رئيس جمعية «الجنوبيون الخضر» هشام يونس: نراهن على إشاعة الوعي

لفت اسم”الجنوبيون الخضر” نظر الناس خلال فترة قصيرة جدا، خاصة بُعيد تقديم الجمعية شكوى حول سرقات للاثار تتم في منطقة صور. وقد أثار الاسم الانتباه كونه من عادات الشباب – خلال العقد الاخير- الابتعاد عن القضايا الوطنية والثقافية والتعلق باهتمامات تسلوية لا تقدم ولا تؤخر. لكن كعادته لا يكل من الاضاءة على كل ما يقدم الافضل لمدينته أولاً وللبنان أولاً وأخيراً، وهو الدكتور هشام يونس. وفي “شؤون جنوبية” سعينا للاضاءة على دور الجمعية الناشئ لمزيد من المساهمة في لجم حركة الفساد ومنع تمددها وهذا أقل الواجب.

 “الجنوبيون الخضر”. ما سبب اختيار هذا الاسم؟ وكيف تم ذلك؟

الدكتور هشام يونس
الدكتور هشام يونس

أنطلقتُ بالتسمية منذ ما يقرب السنتين والنصف من فكرة ارتباط الجنوبيين بالأرض والفلاحة التي مارسها معظمهم وهي أكثر الحرف التصاقاً بالأرض، كما أنها تحمل الكثير من الإنتماء والحب للأرض، وأردت أن نضعه في سياق رؤية بيئية للجنوب تحفظ مناطقه الخضراء سواء عن طريق الحمى أو المحميات الطبيعية وكذلك التصنيف العقاري.

الاهتمام بالبيئة والشباب والشأن الثقافي لمنطقتك جزء من سيرتك، وقد سبق لك أن أسست جمعيتين في مدينة صور “ملتقى الشباب الثقافي” ونادي “ملتقى الشباب الرياضي” هل تعتبر نفسك من جيل انقرض؟

في الحقيقة، أنا أعتز بتواضع بتجربتي في العمل الأهلي، وأعتز بالجمعيتين اللتين سبق أن أسست ملتقى الشباب الثقافي في صور(1996) ونادي ملتقى الشباب الرياضي(2006)، وهما اليوم جمعيتان فاعلتان رائدتان بجهود ومثابرة الأخوة الشباب المتابعين لهما وإخلاصهم. ولطالما كان أعتقادي أن العمل الأهلي هو فعل إيمان وقناعة وليس أقل من ذلك. هو ليس عمل “أوقات فراغ” كما أنه ليس “عملاً نخبويا” وليس “إيديولوجياً”، وليس بالتأكيد “برستيج”. هو عمل الإحتكاك بالواقع والتفاعل معه وتحسسه والوقوف عند متطلباته. هو العمل الأكثر حيوية والأكثر نبلاً لانه من دون مقابل، هو فعل ايمان كامل، ومن دون ذلك لا يمكن للمرء أن يواصل نشاطه مع كثرة التحديات التي تصادفه سواء على المستوى الشخصي أو العام.

أما حول إنقراض جيلي فأعتقد بأن للأرض الأم أبناء مخلصون يأتونها جيلاً تلو آخر، وهم لا ينقرضون، ولا أود أن أبدو شاعرياً، هم يصبحون بفعل إيمانهم الذي يمنحهم هذه القدرة على النشاط، جزءاً منها، من روحها التي تسكن هذا الوجود وتمنحه كل الألوان.. لا أعتقد أن جيل الناشطين ذاك قد أنقرض. قد تكون هناك روحية خبرناها في فترة ما، قد أنحسرت لكثرة ما أصاب الحياة اليومية من تعقيدات وملوثات. هذا صحيح، ولكن هناك دائماَ ناشطون يستلهمون التجربة ويواصلون الكفاح. وعلى المستوى البيئي أرى أن الوعي البيئي في تزايد وهو مؤشر هام على نشاط أكبر وأوسع وأكثر فاعلية في المستقبل.

