رسالة ابي محمد الجولاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في ظل الحملة الصليبية الجديدة على المسلمين في الشام تحت راية الولايات المتحدة، فلا بد من وقفات نذكِّر فيها نصحًا للمسلمين وتحذيرًا للكافرين، فنقول وبالله التوفيق:

لقد سعت أمريكا ومنذ اندلاع المظاهرات في الشام وبروز راية الجهاد وحمل السلاح في وجه النظام؛ سعت وبكل وضوح لإجهاض العمل الجهادي عبر وسائل متعددة، فابتداءً بوضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب قبل أن يعلن عن ارتباطها بتنظيم قاعدة الجهاد، ومرورًا بمحاولات صنع قادة سياسيين عبر ما يسمى بالائتلاف لتسويدهم على أهل الشام فيطبقوا أجندة الغرب سامعين طائعين وذلك بعد النصر الذي سيحرز على أيدي المجاهدين..

يتظاهرون بأنهم عونٌ لنا *** في حين هم داءٌ لنا وحِمَامُ

وبهذا كان المكر أن تخرج الشام من الوصاية الإيرانية لتنزل تحت الوصاية الغربية، ولكن حال دون ذلك عدة أسباب، أبرزها:

ظهور راية الإسلام الناصعة واعتزاز عامة المسلمين برفعها والالتفاف حولها، ثم وقوف المسلمين وعامة أهل الشام مع المجاهدين، فقد علموا أن لا خلاص لهم من الظلم والطغيان إلا بتمسكهم بأهل الجهاد. وإن من الموانع التي كانت تحول بينهم وبين تدخلهم العسكري هو فقدان المبرر -الذي بالطبع وفره لهم تنظيم الدولة- وكذلك تراجعهم العسكري بعد حربي أفغانستان والعراق فكان درسًا مليئًا بالعبر لمن أراد أن يعتبر، والذي يبدو لنا أن أمريكا وحلفاءها قد قصرت أفهامهم فلم يعوا كامل الدرس، وكأنهم لا زالوا ينظرون إلى المنطقة على أنها منطقة ما قبل بروز راية الجهاد فيها. ويجدر بنا هنا أن نشرح لهم بعض جوانب الدرس الذي غفلوا عنه علّهم يستعيدوا وعيهم قبل أن يتهوروا فإنهم سيقفون على شفير بركان قاب قوسين أو أدنى على انفجاره، فمنطقة ما يسمى بالشرق الأوسط هي منطقة براكين وزلازل اليوم، لا يضع أحد يده أو قدمه فيها إلا وراهن على إمبراطوريته أو ملكه مهما كبر حجمها أو زادت قوتها وهذا من وجهين، أما الوجه الأول:

فلأن الغرب ما زال ينظر للشعوب المسلمة من خلال حُكَّامها، وبالطبع فإن هؤلاء الحكام قد فقدوا سيطرتهم على شعوبهم ولم تعد هذه الأنظمة قادرة على ضبط رعيَّتها بل هي تخافها وتخشاها، وبالكاد استطاعت بعض الأنظمة الحفاظ على كرسيها وقد انكشفت عمالتها وخيانتها للصغير والكبير، وكل هذه الأنظمة تخشى أن تفقد آخر رمق من سيطرتها على شعوبها، وهذا ما سيحدث بالضبط بعد الغزو الغربي الجديد للمنطقة، فقد ذهب زمان الإعلام المزيف الذي كان قادرًا على إقناع الشعوب بحكامها العملاء الكافرين الفاسدين، ولم تعد أجهزة الأمن قادرة على إرهاب الناس وتكميم أفواههم ومنعهم من حمل السلاح، ولم تعد هذه الجيوش التي كُشفت هزالتها قادرة على مواجهة ضربات المجاهدين، ولم تعد فتوى علماء السلطان التي ترقِّع للحكام وتحرِّم وتحلِّل حسب مصلحة السلطان؛ لم تعد مجدية.

وأما الوجه الثاني: فهو أن الكلمة اليوم في هذه المنطقة هي للإسلام الحق على لسان الشعوب وفي مقدمتهم المجاهدين الصادقين، إسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم، الإسلام الذي بدأ من ضعف ثم زاده الله قوة حتى هزموا أعظم إمبراطوريات الشرق والغرب، فشعوب الإسلام اليوم تتمتع بزيادة وعي لطبيعة الصراع وأطراف النزاع فيه؛ الصراع التاريخي القديم الحديث، صراع الإمبراطوريات فارس والروم واليهود مقابل المسلمين.

