دائرة الأمن الذاتي تتوسع… من الجنوب إلى الشمال

الأمن الذاتي
هل يعود لبنان إلى الحواجز في المناطق وإلى تضييق مفهوم الوطن إلى بلدة أو قضاء للاحتماء من الآخر؟ وهل يمكن أن نغفر الأمن الذاتي بسبب غياب الدولة؟ يبدو أنّ الإجابة هي: نعم. وإليكم بعض الشواهد من الجنوب إلى طرابلس. والجديد أنّ مدارس عدّة تديرها مؤسسات مسيحية بنقل مقراتها من طرابلس إلى منطقة الكورة، ومثلها قد تفعل مؤسسات مشابهة ف يمناطق توتّر أخرى.

يبدو أن الدعوة إلى الأمن الذاتي بدأت تتوسع، واعتماد المجموعات اللبنانية على نفسها لتشكيل حماية خاصة تعمّم على المناطق اللبنانية كافة، والأمن الذاتي يحتّم على اللبنانيين أو مجموعات أن يتولوا حماية أنفسهم ومناطقهم على حساب مفهوم الحماية الّتي يفترض أن تؤمّنها الدولة.

قال (م.و) وهو مواطن لبناني يقطن في بلدة الصرفند والجنوب: “أمضيت السهرة مع زوجتي وابنتي عند أحد الأصدقاء في قناريت، وعند عودتي إلى المنزل نحو الساعة الثانية عشرة ليلاً، وبوصولي إلى مفرق الريجي في الغازية، فوجئت بعدد من المسلحين يقيمون حاجزاً، أصبت بالهلع، لم أعرفهم، ولم أعرف السبب من إقامة الحاجز، توقفت بناء على طلبهم وبعد تفتيش السيارة سمحوا لي بالمرور، سألت عن هويتهم، أعلنوا أنهم ينتمون إلى حركة أمل، وأن خطوتهم هذه أتت خوفاً من مرور مجموعات تكفيرية في المنطقة”.

هذا في الجنوب، اما في الشمال، يقول أحد المواطنين في حلبا (س.خ)، أنّ دوريات مسلحة تجوب شوارع منيارة ليلاً، وأن خطوتهم أتت بعد إقدام مجموعة من المسلحين المتطرفين بكتابة كلمات تسيء إلى المسيحيين على جدران الكنيسة وبعض البيوت. وتابع لـ”جنوبية”: “هناك موجة من التسلح واسعة خصوصاً في القرى التي يسكنها موارنة، وحيث يتواجد مؤيدون للتيار الوطني الحر، وقسم من الشباب يشتري سلاحاً من ماله الخاص”. وأعطى مثلااً واضحاً ما يجري في بلدة القبيات. مازحته قائلاً: ربما تقول ذلك لأنك ارثوذكسي”، فردّ بانفعال: “لا تخف كلهم دواعش، وداعش ليست حكراً على السنّة فحسب”.
أما في طرابلس، فيبدو أن الوضع أخطر بكثير. فالوضع الأمني في منطقة التبانة يسوء يوما بعد يوم، قالت سيدة تسكن في المنطقة (ه.أ.): “لا نستطيع الخروج ليلاً، نسمع أصوات المسلحين الملثمين بعد منتصف الليل، أمس سمعنا دوي قنبلة صوتية رافقها رشقات من الرصاص”.
يقترب أحد الشبان، يخبرني بصوت منخفض: “تدور أحاديث عن نية مجموعات مسلحة افتعال مشاكل مع الجيش اللبناني وأن اعتقال علوكة والمصري والصباغ لم ينقفل الموضوع، فقد نَقَلَ شادي المولوي مركزه من القبة إلى التبانة وهو ينسق مع أبو عمر منصور لتحضير المجموعات المسلحة”. ويغمز من قناة بعض زعماء طرابلس الذين يتولون تحويل المسلحين وحمايتهم”.
تعود (ه.أ) لتقول: “عائلات مسيحية عدة تركت مدينة طرابلس وتوجهت للسكن في الكورة أو في منطقة زغرتا طلباً للأمن والأمان”.
من جهة أخرى، بدأت عدة مدارس تديرها مؤسسات مسيحية بنقل مقراتها من طرابلس إلى منطقة الكورة، منها مثلاً الإنجيلية التي بدأت التدريس يوم الاثنين 22 أيلول في مقرها الجديد في منطقة الكورة، كما تسعى المدارس الأخرى لتأمين أبنية صالحة للتدريس، خوفاً من ضياع العام الدراسي على الطلاب، وحتى لا تتعطل الدراسة كما حصل خلال العام الدراسي الأخير.

ورغم كل هذه الأجواء يبدو حزب القوات اللبنانية مصراً على موقفه من عدم التسلح على الرغم من أن خطاب التيار الوطني الحرّ، الذي بات متطرّفاً، والذي يدعو إلى الأمن الذاتي، بدأ يلقي قبولاً في الوسط الشباب المسيحي في الشمال، ما سيؤثر سلبياً على شعبية القوى السياسية المسيحية الأخرى.

وقد وصف أحد المتابعين للوضع الشمالي على زيارة النائب سامي الجميل إلى عكار يوم الأحد 21 أيلول 2014، بأنها “محاولة من الجميل لإقناع القاعدة الكتائبية ومؤيديها بعدم الاستجابة لتوجهات التيار الوطني الحر”.

غادرت منطقة القبة ليلاً متوجهاً إلى بيروت، معظم الطرق المؤدية إلى التلّ مقفلة وخصوصاً عند مراكز الجيش، على المسار الالتفاف هنا وهناك، وسلوك طرف يعكس السير كي يصل إلى الطريق العام المؤدي إلى بيروت. ربما كانت الأجهزة الأمنية على علم بهذا الوضع تفصيلياً، ولكن هناك فارق كبير بين المعرفة وبين الفعل والتصرّف في ضوء المعرفة.

السابق
الحوثيون سنّة أكثر مما هم شيعة
التالي
جعجع: إذا هاجم المسلحون الجيش من جديد ألا يجدر بالحكومة طلب المساعدة