ما هي مهام هذه الجمعية؟ وعلى ماذا يعتمد برنامجها؟

تتركز مهام الجمعية على الجانبين البيئي والحضاري والتي نعتبر أن حفظهما وتأهيلهما والإستثمار فيهما هو الطريق الوحيد لتحقيق تنمية مستدامة في الجنوب ولبنان، ونعتقد أن أي خطة تنموية لا تأخذ بهذين الجانيين هي خطة غير جدية وغير منتجة. على المستوى البيئي لدينا رؤية حول حفظ المناطق الغنية إحيائياً في الجنوب سواء منها البرية أو الشاطئية والبحرية (مقترحات لمحميات شاطئية في كل من الزهراني- الصرفند- عدلون- البقبوق بالعباسية) شاطئ السلاحف( المنصوري) بالتعاون مع الزملاء في مشروع البيت البرتقالي ومديرته الزميلة الناشطة منى خليل وشاطئ الناقورة. كذلك في الداخل على طول مجرى نهر الليطاني الذي يشتمل على منظومات متنوعة حتى مصبه حيث هي نقطة تنوع هامة كذلك المناطق الحرجية في الداخل حيث لدينا مقترحات نعدها (محمية وادي الحنية زبقين- بيت ليف.. نظم الخضر ثلاث مسيرات للتعريف وإستطلاع الوادي ومسحه) و(محمية الناقورة- علما الشعب) وغيرها..

على المستوى الحضاري لدينا رؤية حول ضرورة حفظ وتأهيل المواقع التاريخية والتراثية في القرى والبلدات والمدن الجنوبية من قبيل مسح وتصنيف وحفظ المنازل التقليدية وإيجاد دفتر شروط لرخص البناء في القرى تلتزم معايير العمارة التقليدية بحيث نحافظ على الطابع التقليدي للقرى العاملية، وهو ما ينحسر بتسارع نتيجة غياب أي خطة لحماية هذا الإرث، بحيث خسر العديد من القرى الجنوبية طابعه التقليدي الجميل لصالح مبان أو “فيلات” لا لون لها ولا حياة فيها.. كذلك حفظ وتاهيل الحاضرات التاريخية في الجنوب وبالأخص على الساحل مثل سربتا التاريخية(الصرفند اليوم) والتي كانت واحدة من كبرى المدن الفينيقية حتى فترة متأخرة ولا يوجد فيها اليوم أي شيئ يدل على ذلك، وكذلك الامر بالنسبة لعدلون وكهوفها ما قبل التاريخية، وكذلك مملكة صور وأمتدادها(البص- الرشيدية- برج الشمالي- حناويه- المعشوق..)، ومتابعة موضوع الحصون والقلاع الكثيرة في الجنوب حيث يوجد أكثر من نصف القلاع الموجودة في كل لبنان ويعاني معظمها إهمالاً مزمناً، وكذلك موضوع جبل حرمون أهم جبال العالم في القيمة التاريخية، ووادي التيم، والقرى القائمة على منحدراته من الجنوب وحتى البقاع الغربي.. والكلام يطول.

اليوم نحن نعمل على ملفات حول تلك المقترحات لمتابعتها ورفعها الى الجهات المختصة وعادة نحن نتجه للتنسيق مع المجالس البلدية، ولكن في حال عدم التجاوب نتابع “بمن حضر” خاصة أننا نواجه تحدي وجود مجالس بلدية منقسمة أو لا تملك أي تصور، وقد تعادي أي تصور لسبب أو لآخر، فضلا عن وجود مجالس مسؤولة مباشرة عن التعديات التي تطال مواقع بيئية أو أثرية في مجال بلدياتها.

بالمقابل لا يخلو الأمر من وجود بعض المجالس أو بعض أعضاء المجالس متجاوبين وحريصين على خصوصيات تلك القرى والبلدات، وهم من نعمل معهم لتصورات حول المدن والقرى. وقد كان لنا لقاءات إيجابية وعملية مع بعض البلديات، ونحن على تعاون مستمر معهم في بعض الملفات البيئة أو ذات الطابع التراثي.

