هل يلعب الفأر التركي بذيله مع غياب القط الأميركي؟

“اذا مُسّت شعرة واحدة من جنودنا، ستقوم تركيا والجيش التركي بكل ما يلزم وسيتغير كل شيء ابتداء من تلك اللحظة”. الكلام للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، والتحذير موجه لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، الذي يخوض حربا ضروس على مرمى حجر من الحدود التركية. حدود تبعد ٢٥ كيلومترا عن أرض داخل سوريا ذات سيادة تركية، بموجب الاتفاقات الدولية، الا وهي منطقة مزار سليمان شاه، جد عثمان الاول مؤسس الامبراطورية العثمانية.

التحذير يأتي بعيد اجازة البرلمان التركي للجيش، دخول الاراضي السورية، والعراقية، للقيام بعمليات عسكرية ضد التنظيم المذكور وغيره من الجماعات، ونشر قواتٍ هناك اذا اقتضى الامر. بالاضافة الى السماح باستخدام الأراضي التركية منطلقا لهجمات التحالف الدولي المستحدث بقيادة الولايات المتحدة الاميركية.

تركيا كانت آخر المنضوين تحت راية التحالف، ولكن بشرط رئيسي يتمثل باسقاط نظام بشار الأسد. وهي بذلك تتقاطع مع المواقف المعروفة لدول أخرى في التحالف، ابرزها الدول العربية المشاركة. في حين أن هدف “القائد الأميركي للتحالف” أتى فضفاضا، يبدأ بتحجيم “داعش” وصولا، فيما بعد، الى القضاء عليه. علما أن العديد من المفكرين الاستراتيجيين أجمعوا على استحالة المهمة عبر الاكتفاء بالضربات الجوية. وقد وصل الامر بالجنرال الاميركي بوب غيتس الى القول صراحة، الا أمل في نجاح الاستراتيجية الاميركية الرافضة لتدخل برّي، وان أوباما”يورّط نفسه” بالاصرار على ذلك.

عادة، ولدى تشكيل أي تحالف دولي، يفترض على الدول المشاركة، منطقيا، ان تحدد الاهداف والتطلعات قبل الولوج في أي عملية عسكرية. وأن تذهب أبعد من ذلك، في محاولة رسم صورة لما يمكن ان تكون عليه الاوضاع ما بعد الضربات المنوي توجيهها. المفارقة في التحالف الدولي ضد داعش، أن كُلا من الاطراف المشاركة يغني على ليلاه، ما يطرح تساؤلا جوهريا حول استمرارية هذا التحالف ونجاحه في تحقيق “الأهداف”.

التمايز الأبرز داخل التحالف نفسه يبقى بين الطرفين الأميركي والتركي. والبداية بدل أن يسودها الود والتعاون بينهما، طغى عليها تعثرٌ تمت محاولة استدراكه سريعا باعتذار أميركي. وفي التفاصيل، أن نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، قال في اشارة الى تركيا ودول خليجية : “حلفاؤنا في المنطقة شكّلوا أكبر مشاكلنا في سوريا، وذلك من خلال اصرارهم على الاطاحة بالاسد، ودعم المجموعات المتطرفة لهذه الغاية.” هذا التصريح استدعى ردا عنيفا من اردوغان الذي طالبه بالاعتذار. في حين ان رئيس الوزراء التركي، احمد داوود اوغلو، ذكّر الاميركيين بان تركيا، أطلقت تحذيرات عديدة، لو أُخذت بالحسبان في حينه، لما كانت مشكلة داعش اليوم.

اذا، في الوقت الذي ينمو فيه تنظيم داعش يوما بعد يوم، ويسيطر خلاله على مزيد من الاراضي، رغم بدء الضربات الجوية، تستمر المزايدات ومحاولات القاء اللوم والمسؤولية بين الأطراف التي تنبري لمواجهته. الرئيس الأميركي، باراك اوباما، يبقى الأكثر عرضة لهذا اللوم، ومن اشخاص كانوا، وما زال بعضهم من المقربين الى ادارته. قد يكون ابرزهم الرئيس السابق للاستخبارات الاميركية، ليون بانيتا. وهو قال ان الاميركيين يدفعون الآن ثمن الانسحاب المبكر من العراق من جهة، وثمن عدم دعم المعارضة السورية كما يجب في البدايات من جهة أخرى. مذكرا بتجاهل اوباما لتحذيرات هيلاري كلينتون، ومسؤولين كبار آخرين في ادارته، بضرورة دعم المعارضة السورية المعتدلة، خشية فراغ يملأه آخرون.

ومع كل الانتقادات التي سيقت لسيد البيت الابيض، لم تصدر عنه أي اشارات، حتى الآن، توحي بنيّة حقيقية لتغيير المسار جذريا. فعلى الرغم من هدير الطائرات الحربية، ما زال أوباما “يتبجح” بسحب جنوده من الارض، ويتوقع امام زواره بان يتعامل الرئيس الذي سيأتي بعده، وربما من يليه أيضا، مع مشكلة داعش. ما يوحي باستبعاد أي قرار حاسم يصدر عن الرئيس الاميركي “المتردد”. ( علما انه حصل على غطاء من ثلثي الشعب الاميركي يطلق يده في مواجهة الخطر الداعشي القادم من الشرق).

ماذا ينتظر أوباما؟ وهل قرارته متوقفة فقط على “طبيعة شخصية مترددة” كما يرى البعض؟ أم أن حساباته تبقى معلقة بحسابات حلفاء له في المنطقة؟ (اسرائيل وما يقال عن خط احمر تضعه بوجه اسقاط الاسد). أو حسابات “أعداء” له في المنطقة، يحاورهم حاليا ويأمل التوصل معهم الى تسويات في أكثر من ملف؟ (ايران طبعا). دون أن ننسى “الدب الروسي” الطامع بتقاسم حصص وتوزيع أدوار..

ماذا الآن عن القوى الاقليمية الأخرى. هي انضوت كما أشرنا تحت لواء التحالف الأميركي، دون أن يعني ذلك الرضا التام على آدائه. قوتها تكمن باعطائها”الشرعية” للضربات، ونقطة ضعفها انتظار الضوء الأخضر الأميركي للقيام “بما يلزم”. فهل تلتزم الحدود المرسومة للضربة أميركيا؟ هذه الحدود لخّصها البنتاغون على لسان الجنرال ديمبسي أمام مجلس الشيوخ الاميركي بالتالي: ضبط الحدود العراقية-السورية، مساندة القضاء على تنظيم داعش في العراق، و”تعطيله” في سوريا.

حسابات كثيرة إذا لا بد وانها تمرّ الآن في رأس الرئيس التركي الجديد-القديم. أي قرار يُتخذ، قد يقلب أكثر من طاولة. التصعيد الكلامي شيء، والدخول في المجهول شيء آخر. فهل تنقذه إشارات تنتج اما عن “تحريكٍ” في ملفات ما زالت عالقة، وتسويات ما زالت منتظرة، بين أميركا وايران وروسيا؟ أم يؤدي فشل تسويات من هذا النوع، الى اطلاق الضوء الاخضر الأميركي المنتظر تركياً؟

السابق
رسالة ابي محمد الجولاني
التالي
المرجع حسين الصدر: الاسلام السياسي أساء للدين وشوّه مفاهيمه