من تحرير طرابلس إلى مرحلة المطاردات واشنطن تشيد بشجاعة الجيش والحكومة

اذا كان اليوم الرابع من معركة طرابلس وبعض الجوار بين الجيش والمجموعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي “جبهة النصرة” و “داعش” أسفر عن حسم الجيش للمواجهة بشكل جذري لجهة اقتلاع معقل المسلحين من باب التبانة والمنية وتواري هؤلاء ورموزهم، فان هذه النتيجة العسكرية والأمنية شكلت تطوراً بالغ الأهمية ترددت اصداؤه على المستويين الداخلي والخارجي وعزّزت صورة الجيش في خوضه هذا المعترك الجديد من المواجهة مع الارهاب بأداء اًكثر قوة وتماسكا واحترافا. بيد أن هذه الخلاصة الايجابية العريضة لم تحجب وقائع اخرى لا تزال تثير ترددات ومخاوف على المستويين الامني والسياسي، ومن ابرزها ان نجاح الجيش في السيطرة الكاملة على مربعات المسلحين المتطرفين في طرابلس والمنية استتبع نشوء واقع جديد سيجعل المرحلة اللاحقة من “تطهير” مناطق شمالية لجأ اليها المسلحون محفوفة بنوع آخر من الاخطار والتحديات بما يمكن ان يلجأ اليه المسلحون المطاردون بتعقبات الجيش من اساليب متطورة لاستهداف وحداته وأمن المناطق التي يلوذون بها. ثم ان ثمة جانبا داخليا يتصل بواقع طرابلس والموقف السياسي فيها الذي على رغم الايجابية الكبيرة الذي مثله في دعم فعالياتها الثقيلة للجيش لم تغب عنه امس ملامح الضيق الواسع بالواقع المنكوب للمناطق التي اصابتها الاشتباكات بدمار كبير، مما يقتضي استعجالا في انقاذ هذه المناطق منعا لتوظيف واقعها مجددا في الضرب على الحساسيات والعصبيات والمزايدات.

وهذا العامل الاخير برز في موقف فعاليات المدينة التي أصدرت بياناً عقب اجتماعها امس في منزل النائب سمير الجسر، اذ اكدت مواقفها السابقة لجهة التمسك بمشروع الدولة والتأييد المطلق للقوى العسكرية والأمنية في محاربة ظاهرة التطرف، واعتبرت ان ما جرى “كان بداية استكمال تنفيذ الخطة الامنية التي اصبحت تغطي احياء المدينة كافة وبدون استثناء”، كما اشادت بوقوف اهل المدينة الى جانب الدولة والجيش والخطة الامنية “الامر الذي دحض كل الشائعات التي كانت تروج لكون المدينة حاضنة للارهاب والتطرف”. وطالبت مجلس الوزراء بتخطي كل الروتين والشكليات واستعجال اقرار سلفة خزينة لتغطية تعويضات سريعة للمتضررين ومسح الاضرار على وجه السرعة.
أما على الصعيد العسكري والامني، فبدا واضحاً ان المواجهة انتقلت امس من مرحلة الاشتباكات المباشرة الى مرحلة المطاردات الصعبة التي باشرها الجيش في مناطق متاخمة لمحاور القتال واخرى بعيدة عنها تماما في جرود الضنية وعكار. وترافقت هذه المرحلة مع تساؤلات واسعة عن الامكنة التي قد يكون توارى فيها رؤوس المجموعات المسلحة ولا سيما منهم شادي المولوي واسامة منصور والشيخ خالد حبلص. وبدا من التعزيزات التي استقدمها الجيش من المغاوير ومغاوير البحر انه اعد لمرحلة استكمال صعبة لعمليات التعقب والمطاردة في مناطق جبلية وعرة بعدما احكمت وحداته السيطرة تماما على طرابلس وبحنين والمنية، واتسعت عمليات التمشيط والدهم وتسيير الدوريات في المنية في اتجاه منطقة عيون السمك على امتداد مجرى النهر البارد. ولعل البارز في هذا السياق ما كشفته قيادة الجيش امس من انها اوقفت 162 ارهابيا نتيجة عملياتها الاخيرة وأنها ماضية في هذه العمليات، نافية بشدة حصول اي تسويات مع المجموعات الارهابية ودعت فلول المسلحين الفارين الى تسليم انفسهم الى الجيش منذرة بأنها لن تتهاون في كشف مخابئهم ومطاردتهم.
ونفى سياسي متابع لتفاصيل الحوادث شمالاً أن تكون قيادة الجيش قامت بتسوية مع المجموعات المسلحة، ناقلاً عن قائد الجيش العماد جان قهوجي تشدده في رفض أي تنازل عن بسط سيطرة الجيش والأجهزة الأمنية.
وأوضح أن ما حصل ببساطة هو تلقي القيادة العسكرية اتصالاً من مرجعية دينية في الشمال فحواها أن المسلحين سوف يقدمون بادرة حسن نية بالإفراج عن المواطن المدني المتعاقد مع الجيش طنوس نعمة الذي كانوا يحتجزونه، وطلب وقفاً للنار إذا أمكن لمدة نصف ساعة أو ساعة لإخراج الجرحى والمدنيين. وعندما انتهت فترة وقف النار كان المسلحون قد اختفوا، والأرجح أنهم رموا أسلحتهم وتفرقوا كل في اتجاه وربما توارى بعضهم عن الأنظار في بعض المخابئ بعدما تبين لهم أنهم أصيبوا بخسائر جسيمة ولا يمكنهم الإستمرار في القتال.
كما أكد أن المزاج الشعبي في البيئة السنية بطرابلس والضنية وعكار وقف قبل المعركة وبعدها بقوة إلى جانب الجيش، مما ينفي صحة أي حديث عن وجود حاضنة للإرهاب.
وفي المقابل، أبدت مصادر وزارية بارزة لـ”النهار” اقتناعها بأن المواجهة لم تنتهِ، ولفتت إلى ما تضمنه بيان “جبهة النصرة” من إعلان انتصار سائلة: “هل كان المطلوب خروج المسلحين من طرابلس ومحيطها؟”
وبعدما لفتت المصادر إلى أن الشمال كله منطقة واحدة تشملها ترددات المواجهة، خلصت إلى استبعاد أن تكون الجماعات التكفيرية قررت حصر حدود معركتها بما حصل، مضيفة أنها تشعر بأن ما جرى هو “جولة من جولات”.

