التوتر بين حماس وفتح

تظن فتح أن حركة حماس هي من يقف وراء تفجير بيوت مسؤولي فتح في غزة الليلة، وتدمير منصة ذكرى عرفات، فيما حماس غاضبة من سلسلة اعتقالات في الضفة الغربية
تدفع الأحداثُ العنيفة الجارية في الفترة الأخيرة في القدس التوتراتِ المتصاعدة بين فتح وحماس إلى الهامش، والتي تعاظمت في الليلة الفائتة، بعد سلسلة تفجيرات وقعت على بيوت مسؤولي فتح في قطاع غزة.

حسب عامة وسائل الإعلام، ليست إسرائيل هي التي تقف من وراء التفجيرات. أبدت فتح غضبها العارم للتفجيرات التي اعتبرتها “إرهابا”، وتوجه إصبع الاتهام نحو من يحكم قطاع غزة (حماس). لذلك، سارعت حماس من جانبها إلى إنكار تورطها في الأحداث وأدانَتْها. يسود في فتح التفسيرُ بأن حماس معنية بإلقاء الرعب والخوف بين رجالها، من أجل الإضرار بالتحضيرات وإقامة ذكرى عشر سنوات لوفاة الرئيس ياسر عرفات، التي يفترض أن تقيمها فتح الأسبوع القادم في مدينة غزة.

من المفروض أن تكون الذكرى عرضا لقوة فتح، وفي أعقاب تعاظم التوتر بين الحركتين، فإن لدى حماس رغبة في أن تخفض ما أمكنها من قيمة إقامة الذكرى بل تريد إلغاءها. بالإضافة إلى بيوت مسؤولي فتح، استهدفت التفجيرات الليلةَ الماضية المنصة التي يفترض أن تُقام عليها الذكرى. بعد تدمير المنصة لم يتضح بعد هل ستُقام الذكرى أم لا.

بعد الهجمات، نُشرت في أرجاء غزة منشورات من “الدولة الإسلامية” (داعش)، محذرة “الكافرين” من فتح ألا يخرجوا من بيوتهم حتى تاريخ 15/11/2014، ويُعتبر هذا وكأنه تبنٍّ للمسؤولية عن التفجيرات. الافتراض الأرجح أن هذه المنشورات مزيّفة، بل ويمكن أن تكون حماس هي التي تقف وراء نشرها بغاية بث الخوف بين رجال فتح في محاولة لتشويش إقامة مناسبة الذكرى.

250 معتقلا منذ حرب غزة

كما ذكر آنفا، تعاظمَ التوتر بين فتح وحماس مؤخرا، وأحد الأسباب هو أساليب الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد رجال حماس، ويُحتمل أن تكون سلسلة التفجيرات في غزة والسّعي لتثبيط إقامة ذكرى عرفات، ردّة فعل على أفعال السلطة الوطنيّة الفلسطينية في الضفة الغربية. حسب عدة نشرات، منذ أن انتهت حرب غزة الصيف الماضي (عملية “الجرف الصامد”)، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية ما لا يقلّ عن 250 ناشطا من حماس والجهاد الإسلامي.

لقد تمت الاعتقالات بالأساس من قبل المخابرات العامة، وهي المنظومة التابعة مباشرة لرئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية والتي يقف على رأسها ماجد فرج المقرب كثيرا من رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية، محمود عباس، وكذلك من قبل الأمن الوقائي. خلال الاعتقالات التي نفّذت بالتنسيق الكامل مع القوى الأمنية الإسرائيلية، اعتُقل نشطاء حماس ذوي رُتب مختلفة، بدءًا برتبة ميدانية وحتى رتب متوسطة (أغلب مسؤولي حماس في الضفة الغربية تعتقلهم إسرائيل). بالإضافة إليهم، اعتُقل أيضا مشايخ دينيون يؤيدون حماس.

يشكل اعتقال نشطاء حماس والجهاد الإسلامي جزءًا من سلسلة عمليات واسعة النطاق للأجهزة الأمنية الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية، حيث تسعى بالأساس إلى إعادة النظام العام، فرض القانون، وإثبات الوجود في مناطق السلطة الوطنيّة الفلسطينية أمام المواطنين الفلسطينيين. في هذه الأيام تجري في منطقة الخليل حملة واسعة النطاق لأجهزة السلطة، والتي تهدف رسميا لإرساء القانون والنظام في تلك المنطقة، لكنها أيضا معدّة لبث الخوف وإيصال الرسالة لسكان المنطقة، التي تعد “معقلا لحماس”، لئلا يرفعوا رؤوسهم.

يمكن أن تشير عمليات الأجهزة الأمنية الفلسطينية أن عباس يتعامل بجدية تامة مع التحذيرات الاستخباراتية الإسرائيلية التي نشرت في الصيف الفائت، بحسبها تخطط حماس لإسقاط سلطته في الضفة الغربية والاستيلاء عليها، كما استولت حماس على قطاع غزة سنة 2007. نُشر من مُدة غير بعيدة أن عباس قد اتهم حركة حماس بالتعاون مع مسؤولٍ من فتح وهو محمود دحلان، لإنجاز الانقلاب.

ليس التوتر بين عباس ودحلان بجديد، إذْ تسود بينهما الريبة والشكوك الكبيرة. ذكرَ الإعلام الفلسطيني أن رئيس مصر، عبد الفتّاح السيسي، أجرى مؤخرا في بيته لقاء مصالحة بين عباس ودحلان، في حضور رجال أمن مصريين، بغاية وضع حد للانقسام في فتح. مع أن اللقاء اعتُبر “جيدا”، وإذا بالأمس تحدُث مواجهات عنيفة بين عناصر دحلان وعناصر عباس، خلال مهرجان تكريم أهالي الشهداء في جامعة الأزهر بغزة.

إحدى التبعات البارزة للأحداث الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية هي انعدام الثقة والشكوكُ الكبيرة بين فتح وحماس، التي تزداد تعاظما مع كل حدث. بعد أن زار رئيس حكومة التوافق الفلسطينية، رامي الحمد الله، قطاع غزة في الشهر الماضي، حاول الجانبان إظهار الوحدة ظاهريا بل وألمحت تلميحات بأن عباس قد يزور غزة قريبًا، التي لم يطأ أرضها منذ 2007.

لكن على ضوء تدهور العلاقات الذي لا يتوقف بين فتح وحماس والصعوبات الكثيرة التي تواجهها حكومة التوافق الفلسطينية، يبدو أن زيارة عباس لا تلوح في الأفق. الآن، ينبغي النظر هل ستنجح الأحداث العنيفة التي تجري في القدس بتوحيد صفوف الفلسطينيين (مقابل إسرائيل، “العدو الصهيوني”)، أو أن الانقسام الداخلي سيستمر في تقطيع الأوصال؟

 

السابق
هكذا يمكن التحايل على العلامتين الزرقاوتين… في «واتس آب»
التالي
ليبراليو السيسي تحت المجهر