وما يجري في الحاضر والمستقبل القريب إلا صورة من صور هذا الصراع الذي ترجح فيه الكفة للمسلمين بعون الله تعالى..
الحق يعلو والأباطل تُسفل *** والله عن أحكامه لا يُسألُ
وإذا استحالت حالة وتبدلت ***فالله عز وجل لا يتبدل
واليسر بعد العسر موعودٌ به *** والصبر بالفتح القريب موكل

وخارطة المنطقة تنقسم بين هذه القوى التي تتصارع على المنطقة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ولم تتحد أوجاعهم إلا عندما هزمهم الإسلام، وها هي اليوم تعود لترسم خريطة جديدة للصراع؛ فالعراق وسوريا ولبنان بيد الحالمين لإعادة أمجاد فارس، وكذا صنعوا في اليمن، ودول الخليج ومصر بيد الروم بواسطة الحكام الخونة، وفلسطين والأردن بيد اليهود، وكلٌّ يطمع بالتمدد وزيادة النفوذ، والذي ينغص أحلامهم ويقف أمامهم هم أهل الجهاد؛ كيف وقد أصبح المجاهدون أهل قوة وبأس وتبعهم خلق كثير من الناس. فمن هذا العرض يتبيَّن أن أي تدخل عسكري ضد المسلمين سيثور مقابله بركان من شعوب المنطقة في لبنان والأردن وفلسطين وجزيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويمن المدد ومصر الكنانة وشعوب المغرب وشرق آسيا، والدلائل على ذلك شاهدة في التاريخ المعاصر.

وأحب ان أذكِّر شعوب الغرب بحماقة قادتها في اختيارها الحرب على المسلمين، فقد خرج بوش يهنئ بإسقاط حكومة طالبان، وبعد عشر سنين خرج أوباما يطمئن نفس الشعب أنه يحاول فتح قناة للتواصل مع الطلبة، علمًا أن جماعة قاعدة الجهاد التي كانت محصورة في أفغانستان بعد ضربها هناك امتدت إلى باكستان واليمن والصومال ومالي والجزائر والعراق ثم إلى الشام، وأخيرًا وليس آخرًا في شبه القارة الهندية، واتسعت المعركة ولا تزال، والمجاهدون -بحمد الله- يحسنون استثمار حماقة رؤساء شعوب الغرب، فإن كانت قاعدة الجهاد امتدت كل هذا الامتداد بعد ضرب أفغانستان التي لا تضاهي الشام بحساسية موقعها الجغرافي والتاريخي؛ فماذا سيحل بعد غزو الأمريكان للشام يا ترى؟

فالحرب التي يخوضها الغرب في الشام لا شك أنها خاسرة لهم ومربحة لنا -إن شاء الله- ولو ذقنا منها بعض الألم، قال تعالى: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) ومهما حاول الغرب أن يقاتلنا من بعيد أو عن طريق الوكلاء ويتجنب بظنه الاستنزاف فنحن على يقين أن فاتورة الحرب ستكون باهظة وقد تعيدهم مائة سنة أخرى للوراء، والأيام بيننا.

فيا شعب أمريكا وأوروبا:

ماذا جنيتم من حربكم ضد المسلمين والمجاهدين سوى المزيد من المآسي والأحزان على بلادكم وأبنائكم؟
فهل نسيتم ضريبة تدخلكم في شؤون المسلمين والتسلط عليهم والهيمنة على بلادهم ونهب ثرواتهم ودعم اليهود في المنطقة؟
هل نسيتم عدد قتلاكم وجرحاكم في العراق وأفغانستان والصومال؟
هل نسيتم أهوال الحادي عشر من سبتمبر والمدمرة كول وتهديد مصالحكم المنتشرة في المنطقة؟
هل فاتكم يا شعوب الغرب كم دفعتم وستدفعون من أموال جراء هذه الحروب المتهورة مما يسبب لكم أزمات اقتصادية فادحة؟

