا ما شهدته هذه السنة الحقول والسهول الزراعية بكثرة نظرا لشح المياه والهطولات المطرية وجفاف الانهر والينابيع… ولم يجد عدد من المزارعين سوى مجاري الصرف الصحي لاستعمالها في عملية الري وهذا الامر يعني ان التلوث الجرثومي والكيميائي قد وصل فعلا الى جسم الانسان الامر الذي يفسر ازدياد الحالات المرضية عند سكان القرى التي ترتفع فيها نسب التلوث ان كان في البقاع او في عكار او في المناطق الساحلية .
وبحسب ما يلاحظ افرام فان التلوث في لبنان، ان كان يتعلق بالمياه او باللحوم والمواد الغذائية والخضار والفاكهة، لم يعد مستغربا او مخفيا والاخطر ان كل لبنان يتلمسه ويعيشه من دون اللجوء الى الفحص المخبري للتاكد منه.
يحذر افرام من مخاطر استمرار ارتفاع حجم التلوث في لبنان وتنوعه وازدياد نسبه بشكل متصاعد، في ظل غياب المعالجات الرسمية لتخفيف هذا التلوث من خلال تكرير مياه الصرف الصحي والمياه المبتذلة التي ارتفع حجمها عبر تدفق مليوني سوري الى لبنان سكنوا في امكنة لا تتضمن ايا من المعايير البيئية وغير مجهزة بشبكات ومحطات لمعالجة مياه الصرف الصحي. والاخطر ان التلوث يرتفع بشكل طبيعي من جراء تراجع كمية الهطولات المطرية في لبنان.

السابق
خادم الحرمين يطلق قطار المصالحة العربية.. ومصر تثمن رؤيته
التالي
ابو فاعور: أخشى من أن أخيِّب آمال اللبنانيين للحفاظ على نجاح هذه الحملة