لا ’بوعزيزي’ في لبنان بل تفقير مدروس لمنع النار

لا "بوعزيزي" في لبنان ولا ثورات ولا حركات شعبية ولا مظاهرات ولا تمردات ولا تجمعات ولا تحركات فكرية يسارية علمانية أو شيوعية أو قومية أو عروبية أو وطنية يمكن أن تثمر. أثبت لبنان أنه قلعة شامخة في وجه التغيير والتجربة دلت أنه من أعقد الأوطان العربية لناحية بنيته وتركيبته الإجتماعية. تتّبع الدولة اللبنانية نهج "التفقير" لتبقي المواطن منشغلاً بأمور حياتية يجب أن تكون مؤمّنة له. فكيف لمجتمع أقصى طموحه أن يحصل على الماء والكهرباء أن ينتج التغيير؟

لا “بوعزيزي” في لبنان ولا ثورات ولا حركات شعبية ولا مظاهرات ولا تمردات ولا تجمعات ولا تحركات فكرية يسارية علمانية أو شيوعية أو قومية أو عروبية أو وطنية يمكن أن تثمر. أثبت لبنان أنه قلعة شامخة في وجه التغيير والتجربة دلت أنه من أعقد الأوطان العربية لناحية بنيته وتركيبته الإجتماعية. تتّبع الدولة اللبنانية نهج “التفقير” لتبقي المواطن منشغلاً بأمور حياتية يجب أن تكون مؤمّنة له. فكيف لمجتمع أقصى طموحه أن يحصل على الماء والكهرباء أن ينتج التغيير؟

في لبنان، إذا معك ليرة سوف يسحبونها منك ويسحبون روحك معها. المهم ألا تدخر شيئًا وتبقى حيّاً تحت فلسفة كل يوم بيومه و”ربي أعطني كفاف يومي” وممنوع أن يتراكم قرشك. “لازم يضل فلتان” يعني يبقى في حركية ومرونة دائمة ومتداول من يد إلى يد ضمن حركة السوق والعرض والطلب.

المعادلة تقول: الفقير سيصبح أكثر فقراً وأما الغني سيتضاعف رأسماله. لا طبقة وسطى في لبنان! لا حياة كريمة وهانئة وأمنة وصحية وسليمة بمعايير إنسانية. إما العيش بمحاذاة خط الفقر والعوز والحاجة أو التنعم بالرفاهية والكماليات مع المترفين.

عبر هذه المعادلة يفقد الفكر فعاليته ويصبح العقل مشلولاً وترتهن الضمائر وتنخفض المبادرات الفردية الكفوءة بسبب انشغال أغلب شرائح المجتمع بالمعاش اليومي والكهرباء والخضوع لعصابات إشتراكات الكهرباء والسعي لتأمين الطبابة والأدوية وغيرها من الحاجيات الأولية. يصبح التفكير في كيفية تأمين مياه صالحة للخدمة أمراً حيوياً للإنسان فمن يحصل على مياه غير كلسية أو مالحة يعتبر محظوظاً.

النظام يدرك أهمية الفقر كحالة يجب أن تبقى عامة وعارمة وصارخة بغية تثبيت نفسه من خلال ربط مطالب الفقراء به، “أي النظام” ، بنعتباره يقدم الخدمات كعمل خير لا كواجب عليه وكحق للمواطنين، تماماً كالتوظيف في دوائر الدولة الرسمية والقوى الأمنية المختلفة، هذه الوظائف التي تعطي “الأمان” للمواطن إذ لا أمان خارج منظومة الدولة التي هي أساس النظام وحاميه.

حين يسيطر الخوف من المستقبل على المواطن يسعى إلى الإرتباط بالمنظومة الحاكمة أو التسلق للوصول إلى دائرة الدوائر أي المركز أو المحرك الأساس أو الدينمو وعادةً ما يكون مركزاً سياسياً مؤلفاً من سلسلة فولاذية متشابكة من الأعوان والمقربين والموالين الطامحين إلى تحقيق حد أعلى من مستوى المعيشة عبر تحقيق مصالحهم الخاصة والضيقة على حساب المصالح العامة والجماعية. هي دوائر تصغر تدريجياً وتنفذ إلى بعضها البعض عبر مخارج “قانونية” فتتحكم بالإقتصاد والمال والأعمال والعدل والإعلام الخ… عملية الربط والإتصال والتواصل والعلاقات الخاصة هي “تأبيد” للنظام.

بما أن الخطاب الطائفي هو المهيمن، تكوّنت في لبنان عدة مراكز ومحركات أساسية تخضع لها كل طائفة على حدة وتنضوي جميعها تحت لواء ما يسمى “الدولة”. حول كل فريق سياسي/طائفي تنشأ مجموعات حمايته ضمن دائرة سياسية-إجتماعية وإقتصادية صعبة الخرق. يبقى الصراع هامشياً ما دام الفقراء هم وقوده ولكن لا يسمح للنار بأن تشتعل بالكامل لتحرق الجميع. التوازن مطلوب حتّى في خضم الحروب والقتل إذ لا يسمح بانهيار “السيستم” ففي أي لحظة تستشعر الطبقات الحاكمة المختلفة والمتناقضة والمصبوغة طائفياً والملونة مناطقياً بالخطر تلتئم مراكزها لإعادة صياغة هدنة جديدة أو شكل جديد للحكم.

لا تقلقوا: “الأمن والنظام المالي” مستقران لا خوف عليهما. هذا ما قاله الرئيس نبيه بري في خطابه الأخير في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر، الأمن والنظام المالي- النقود والعسكر- العملة والقوة- أدوات النفوذ والسيطرة والسلطة، تلك هي أعمدة النظام الطبقي الحاكم وأهم وسائل “استلاب المواطن ومصادرته واغتصابه”. كأن لا همّ للفقراء سوى سوى حساسية النظام المالي العالمي وطمأنة أصحاب البنوك والرساميل والإستثمارات والإنتفاعات الأنانية.

لا “بوعزيزي” في لبنان ولا ثورات ولا حركات شعبية ولا مظاهرات ولا تمردات ولا تجمعات ولا تحركات فكرية يسارية علمانية أو شيوعية أو قومية أو عروبية أو وطنية يمكن أن تثمر. أثبت لبنان أنه قلعة شامخة في وجه التغيير والتجربة دلت أنه من أعقد الأوطان العربية لناحية بنيته وتركيبته الإجتماعية.

خنق المواطن إذاً بواسطة الفكر اليومي التبسيطي البديهي هو الحل. الوظيفة والكهرباء والماء والهاتف والصرف الصحي والمدارس والطبابة ألخ… تهدم مؤسسات الدولة جميعها وترتبط بأشخاص وقوى سياسية تقدم أفعال الخير لأنها قوى خيّرة!!

ماذا يمكن أن نتوقع من شبان في الثلاثين من عمرهم، وهم موجودون بغالبية ساحقة، ما زالوا يتحدثون عن أحوال معيشتهم اليومية وكيفية تأمين أبسط الإحتياجات لكأنها قضايا وطنية أو أممية! المؤسف أنهم من حاملي الإجازات الجامعية والماستر. كيف يمكن للخلق والإبداع أن يجدا طريقه إلى بيئة حاضنة للقهر والهدر الإنسانيين. بيئة تنهش فكر الإنسان قبل لحمه

السابق
اتحاد بلديات جزين نفى وجود خلايا ارهابية في المنطقة
التالي
باسيل: التفكير باحتواء داعش وهم ويجب القضاء عليها عسكريا وإيديولوجيا