وحذار أن يستغفلكم قادتكم بأن جنودكم لن ينزلوا الأرض وسيضربون من بعيد وأن أبناءكم سيكونون في مأمن من ضربات المجاهدين، بل إن هذا ما سينقل المعركة إلى قلب داركم، فلن يقف المسلمون كجمهور يرى أبناءهم يُقصفون ويُقتلون في بلادهم وأنتم آمنون في بلادكم، فضريبة الحرب لن يدفعها قادتكم وحدهم بل أنتم من سيدفع الجزء الأكبر منها، ولذلك عليكم أن تقوا أنفسكم من هذه الحرب بالوقوف ضد قرار حكامكم وتمنعونهم من أن يجروا الويلات عليكم وعلى بلادكم بشتى الوسائل، وإياكم أن يكذب عليكم هؤلاء الحكام ويصورون حربهم أنها حماية لكم، فهيهات هيهات، قال تعالى: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) وقد أبلغكم من قبل الشيخ أسامة -تقبله الله- لعدة مرات بأن الحل الوحيد لتجنب الحرب مع المجاهدين هو رفع أيديكم عن المنطقة بشكل كامل ورفع دعمكم وحمايتكم لليهود والكف عن نهب ثروات المسلمين وأن تدعونا وشأننا مع حكام المنطقة نصفِّي حساباتنا معهم، فما لكم ولنا؟ فإن فعلتم ذلك أعتقد أنكم ستأمنون من المجاهدين والمسلمين إن لزمتم خاصة أنفسكم، وإن لم تفعلوا فإنكم قد غرستم بأيدي حكامكم بذور كراهيتكم في قلوب المسلمين بما يكفل أن تلد أرحام الأمهات آلاف القيادات أمثال خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وأسامة بن لادن -رحمهم الله جميعًا- فإن حروب المنطقة قد أنشأت لكم ألوفًا مؤلفة من الأجيال الصاعدة لا تهاب الحرب، ألِفتْ قصف الطائرات وزمجرة المدرعات ورشق القذائف والدبابات، أجيالًا تعشق الموت وغاية أمنيتها بذل أرواحهم رخيصة جهادًا في سبيل الله، وقد لاقيتم جنود المسلمين غير مرة وعلمتم أن جنود الإسلام يقاتلونكم وهم يدعون ربهم أن يُقتلوا على أيديكم ولسان حالهم يقول:

فشُقّ الدجى يا أخيَّ واندفع *** إلى ملتقى النور والسؤددِ
ولاقِ الردى طالبًا للردى *** ومت في العلا موت مستشهد
فمن لم يمت في الجهاد النبيل *** يمت راغم الأنف في المرقد

فإننا بهذا الإيمان الذي تفقدونه هزمنا إمبراطوريتكم الرومية من قبل، وكذا خصومكم من الفرس، وشردنا اليهود من جزيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- ووطأنا بأقدامنا عتبات باريس، ودفعت موسكو الجزية ثمانين عامًا للمسلمين..

فلا تُغر بحالهم وما لهم *** فالله مولانا ولا مولى لهم

أهلنا في الشام:

لقد أذهلتم العالم بصبركم ومعاندتكم للباطل ومجالدتكم لعصابة بشار؛ فمنذ ما يزيد عن ثلاث سنين وأنتم تُقصفون وتهدم بيوتكم ويقتل أطفالكم وأنتم في قتال ضارٍ أثخنتم بعدوكم، وجعلتموه يعلم ضريبة الاعتداء على أهل السنة، لقد رسمتم صورة ناصعة في صفحات التاريخ ستُذكر جيلًا بعد جيل وحملتم عبء معركة لو وُزِّعت على أهل الأرض لأشفقوا منها؛ فما زادكم إلا صبرًا ويقينًا.

وإن هذا الحلف الصليبي قد أتاكم يريد النيل من انتصاراتكم ضد النظام ويسعى لإعادتكم لكنف بشار، وما نقم منكم إلا أنكم علمتم الطريق الحق للخلاص من العبودية، لقد أرادوها لكم كمسرحية مرسي وسيسي مصر وعبد ربه منصور اليمن، فبفضل الله ثم صبركم وثباتكم على مجالدة الباطل وأهله وجهادكم المشرِّف الذي عجزت عنده غايات الغرب الدنيئة، فقد أجهد الغرب نفسه لإفشال جهادكم طيلة ثلاث سنين بالتعاون مع حكومات الإقليم والائتلاف الخائن لدمائكم ودماء المسلمين وبعض الفصائل العميلة التي اشتراها الغرب ببعض المال والذخيرة لتكون أداة بيده بالداخل لتنفيذ المشروع الصليبي الجديد، فمسرحيات المُهَل والهدن وجنيف الأول والثاني والتعاطي مع جريمة القصف بالمواد الكيميائية ومن مبعوث أممي لآخر، ثم عجز الفصائل العميلة عن تأدية المهمة الخسيسة على الأرض؛ بعد كل هذا الفشل الذريع قرر الحلف الصليبي الجديد أن يقوم بالمهمة بنفسه وبدأ يُغير على أبنائكم من جبهة النصرة وكذلك عوائل من أطفال ونساء سوّى بيوتهم بالأرض، فلكم الله يا أهل الشام.

