تبئير داعش

التحديات الّتي يشكلها تنظيم “داعش” للبنان اليوم، تضع الجميع أمام مسؤولياتهم. ما هو خفي منها، أعظم بكثير مما نراه في وجوه أهالي العسكريين المخطوفين. وأعظم بكثير مما نسمع عنه من اتصالات العسكريين المخطوفين بذويهم: زوجات وآباء وأمهات وأبناء. لا تكفي الاستغاثة بقطر، ولا الاستغاثة بفريق العلماء المسلمين المفاوضين، ولا بالشيخ مصطفى الحجيري. لا يكفي الاطمئنان لعمل “خلية الأزمة” في القصر الحكومي.

ثغرة المخطوفين العسكريين، والتي هي حتى الساعة في نظر المسؤولين اللبنانيين، ثغرة لا أكثر ولا أقل، إنما هي أعظم من ذلك بكثير. ويخشى أن تهدّد الداخل بكامله والجوار بكامله. وعلى اللبنانيين جميعاً مسؤولين وغير مسؤولين، أن يسارعوا لسدّ هذه الثغرة الخطيرة وتحصين الوطن.
إن تجربة نهر البارد و”فتح الإسلام” لا تزال حية في الأذهان فهل ننتظر ثم ننتظر، حتى تكون لعرسال معمودية نهر البارد، أو حتى تكون لطرابلس معمودية عبرا والهلالية وشرق صيدا؟ هل ننتظر أيضاً كثيراً حتى تتحوّل سلسلة جبال لبنان الشرقية “داعش لاند”، ونعود بشبعا ومزارع شبعا وحاصبيا والماري والعرقوب والقنيطرة وجبل الشيخ سيرتها الأولى، وهي الّتي كانت بدأت تجربة “فتح لاند” ولم تنسها بعد.
إن تحديات تنظيم “داعش” للبنان اليوم ليست وهميّة على الإطلاق. وليست مرتهنة للإسلاميين المسجونين في سجن رومية وحسب. ولا هي وقف على الأحكام القضائية ولا على سيناريو إخراجهم بالعدل أو بالمقايضة لا فرق. ذلك أن عملية “تبئير داعش” ماضية في لبنان على قدم وساق. والقاعدة الشعبية للاعتدال السني، آخذة في مراجعة مواقفها يوماً بعد يوم، مثلما راجعت القاعدة الشعبية للاعتدال الشيعي مواقفها مع صعود “حزب الله” والمقاومة الإسلامية. لمَ لا. “ما حدا أحسن من حدا”.
ولا نذيع سراً أن “تبئير داعش” في لبنان كان قد تحدث عنه وزير الدفاع في الحكومة السابقة، “حكومة ميقاتي”. وبدل أن يذهب المسؤولون لملاقاته والاطّلاع على الحيثيات الاستخبارية الملهمة له، جرى تبخيسه في الإعلام، تحت الهواء وفوقه. وكأن لبنان من عالمٍ آخر، ليس عرضة لأعراض “داعش” وأخواتها.
وها هي تحديات داعش على الأبواب في لبنان: فقد تغير المزاج الشعبي في البيئات الحاضنة للنازحين. يساعد على ذلك الاشتغال على فقر الطائفة السنية، وأن نوابهم لا يحققون مصالحهم.
ويبدو أن مد “داعش” في العراق وسوريا، وتكوين دويلتها، وإعلان إمارتها ومبايعة أميرها (أبي بكر البغدادي)، جعل القاعدة السنية ترجح خيارها العنفي الّذي غير المعادلة في العراق وسوريا. وإذ يبنى على الشيء مقتضاه، فإن تغيير المعادلة الداخلية في لبنان وإن كان يلزمها شغل كثير، ومال كثير ومؤامرات كثيرة وسيناريوات كثيرة، وهو ما يجري العمل عليه، حالياً، غير أنها قابلة للتحقيق بين ليلة وضحاها ولا تحتاج إلاّ إلى كبسة زر حتى يحصل الانفجار الكبير.
والشجاعة الأدبية والسياسية، تقتضي سريعاً، أن تقتنع إيران و”حزب الله” بضرورة قيام الدولة وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. وأن يقتنع المعارضون بضرورة تسهيل تجهيز الجيش عدداً وعتاداً. وأن يتم التلاحم الوطني بين الطوائف دون استقواء من أحد على أحد ودون افتئات كتلة على حقوق الطائفة الواقعة تحت مظلتها، وأن يشعر الشيعة والسنة أنهم شركاء في وطن واحد، فلا يطغى نفوذهم على بعضهما البعض، ولا على غيرهم من الطوائف الأخرى.

السابق
هذه المرأة صاحبة أخطر وظيفة في العالم
التالي
مصادر من حزب الله: أمام اللبنانيين فرصة لانتخاب رئيس «صُنِع في لبنان»