بلدة القاع المسيحية.. منسية بين نفوذ شيعي ومحيط سنّي

القاع
كيف انعكست الحرب السورية على بلدة القاع الحدودية في أقاصي البقاع الشمالي للبنان؟ ما هو تاريخها السياسي وكيف يتعايش أهلها مع الأزمة اليوم؟

ربما لم يسمع الكثيرون منا ببلدة القاع الحدودية لولا إصابتها مراراً وتكراراً بصواريخ آتية من “الجارة” سوريا. فبعض المناطق اللبنانية للأسف منسية في جغرافيا الدولة الّتي تعاني من المركزية وتمحور كل شيء تقريباً حول العاصمة بيروت. وفي خضم استمرار الأتون السوري، كيف انعكست الحرب السورية على بلدة القاع الحدودية في أقاصي البقاع الشمالي للبنان؟ ما هو تاريخها السياسي وكيف يتعايش أهلها مع الأزمة اليوم؟
تقع بلدة القاع في اقاصي البقاع الشمالي للبنان على الحدود المتاخمة لسوريا. تبلغ مساحتها 182 كلم مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 13 الف نسمة. تعدّ القاع اكبر قرية كاثوليكية بعد مدينة زحلة. وهي محاطة بقرى اسلامية ذات أغلبية شيعية.
عانت القاع على مدى سنوات من الفقر والحرمان وغياب الدولة وأجهزتها عنها. تعرضت البلدة في 1 تموز 1975 لهجوم مسلح من اهالي القرى المجاورة اتخذ طابعاً اسلامياً, فسقط لها 7 شهداء ولم تستطع الدولة آنذاك من مساعدة الأهالي بل على العكس أفادت تقارير الجيش أنه لم يحصل اي اعتداء أو هجوم عليها.
مع دخول القوات السورية الى لبنان انقسم اهالي القاع ما بين مؤيد للوجود السوري ومعارض له. بدأ تضييق الخناق على القاعيين المعارضين للوجود السوري خاصةً من حزب الكتائب. وفي ليل 28 حزيران 1978 اقتيد 15 شاباً كتائبياً على يد المخابرات السورية واعيدوا جثثاً هامدة الى البلدة في صبيحة اليوم التالي .
كان لهذه الحادثة وقع مرير على أهالي القاع فقد زرعت الرعب والهلع في نفوسهم مما اضطرهم الى النزوح نحو العاصمة بيروت، وبدأت عملية بيع الأراضي لغير القاعيين.
ما بين 1978 و2005 أي طيلة فترة الوجود السوري, كان الأمن ممسوكاً في البلدة من قبل الجيش السوري الذي مارس سياسة القمع والارهاب الفكري وتدخل بشكل سافر في الحياة اليومية للقاعيين.
وحتى يومنا هذا، وبحساب مصادر مطلعة في بلدية القاع تتم عمليات الاستيلاء على اراضي البلدة بطريقة غير شرغية وبغياب قانون ينظم عملية الفرز والضم للأراضي غير المملوكة والمعروفة بالمشاع.
فاستوطن عدد من أهالي بلدة عرسال السنية المجاورة “مشاريع القاع” وهي منطقة زراعية بحت، وشيدوا فيها المنازل وأقاموا البنى التحتية من جوامع ومدارس من دون رخص قانونية وبدون حسيب أو رقيب. وهو ما دفع الأهالي للتخوف من تغيير ديموغرافي يغير معالم ووجه بلدتهم المسيحية الصرف.
مع بدء الثورة السورية في آذار 2011، عادت “مشاريع القاع” الى الواجهة لتتصدر عناوين الصحف والأخبار. فقد نزح اليها حوالي 25 ألف لاجىء أغلبيتهم من السنة وبدأت الاشتباكات تحصل على أطرافها بين الجيش النظامي السوري والمعارضة مما انعكس سلباً على أوضاع البلدة وأهلها.
فتضررت عدد من المنازل, وأُحرقت بعض الأراضي, قُطعت أرزاق الناس الذين يعملون في التجارة بين سوريا ولبنان, كما شعر الأهالي بعدم الأمان والطمأنينة جراء وجود غرباء يتغلغلون في قريتهم ربما قد شاركوا بمجازر في الحرب الدائرة في سوريا، وهذا الأمر يعرض البلدة وأهلها لمشاكل جمة في المستقبل.
لم تعرف القاع على الخارطة اللبنانية الا من باب الحروب والأزمات, ومؤخراً مع دخول الحركات الأصولية المتطرفة كداعش والنصرة, وحزب الله كلاعبين أساسيين في الحرب السورية. انتقلت المعارك من الداخل السوري الى سلسلة جبال لبنان الشرقية التي تشكل الخط الفاصل بين لبنان وسوريا بدءاً من جرود عرسال حتى القاع.
فتعرضت قرى السلسلة الشرقية لقصف بالطيران السوري ولاطلاق صواريخ وقذائف من والى الداخل اللبناني. ويعيش القاعيون اليوم في حالة هلع دائم وخوف على مستقبلهم لأسباب عدة أبرزها، وقع القاع المتاخم للحدود السورية فأي خضة أمنية يمكن أن ترتد سلباً وتنسحب الى داخل البلدة.
أضف إلى ذلك وجود القاعيين في منطقة تقع تحت نفوذ حزب الله الشيعي المشارك في الحرب السورية والذي اتخذ من اراضي القرى الحدودية منصة لاطلاق صواريخه نحو السوريين المتواجدين في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية.
كما يضع الوجود الديمغرافي السني الكثيف في منطقة “مشاريع القاع”، والذي ازداد بشكل هائل مع مجيء النازحين السوريين الى البلدة، القاعيين أمام مستقبل مجهولة معالمه.

هذا وقد جعلت الحركات الأصولية المتطرفة كداعش والنصرة في عرسال وقتلها للمدنيين ودخولها في مواجهات مع الجيش اللبناني واسقاط الكثير من الشهداء, اهالي القاع على أهبة الاستعداد لدرء أي خطر قد يداهمهم اذا قامت هذه الجماعات الارهابية بالتمدد الى داخل البلدة والتعرض الى  المسيحيين, في ظل الأنباء الواردة عما يقوم به هؤلاء التكفيريون في الموصل وتهجير المسيحيين وارغامهم على اعتناق الدين الاسلامي وتعريض الفتيات المسيحيات لجهاد النكاح.

ازاء هذا الواقع الأليم والفلتان الامني الذي تعيشه الدولة لم يبق على مسيحيي القاع الا التسلح بالايمان وانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا لمعرفة مصيرهم,
فصحيح ان القاع تقع جغرافيا في لبنان الا أن مستقبلها كان وما زال مرتبطا بالوضع في سوريا كما ان وضع المسيحيين فيها لا يقل ماساوية عن وضع مسيحيي الشرق بشكل عام.

السابق
تعطل محول في معمل الزهراني
التالي
أهالي سعدنايل نصبوا خيما وسط طريق شتورا زحلة