إن الضربات التي يستهدفنا فيها الحلف الصليبي ستضعف خطوط رباطنا وعملياتنا مع النظام النصيري، وإن الذين استهدفهم من رجالنا في القصف تشهد لهم ساحات حلب برباطهم وقتالهم، وأثر خسارتهم سيعود على الساحة برمتها لا على الجبهة فحسب، فخذوا يا أهل الشام لهذا الأمر موقفًا وشدوا على من تحالف مع عباد الصليب من بني جلدتنا، وإنا والله لكم فداء وترخص لأجلكم الدماء ولأهل الوفاء يهون العطاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ونعدكم بأن جبهة النصرة ستستمر بكل ما أوتيت من قوة مرابطة على الثغور تجاهد أعداء الله من النظام النصيري وحلفائه بإذن الله تعالى، وإنا سندفع بكل ما نملك لدفع الحملة الصليبية عن الشام وأهلها والمهاجرين فيها، وسنستخدم كل الوسائل المتاحة لهذا الغرض.

وإني لأنصح وأحذر جميع الفصائل المقاتلة الصادقة على الأرض أن لا يستغل الغرب وأمريكا ظلم جماعة الدولة عليكم من قتل للقيادات واستيلاء على الثروات وأنها قد استعجلت شرًّا على الشام كنا ندفعه وأبت النزول لمحكمة شرعية لرد الحقوق المظالم لهم وعليهم، كل هذا وغيره ومهما بلغ لا يدفعن أحدًا منكم للانقياد خلف الغرب ومشاركته في حلف الشر الذي يسعون فيه للقضاء على جذوة الجهاد وتسخيركم لمشروع علماني أو تهجينكم مع النظام النصيري بتسوية سياسية بعد إنهاء المراحل الأولى من أهداف الحملة، ومن تعذر بدفع صيال جماعة الدولة أو غيرها فليقم بذلك دون أن يكون شريكًا في التحالف الصليبي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

ولا يظننّ ظان أن الغرب وأمريكا أتوا لتخليص المسلمين من الظلم؛ فها هو بشار منذ ثلاث سنين وهو يقتل ويذبح ويأسر ويعذب ويلقي بالمواد الكيميائية القاتلة فوق رؤوس العامة من أهل السنة، وقد بلغ عدد الضحايا نحو مليون بين قتيل وجريح، ولم يهدد ذلك السلم والأمن الذي يزعمون، أليس هم من قتل أهلنا في العراق وأفغانستان؟ ويشرفون على قتل المسلمين في فلسطين بدعمهم لليهود بالمال والسلاح والقوة؟ أليس هم من قصف الأبرياء العزل في اليمن والصومال ووزيرستان؟

فيا أيتها الفصائل المقاتلة على أرض الشام:

إن الفطرة والشرع والتاريخ يأبى إلا أن يذكر من أعان العدو على بلده وأرضه بأقبح الأوصاف، وقد يتأول البعض بوساوس إبليسية بأنه هو من سيستخدم الغرب ويستغلهم لغرضه أو بحجة تجنب أذاهم قال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)، وهذا خائن مكة المدعو الشريف حسين قد أعان البريطانيين والفرنسيين بحجة ظلم الدولة العثمانية وبغية الخلاص منها وظن في هذا أنه يحسن صنعًا، وسيبقى يذكره التاريخ بأقبح الأوصاف إلى آخر الزمان؛ فقد استبدل ظلم الخلافة العثمانية في آخر زمانها بظلم اليهود ووعد بلفور الذي نسأل الله أن يأتي اليوم الذي نُخلفه، ثم نفاه البريطانيون بعد فعله الخسيس وبالكاد كان يجد قوت يومه، وما زلنا نحمل تبعات خيانته إلى يومنا هذا من تسلط البريطانيين على العراق والفرنسيين على الشام ثم انتهت بهيمنة أمريكا على المنطقة إلى هذا اليوم، وحمَّل الأجيال من بعده ذلًّا وهوانًا ندفع ضريبته منذ مائة عام، أفبعد أن بدأت خطوات جدية لقشع الغمام نعود لمربعنا الأول؟