التهديدات
غير ان تنظيمي “النصرة” و”داعش” عادا عقب هذه المواجهة الى تحريك تهديداتهما بقتل عسكريين مخطوفين لديهما بتوزيع ادوار واضح بينهما. واذ اعلنت “النصرة ” تراجعها عن اعدام الجندي علي البزال امس انبرى “داعش” الى التهديد بقتل الجندي المخطوف خالد مقبل حسن وزميله سيف ذبيان والاعلان صباح اليوم عن اسم جندي ثالث ما لم ينفذ “امر غير صعب” طلبوا تنفيذه من الوزير وائل ابو فاعور ولم يفصحوا عنه. وقد اكد ابو فاعور انه تلقى كتابا يتضمن مطالب الخاطفين من الحكومة، ولم يفصح عن المزيد، وعلم انه انصرف طوال ساعات المساء الى معالجة هذا الامر بالتشاور مع رئيس الوزراء تمام سلام الموجود في برلين ومسؤولين آخرين. وحضر ليلا الى خيمة اعتصام اهالي العسكريين في ساحة رياض الصلح واجتمع بهم.

سلام وميركل
في غضون ذلك، أبلغ الرئيس سلام “النهار” ان العملية الامنية للقضاء على الارهاب مستمرة “أيا كان الوقت الذي ستستغرقه، فالقرار هو المواجهة ولا رجعة عنه”. وقال للصحافيين الذين يرافقونه في زيارته الرسمية الى المانيا: “ان الجيش والقوى الامنية يتقدمان في المواجهة فيما الارهاب ينهار ليس فقط عسكريا وانما بشريا بفضل وعي وادراك جميع اللبنانيين الذين رفضوا محاولة الارهابيين شقّ صفوفهم”. وكشف عن وجود الموفد القطري في بيروت في إطار المهمة المكلف بها. ووصف عملية التفاوض بأنها تتم مع جماعات “لا قواعد عمل تنطلق منها مما يزيد صعوبة التفاوض معها”.
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي يرافق الرئيس سلام في زيارته لالمانيا أبلغ “النهار” انه علم من الرئيس سلام انه خلال الاجتماع الامني في السرايا تلقى رئيس مجلس الوزراء تقريرا من القيادات الامنية يفيد “ان السيطرة قد حسمت في باب التبانة تقريباً، كما ان الحسم قد أنجز أيضا في بحنين في المنية حيث فرّ بعض المسلحين الى البساتين وهناك امكانية للسيطرة على الوضع في المنطقة، فيما تحرك مغاوير الجيش لملاحقة البؤر التي كانت تمارس أعمال القنص على العسكريين”.
والتقى الرئيس سلام مساء في برلين المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل عشية انعقاد مؤتمر برلين حول اوضاع اللاجئين السوريين، ولفتت ميركل الى ان “لبنان يواجه تحديا هائلا ” في استضافته لنحو مليون لاجئ، لذا هناك الان اهتمام بالمساعدات الانسانية وهذا ما سيتم التركيز عليه في المؤتمر”، في اشارة قوية الى التضامن مع لبنان.

واشنطن
الى ذلك، أفاد مراسل “النهار” في واشنطن ان الولايات المتحدة دانت الهجمات الارهابية التي تعرض لها الجيش اللبناني، وأكدت تأييدها للحكومة والجيش وقوى الامن اللبنانية، مشددة في الوقت عينه على ان المؤسسات الامنية الشرعية هي الوحيدة التي يجب ان تضطلع بمسؤولية حماية لبنان من خطر الارهاب.
كما أثنت واشنطن على “شجاعة افراد القوات المسلحة اللبنانية” في حماية جميع سكان طرابلس وعكار في وجه “الهجمات الارهابية” التي تعرضوا لها والهادفة الى تقسيم الشعب اللبناني. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية جين ساكي ان الولايات المتحدة تشارك اللبنانيين في حدادهم على الضباط والجنود الذين قضوا “وهم يدافعون عن لبنان في وجه التنظيمات الارهابية”. وأضافت: “نشعر بالتشجع من جراء الموقف القوي لرئيس الوزراء في هذا الشأن وغيره من القادة. ونحن ندين أولئك الذين يسعون الى زرع الفوضى في لبنان، ونحن واثقون من ان الشعب اللبناني سوف يصمد اذا بقي متحدا في وجه هذا الخطر”.

السابق
الحريري دعا الى اطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس للجمهورية
التالي
تونس الصغيرة والدروس الكبيرة