السيد هاني فحص ’العمامة’ المفتوحة على العالم

الشلال الاسود الذي سال على الأبيض، في وصف السيد هاني فحص، أعطاه الكثير مما فيه، ويمكن الإفاضة أكثر فأكثر ولا يقع أحد في المبالغة، لأن ما كانه السيد، يستحق أكثر. ما أكتبه فيه الشخصي، ولكن أيضاً فيه الكثير من العام من يوميات جيل أحب الحياة وكان واسع الآمال، وأصيب بالهزيمة والإحباط. بعضه اتجه نحو تطوير ما كان يؤمن به، وبعضه الآخر أصرّ على الغرق حتى وصل الى قعر التعصب والتحجر السياسي والمذهبي.

السيد هاني فحص، كان عدة رجال في «سيد» واحد. وعدة قضايا متآخية ومتساوية اتسعت لها عمامته السوداء التي كل ما كان ضمنها بياض خارج من بياض جبل صنين. يقولون إنه تنقل في مواقفه حتى وصل إلى الإيمان بلبنان «فتلبنن». الواقع والحقيقة أنه انطلق من لبنان من معركة التبغ وعاد إلى لبنان من الدعوة إلى الوحدة ومحاربة المذهبية والدعوة إلى الإيمان الذي لا يحده ولا تسجنه الجدران كل الجدران.

سمعت بالسيد هاني أثناء معركة التبغ. يومها تعجبت كيف يغطس عمامته السوداء مع دماء المزارعين. حاولت أن أتعرف إليه أكثر فكانت البداية في أحضان الثورة الفلسطينية. وهنا أيضاً كان التعجب وبداية الإعجاب. حتى إذا أطلت الثورة في إيران، جاء الاتصال الحقيقي.

أذكر جيداً وكأنه اليوم، عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً من بيروت وأنا في مكتبي في مجلة «المستقبل» بباريس التي كان يرأس تحريرها الأستاذ نبيل خوري ابن القدس وبيروت معاً، قال لي السيد: «أخي أسعد أعرف أنك والعمامة غريبان. ضحكت قائلاً: لن تسامحني. قال: بالعكس أحب مصداقيتك. المهم يوجد شيخ جليل، سيحضر إلى باريس بعد أن طرده صدام حسين، هذا الشيخ إيراني مختلف، أعرفه من النجف. وهو على تواصل مع «الختيار» وإقامة الحلف الاستراتيجي العربي الإيراني الذي كان جمال عبدالناصر يريده ويأمله. إذا سقط الشاه، فتحنا طريقاً الى الاعتراف بفلسطين. كل ما كنت تقوله، أصبح له باب، متى فتح فتحت أمام الأمة العربية فرصة كبيرة للتعويض عن الماضي.

عرف السيد كيف يصطاد عقلي وقلبي. أجبته ما العمل. أعطاني المعلومات اللازمة منهياً كلامه: «يكفي أن تكون مع هذا الشيخ الجليل صادقاً كما أنت». في اليوم التالي ذهبت مع عدد من الأصدقاء إلى «نوفل لوشاتو». وصلنا متأخرين. كان الشيخ الذي ليس سوى الإمام الخميني قد دخل المنزل. اكتفينا بلقاء الشيخ إشراقي صهر الإمام وإبلاغه «بأننا معهم ومع طموحهم بإسقاط الشاه». في اليوم التالي عدت بدافع الإلحاح المهني بعد أن اطلعت على مقابلة يتيمة للسيد الخميني أجراها معه الزميل لوسيان جورج في صحيفة «اللوموند». فكان إن بدأت علاقة، طويلة توّجها الإمام الخميني بقوله للمحيطين به عني، «إنه قومي عربي متعصّب لكنه صادق».

عودة إلى السيّد. التقيته في طهران محاطاً بالتقدير. وعندما رفع العلم الفلسطيني على السفارة الإسرائيلية، كان فرحنا عظيماً. كأننا أسقطنا خط بارليف مرة أخرى، وفتحنا طريقاً إلى فلسطين. السيد هاني كان فرحه أكبر، لقد تعب كثيراً لإقامة العلاقة بين الإمام الخميني والشهيد ياسر عرفات. لكن السيد هاني، كان كلما تقدمت الثورة خطوة نحو الدولة، كان وهو الإبن البار لنهج الإمام علي ونهج البلاغة يبتعد خطوات. لم يقبل باستثمار علاقته مع الإمام الخميني وآية الله العظمى حسين منتظري للحصول على موقع رغم ان كل أبواب السلطة كانت مفتوحة أمامه. فكان أن عاد إلى بيروت ليدعم العراق في رحلته الطويلة للخلاص من صدام حسين من دون أن يقف على الضفة الأخرى المعادية.

بقي السيد ثائراً مؤمناً بالبندقية. وقف مع المقاومة حتى التحرير ثم بدأ خوفه عليها بصمت متزاوجاً مع النصح الملتزم. حتى إذا وقعت الثورة في سوريا وقف معها بكل قوته. ثم أصيب بحزن، كان يتعمق يومياً مع انخراط بندقية المقاومة مع الأسد وكان يقول: «بندقية المقاومة لا توضع في خدمة بقاء الأسد باسم المقاومة».

هذا هو السيد هاني فحص. المزارع. المناضل. الفلسطيني. الثوري. اللبناني. العروبي. الوحدوي. المنفتح. المؤمن من دون أن يكون أسير المسجد أو الكنيسة. قبل نهاية رحلته الأرضية كان يردد: «نحن الشيعة، ليس لنا إلا لبنان وطناً.. فارحموه»!

السابق
والد الشهيد محمد حمية يطلب من الجميع عدم التعرض لاي سوري في لبنان
التالي
جبهة النصرة: في حال عودة الحال الأمنية الى طبيعتها في عرسال وإطلاق سراح كافة المعتقلين فهناك أمل لنجاة المخطوف علي بزال