فلن نسمح ولن يسمح الصادقون أن تُكرر مأساة فلسطين من جديد وانهيار مشروع الإسلام الذي دفعنا ودفع أجيال من رموز المسلمين من أهل السنة من المجاهدين الصادقين كل ما نملك، إن شعوب المسلمين من أهل السنة اليوم بانتظار اللحظة التاريخية الحاسمة لنزع عباءة الذل عنها وكسر القيود المكبلة فيها على يد المجاهدين الصادقين بعيدًا عن الحالمين بالنصر على يد الغرب، فنحن قوم لا ننسلخ عن هويتنا ولا عن تاريخنا ولا عن مبادئنا مهما حالت بنا الظروف أو دارت علينا الدوائر، نحيا عليها ونموت لأجلها ونبعث يوم القيامة بها (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

ونهيب بالعلماء والدعاة وطلبة العلم والمفكرين والأدباء والشعراء وكل صاحب قلم نبيل أن ينصروا أهل الشام ضد الحملة الصليبية الجديدة، وأن يذبوا عن أعراض أبنائهم المجاهدين، وأن يكون لهم الدور البارز كما عهدناهم في تحريض وترشيد وتوعية شباب الأمة.

ويا أهل السنة في لبنان:

فقد آن أوانكم لتحذوا حذو إخوانكم في الشام وتنقضّوا على عدوكم حزب الشيطان الذي يمكر بكم ليل نهار والذي تسلط وقتل من أطفال وشيوخ ونساء السنة في الشام، فلن يفوِّت الفرصة متى سنحت له أن يفعل ذلك بأهل السنة في لبنان، وقد بدأ يكشر عن أنيابه بعد تداعيات الأحداث الأخيرة، فإن هؤلاء القوم ينقمون على أهل السنة ويعتبرونهم هم العدو الأول لهم، وأنهم ينبغي أن يأخذوا يثأر الحسين -رضي الله عنه- ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن قتله قبل ألف وأربعمائة عام، وجل دينهم مبني على هذه الجزئية ويسوغون لأنفسهم قتل أهل السنة لهذه الدعوى وما هي إلا مطية تتخذها إيران لاستعادة إمبراطوريتهم التي سلبها منهم عمر رضي الله عنه، واليوم قد جرَّ حزب الله لبنان لصراع داخلي لطالما حذَّر منه العقلاء ولم يتعظ حسن المسكين بما حل بالنظام النصيري ولا بمئات القتلى من حزبه على أيدي المجاهدين في الشام، ولا بالمفخخات التي ضُربت في عقر داره في الضاحية الجنوبية، لم يتعظ برافضة العراق، لم يتعظ بما حلَّ بكل من سولت له نفسه إيذاء أهل السنة ولا يزال يصر مكابرًا على جراحه لاستمرار عملياته على السنة في الشام، وقد تبيَّن للجميع بعد أحداث عرسال وقبلها أن الجيش اللبناني يخضع لهيمنة الحزب ويأتمر بأمره ويسخره لخدمة المشروع الرافضي في لبنان.

فيا أهل السنة، أبعدوا أبناءكم عن جيش سُخِّر لخدمة عدوكم، وعسكروهم في صف المجاهدين، فإنهم حماة العقيدة والدين وسبيل لرفع الظلم عن المسلمين.

ويا رجال جبهة النصرة، فقد فعلتم فعلًا أرضيتم الله عز وجل به، وقد بقي لكم الذكر الجميل، وهذه أبواب الجنة فتحت لكم.
يا معشر المجاهدين، انصروا الله ينصركم، وقاتلوا في سبيل الله واحتسبوا نفوسكم في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ) واعلموا أنكم لن تلقوا بعد هذا العدو عدوًّا مثله وما بيننا وبينهم إلا جولة الجائل ثم نتركهم صرعى بإذن الله، وإياكم أن تولوا الأدبار فيراكم الله منهزمين.

