ديمقراطية تونس تحبو، والطريق في أوله

تنطلق في تونس حملة الانتخابات الرئاسية، بعدما أسفرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن هيئة تشريعية عكست تنّوع بلاد الياسمين، وحددتها أصوات ناسها، انتخابا ومقاطعة. العملية الديمقراطية تحبو إذا في الاتجاه الصحيح، رغم الصعوبات والمطبّات. إلا أن التحديات أمام نموها ما زالت كثيرة.

صحيح أن مسار الثورة سلك طريقا أسلم مما نراه في الدول الجارة، مثل ليبيا، والأبعد مثل سوريا، لكن هذا لا يعني أن سفينة التغيير سارت وتسير دون عقبات ومعوقات. ولكي نفهم خلفيات ذلك، علينا الانطلاق من مسلمة مفادها أن ثورات “الربيع العربي“، تلتقي عند أهدافها المتمثلة بالمطالبة بالعدالة الاجتماعية وحق العيش الكريم، وتختلف عند تفاصيل تخُطّها خصوصيات كل دولة وتاريخها الحديث والقديم. وبهذا المعنى، تقف تونس متمايزة بموقعها ومخاضها.

الخصوصية التونسية:

قربها من أوروبا، وانفتاحها على إفريقيا والشرق الأوسط، جعلها مهدا لالتقاء الحضارات والفكر التنويري. وللمثال لا الحصر، نذكر إبن خلدون وإرثه، وخير الدين التونسي وأثره. ونذكّر بان تونس كانت المهد لأول دستور عربي حديث عام ١٨٦١ كرّس مبادىء سياسية أساسية، قد يكون أهمها مبدأ الرقابة والمحاسبة وحكم القضاء. دون أن نغفل أسس المجتمع المدني، التي أرساها بورقيبة في العصر الحديث.

هذا الإرث انعكس على طريقة تعاطي “التوانسة“ مع ثورتهم الوليدة. ثورة ارتبطت عن حق بمحمد بو عزيزي الذي تحول رمزا للعزة، لكن شرارتها الأولى قد تعود الى أحداث الرديف، حيث قامت مظاهرات تطالب بحقوق اقتصادية واجتماعية، قمعها نظام بن علي بالقوة في حينه. الخبز إذا، كان المحرك الاساسي ككل الثورات. الخبز والحرية والكرامة، مطالب صدحت بها أصوات جيل الشباب بقوة وعزيمة وأساليب جديدة، نجحت حيث فشلت سابقاتها، وسقط معها نظام بن علي.

مسار الثورة:

الجيل الجديد الذي أطلق الثورة، لم يكن بطبيعة الحال قادرا على تكوين نظام بديل، وها هو يتطلع بعد أربع سنوات الى ما يمكن أن يقوم به رئيس “نداء تونس“ الفائز بالانتخابات، والبالغ من العمر سبعة وثمانين عاما، والمحسوب على النظام القديم، كونه تقلد مناصب عديدة فيه. لكنّ الزمان اختلف، حتى ولو بقي بعض رجالاته.

عجلة التغيير انطلقت مع اطاحة بن علي، ثم استلام حزب النهضة مسؤولية الحكم بناء على انتخابات مجلس انتقالي. ومع تعرض البلاد لخضات امنية وانتكاسات اقتصادية، في ظل حالة استقطاب حادة بين ما يعرف بالاسلاميين والعلمانيين، كان الخيار الأسلم بنزع فتيل الانفجار، واللجوء الى حكومة نجحت بالتحضير لانتخابات برلمانية لم تقصي أحدا. سبقها توافق على دستور انطلق من وجه تونس الاسلامي، الى تكريس هويتها الحضارية، واحترام المواطنة وحقوق الانسان. وشكل بذلك صمام أمان للمرحلة الانتقالية.

الى أين من هنا؟

قطار التغيير اذا رسى على محطة جديدة. انتخابات برلمانية لم تعط الاغلبية المطلقة لأي من الاطراف، وتفرض تحالفات سيتغير على أساسها شكل الحكم: إما ائتلاف “للقوى العلمانية“ يضع “النهضة“ في موقع المعارض القوي، أو حكومة وحدة وطنية تجمع الكتلتين الاكبر في البرلمان. مع بقاء هامش العودة الى حكومة تكنوقراط بمهمات محددة. ولكن بغض النظر عن ذلك، يبقى الأساس في مواجهة التحديات التي ما زالت جاثمة على صدر الجميع، مشاركون كانوا في السلطة التنفيذية أم معارضون.

خلال الانتخابات الاخيرة، علّق بعض شباب تونس شهاداتهم على الطرقات، للتذكير بانهم عاجزون عن ايجاد فرص عمل. التوصل الى حلول لأزمة البطالة، غير منفصل عن تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام، وهو يتطلب إصلاحات في النظام، ورسم سياسة اقتصادية بعيدة المدى، تعتمد بالاضافة الى الاستثمارات والرساميل والسياحة، على قدرة انتاجية تمتلك تونس اسسها.

جذب الاستثمارات يعتمد بالتأكيد على الاستقرار واستتباب الامن. و تونس تواجه خطرا يتمثل بمن اصبح يُعرف “بالمجاهدين المتطرفين“، خاصة الذين ذهبوا للمشاركة في الحرب السورية، ويتخوف المراقبون مما يمكن ان يقوموا به لدى عودتهم الى البلاد. عدا عن مواجهة “التطرف“ الذي ضرب أصلا، اغتيالا وهجمات على الجيش والآمنين.

الرئيس التونسي “المنصف المرزوقي“ قال يوما ردا على سؤال متكرر عن المحافظة على حقوق المرأة التونسية: “هذه ليست مشكلة في تونس، المشكلة الاساسية هي في الفقر، وعدم الحصول على التعليم، والظروف الصحية السيئة“. هذه الامور قد لا تشغل بال بعض من أنعم الله عليهم من النخبة، ولكنها التراب الذي أنبت الياسمين، وحان الوقت لان يرتوي، قبل متابعة المسار.

وكما فجر “محمد بو عزيزي“ ثورات الربيع العربي من مغربه الى مشرقه، أعادت تونس الخضراء بث شعاع أمل في دياجير “الخريف العربي“، علّه يبشّر بعودة زهور الربيع.
http://joumananammour.com/?p=616

السابق
لا صحة لخطف شاحنة على مفترق بريتال
التالي
مكادي نحاس: أفضل الغناء ما يكتبه الفنان لنفسه