هل يعتمد «حزب الله» الهروب إلى الأمام؟

عندما تتخذ دولة ما أو “حزب” ما داخل دولة تعطّلت وبدأت تتحول أو لم تعد بعيدة عن التحول دولة فاشلة، جراء بقاء شعبها شعوباً رغم نيله الاستقلال عام 1943، وجراء تغلب انتمائها المذهبي أو الديني على الانتماء الوطني، عندما يتخذ واحد من الاثنين قرار “الهروب إلى الأمام”، وهو في خضم صراع سياسي أو حرب عسكرية، فان الاستنتاج الوحيد الذي يخرج به الخبراء والمتابعون هو أنه صار “مزروكاً” ومضطراً إلى اتخاذ قرارات خطيرة مثل تأزيم الصراع أو تصعيد الحرب أو توسيع ساحتها أو توريط جهات إقليمية ودولية فيها. والهدف من قرارات كهذه استعادة المبادرة وإعادة ضبط الصراع والحرب ضمن حدود تسمح له بالصمود فيهما إلى أن يحين أوان الحلول الدولية لأسبابهما. والصمود قد يكون انتصاراً بمعنى ما ونتيجة حرب تموز 2006 دليل على ذلك. هذا هو الحد الأقصى الذي يمكن ارتقابه باعتبار أن النصر الحاسم يرتبط بقرارات كبرى إقليمية ودولية لا يبدو موعدها قريباً. فهل كان قرار “حزب الله” تفجير عبوة بآلية عسكرية إسرائيلية الأسبوع الماضي في مزارع شبعا هروباً إلى الأمام؟ وهذا سؤال لا يطرحه أعداؤه فقط بل أيضاً محبون له.

طبعاً لا يمتلك أحد جواباً سوى قادة “الحزب” و”الكبار” في إيران والنظام السوري الحليفين الأساسيين له. لكن متابعيه عن قرب يؤكدون أن قراراته ومواقفه لم تكن يوماً غير مدروسة وغير متوقعة سلفاً غالبية نتائجها. وما قاله أمينه العام السيد حسن نصرالله عند بدء إسرائيل حرب تموز 2006 وهو: “لو كنت أعرف” هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وقد يكون كلامه هذا استدراكاً ربما لخسارة كان يخشى أن يُمنى بها مقاتلوه، علماً ان موقف الحزب تغيَّر بعد “انتصاره” إذ صار متوقعاً الانتصار.
انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن قرار “الهروب إلى الأمام” قد يكون هدفه تبصير الجميع بالأخطار لإبقاء الحرب في ساحتها الراهنة. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هنا هو: هل اتخذ الحزب قرار “عبوة شبعا” بمفرده؟ وهل يندرج في إطار المقاومة المشروعة لأن مزارع شبعا لا تزال محتلة؟ الجواب التحليلي عن السؤال الثاني هو أن المقاومة لا تكون موسمية، رغم معرفة الخبراء والمتابعين أن عملياتها يمكن أن تخفّ وتيرتها وأن تتسرّع وأن تقف. لكن ما حصل أنها توقَّفت سنوات، وذلك يؤكد أن العبوة الأخيرة كانت تستهدف تحقيق مصالح سياسية أو منع تكوُّن ظروف مؤذية لـ”حزب الله” وحلفائه الإقليميين. ومن هنا فإن الجواب عن السؤال الأول، التحليلي أيضاً، يشير إلى استحالة عدم تشاور “الحزب” مع الحليف الأول إيران في هذا الأمر. ولا ينتقص التشاور من استقلالية “الحزب”. فهو في النهاية جزء من إيران ايديولوجياً ومنفّذ لإستراتيجيتها الإقليمية مثل سوريا الأسد يوم كانت مستقرة وبعد زوال استقرارها. لكن الأسئلة التي تطرح في هذه الحال كثيرة أبرزها:
– هل يستطيع نظام سوريا الدفاع عن “الحزب” فيما لو قررت إسرائيل شن حرب شاملة عليه وخصوصاً بعدما “سلَّم” سلاحه الكيميائي، وبعدما صار جيشه متخصّصاً في الحروب الأهلية، وبعدما صارت صواريخه مستهدفة؟
– هل تبادر إيران إلى الدفاع عن “الحزب” بالاشتباك مباشرة مع إسرائيل؟ علماً أنها تعرف أن هذه تنتظر ذريعة لتوجّه إليها ضربة مدعومة من الغربيْن الأميركي والأوروبي. وهل تكون مبادرتها ناجحة أو فاشلة؟ وهل تتحمّل الفشل؟ علماً أنها في العراق، وهو المدى الحيوي لها، “انتكست” على نحو خطير، ولم تشتبك رسمياً ونظامياً مع مسبّبي “النكسة” ومموّليهم وداعميهم. أم إن سياسة إيران الأساسية هي الحرب بالواسطة أي عبر السوريين (نظام) واللبنانيين (“حزب الله”) والفلسطينيين (“حماس”) والحوثيين في اليمن، وكل التنظيمات التي تستطيع أن تضمَّها إلى استراتيجيتها؟
– هل يستطيع الحليف الدولي لسوريا روسيا والصديق لإيران ولـ”حزب الله” المساعدة عسكرياً لمنع إسرائيل من الانتصار في حرب شاملة؟ ربما يمارس دوراً في مجلس الأمن. أما عسكرياً فإنه يتحاشى التورط مباشرة، وسوريا شاهد على ذلك. فضلاً عن أنه متورِّط في أوكرانيا ويواجه عقوبات وعقبات أميركية – أوروبية، وقد يزداد تورّطه في شرق أوروبا.
طبعاً هذه الأسئلة لا أجوبة لها. لكنّ هناك سؤالاً أخيراً وغير خبيث وهو: ماذا يفعل مؤيدو “الحزب” وشعبه في مواجهة حرب إسرائيلية شاملة؟ والجواب معروف وهو أنهم سيتمسكون به ويدافعون عنه لأنهم يخوضون معاً حرب بقاء، في رأيهم، في لبنان والمنطقة، ولأن الدعم الإيراني غير المباشر سيستمر. وسيبقون معه إذا ربح. أما الحساب فيبدأ بعد الخسارة إذا وقع فيها.

السابق
صور منسيّة للقدس وبيروت ودمشق.. الآن في ذاكرة رقميّة
التالي
مارسيل خليفة في النبطية!