لقد قصدكم الحلف الصليبي لقتالكم وإرجاعكم عن دينكم وذرّ ما ضحيتم وضحى أهل الشام في مجالدتكم النصيرية في الرماد، وقد أصاب مقتلًا منا من خيرة شبابنا ورجالنا، وما نقم منكم سوى دفاعكم عن أهل السنة والتفاف الناس حولكم، وقد حان دوركم لنزال جديد مع عباد الصليب وعملائهم من حثالة العرب، وإنها والله لكم ليست عليكم، فاليوم؛

اليوم فاز فيه من صدق *** لا أرهب الموت إذا الموت طرق
لأروين الرمح من ذوي الحدق *** لأهتكن البيض هتكًا والدرق
عسى أرى غدًا مقام من صدق *** في جنة الخلد وألقى من سبق

فيا رجال الإسلام، لا تخيفنكم طائراتهم فقد جبنوا عن لقائكم وإن الله من فوقهم أجل وأعلى.
يا أهل الإيمان ويا حملة القرآن، إن من قُتل منكم صار إلى الجنة ومن قُتل من عدوكم صار إلى النار، وإن الباغي مخذول في كل فعل وأبشروا فإن هذا أول النصر إن شاء الله (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

يا جنود جبهة النصرة:

ارفقوا بالناس ولا تحمِّلوهم أكثر من طاقتهم، واسهروا على خدمتهم، واخفضوا لهم الجناح، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، اعطفوا على صغيرهم ووقروا كبيرهم، وأظهروا احترامكم لوجهائهم وخذوا برأيهم وأنزلوهم منازلهم، وراعوا جهل الجاهلين وغيبة العامة عن الحق طول السنين، فلا تذروا الناس وقد وقفوا إلى جانبكم، واستمروا بالذود عن أعراضهم ودمائهم، واللهَ اللهَ في المهاجرين وعوائلهم، فعلى كل أنصاري أن يؤاخي مهاجرًا ويؤويه في منزله ويذود عنه بدمه، ووقروا اهل العلم والعلماء واحفظوا شيبة الحكماء واسمعوا وأطيعوا لأمرائكم بالمعروف، وإياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأدوا الأمانة لمن ائتمنكم ولا تخونوا من خانكم وردّوا الحقوق لأهلها واعدلوا (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ) واصدعوا بالحق ولا تخشوا في الله لومة لائم، وتوبوا من كل ذنب اقترفتموه ولا تدفعوا الباطل بالباطل؛ وإنما يصرع الباطل بالحق. وتعاونوا مع الفصائل الصادقة على كل خير واجعلوا رابطة الإسلام والتوحيد الرابطة الوثقى بينكم، عليها توالون وفيها تعادون وتحت ظل حكم الإسلام تجتمعون، واحذروا الفصائل العميلة المتحالفة مع الصليبيين الجدد، ولا تستعدوا صديقًا أو محايدًا، وشدوا على عدوكم ولا ترحموا جاسوسًا أو واشيًا ولا معينًا لعباد الصليب أو فاشيًا، وأطيعوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الهزيمة تدخل من الشقاق، وإياكم وأصحاب الغيبة والنميمة فإن النمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، وإياكم والغلو فما شادّ أحد هذا الدين إلا غلبه، واجعلوا بينكم وبين فكر الخوارج والإرجاء بُعد المشرقين، وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل، وراعوا فقه الواقع والنازلة وحال الناس، وادرؤوا الحدود بالشبهات، ولا تقفوا ما ليس لكم به علم، ولا تصدروا أنفسكم للفُتيا في المُشكلات وأحيلوا ما تشابه منها لأهل العلم والعلماء، والنصر يأتي بعد الصبر وما بعد العسر إلا اليسر، وأن الله قد وعدكم في كتابه (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وإني والله أرى خيرًا قد أصابكم وفضلًا عظيمًا قد خصكم الله به.

اللهم ارحم قتلانا وبلغهم منازل الشهداء واحشرهم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، واجزِ اللهم إخوانهم من بعدهم بأحسن مما يعملون واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين، إنك على كل شيء قدير، آمين، والحمد لله رب العالمين.

السابق
وثائق أميركية: 20 قطرياً يموّلون «الإرهاب»
التالي
هل يلعب الفأر التركي بذيله مع غياب القط الأميركي؟