هل يمكن لجمعية ان تواجه حيتان الفساد في لبنان؟ خاصة ان ثمة مافيات لسرقة الاثار كما عبّرت احدى العاملات في مديرية الاثار؟

لا نخفي حجم التحدي، ونحن نراهن على إشاعة الوعي الذي يشكل أكبر داعم لنا. كما أن العديد من اللبنانيين اليوم يرى، أمام عبثية وإنقسام المشهد السياسي، في البيئة والتراث الوطني الملاذ الأخير لمفهوم “الوطن” فوق كل الإصطفافات المملة والضيقة. وهذا ما نلمسه بالتجاوب الذي نلاقيه في الملفات التي نطرح أو الأنشطة التي ننظم.

كما أننا كشفنا خلال متابعتنا الأخيرة لملف سرقة المسلات الفينيقية الجنائزية الـ66 وتقديمنا للإخبار أمام المدعي العام المالي القاضي على إبراهيم الإهتمام والجدية التي أبداها وكذلك الاتصالات التي تلقيناها وكانت كلها داعمة، تبين أنه على الرغم من كل مساوئ الأوضاع لا زال هناك من يهتم، ويحرص على هذه الثروات الإنسانية التي نحن كلبنانيين مؤتمنين عليها وليست ملكاً لنا.

وفي مطلق الأحوال نحن سنواصل تعقبنا لهؤلاء، وقد أعلنا على صفحتنا عن قائمة سوداء للصوص الأثار لكشفهم لدى النيابة العامة المالية التي أبدت إستعدادها الكامل لملاحقتهم مع توفر البينّات.

كونك تتنقل بين بيروت ولندن، هل يمكنك افادة مجتمعك من علاقاتك مع مؤسسات اوروبية تعمل في هذا المجال؟

حالياً نحن لا زلنا في مرحلة تأسيس، وهي لا زالت تتطلب الكثير من الجهد قبل الحديث عن تعاون مع مؤسسات ومنظمات دولية لا خلفيات سياسية لرغبتها بالتعاون، والذي سيأتي في مرحلة لاحقة بالتأكيد.

لماذا لا يقوم الشباب اللبناني اليوم بالعمل كمراقبين لعمليات الفساد والسرقات والنهب في القطاعات العامة دون التلهي بقضايا سياسية وحزبية غير وطنية؟

للأسف الشديد الكثير من الشباب اللبناني إستسلم للإحباط، وهو كثير التذمر ومن دون فاعلية تُذكر. ونحن نحاول دون كلل تحفيز الشباب وتشجيعهم على الإنخراط بالمبادرة والحراك الذي بدأنا به لانه ودون ذلك لا يمكن أن يحصل التغيير، ولا يمكن أن نوقف التعديات أو نحفظ البيئة والتراث بمجرد “النق” اليومي. فضلاً عن أن البعض ونتيجة الإصفافات الضيقة في البلد يشعر بأنه معني بالدفاع عن “جماعته” مهما أرتكبت من إنتهاكات ويفضل “التصويب” على إنتهاكات وتعديات “الطرف الآخر”. ولا ننسى المقولة اللبنانية المدمرة “شو وقفت عليّ” او على “فلان المسؤول” والتي تحت اسمها تجري جرائم بيئية وتاريخية لا يمكن إصلاحها.

إلا أن هذا لا يمنع من التعاون مع العديد من الأفراد وأهل الإختصاص الذين يعرضون المساعدة، كذلك مع الجمعيات البيئية الناشطة على مستوى الجنوب ولبنان، والذين تربطنا بهم علاقات جيدة جداً، وقد نظمنا مؤخراً بالتعاون مع زملائنا في مشروع “البيت البرتقالي” دورة تدريبية هي الأولى من نوعها لرعاية السلاحف البحرية.

السابق
عبّاس بيضون:عملي الصِّحافي هو في أصل وجودي ككاتب محترف
التالي
فضائيّة «السوري الحرّ» صارت… «منارة الخلافة»