شكراً داعش…

داعش
على الرغم من همجية حركة داعش وعودتها بنا إلى العصر الجاهلي، غير أنّها حرّكت الملفات في المنطقة، وربما إن أتى الدور إلى لبنان، سنقول: "شكرا داعش".

على الرغم من كل الوحشية والهمجية التي تتسم بها حركة داعش، والأزمان الغابرة التي أعادت نشرها في ارجاء المنطقة من قتل وتذبيح، وتنكيل وتهجير، في مشاهد تذكرنا بالقرون الوسطى او ما دونها، الا انني اعتقد بان ظهور هذه الحركة له من الإيجابيات الكثير، اذا ما قاربناها بعقل بارد بعيدا عن ردة الفعل الأولية المستنكرة والرافضة لها. فعلى المستوى الفكري والعقائدي (اذا صح التعبير)، عاد الحديث مرة أخرى عن الحاجة الملحة الى إعادة قراءة للتراث الإسلامي، بما فيه من احياء ضروري لنظرية “تاريخية النص” فضلا عن التسليم بما دخل على التراث الديني (الروائي)، من مدسوسات واسرائيليات، لا تنتج الا على شاكلة داعش.

اما على المستوى السياسي، وما يتصل بواقعنا المعاش، فوحده هذا الخطر الداعشي هو ما فرض على ايران إعادة تموضع لسياستها المتبعة على الساحة العراقية، واجبرها على التخلي عن المالكي وادائه الذي لم يوصل الا الى تدمير ممنهج لثروات وامكانيات العراق، وهو (أي الخطر) ما سيسمح برسم خريطة سياسية جديدة بمشاركة كل مكونات الساحة العراقية وهذا بالتأكيد لمصلحة العراقيين ومستقبلهم. ومن نتائج “داعش” أيضاً التقارب الإيراني السعودي، ومن بعده الإيراني الغربي والذي بدأنا نشهد طلائع ارهاصاته، بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان الى المملكة السعودية، هذا فضلا عن التحالف الدولي المزمع إنشاؤه لمحاربة الإرهاب والذي سوف يضم كل الخصوم في المنطقة وعلى رأس هذا التحالف ستكون الولايات المتحدة الأميركية بدون أي اعتراض من أي احد.

وكذلك الحال ينطبق على الساحة السورية التي تشهد احداث دامية منذ اكثر من ثلاث سنوات بدون أي “مهادنة” لأيّ من طرفي الصراع (معارضة – نظام) عن مواقعه وشعاراته، وإذ بنا الان نسمع وزير الخارجية السوري وهو يبدي استعداد نظامه لمد اليد والتعاون مع كل اركان “دول المؤامرة” وبلا أي تحفظ. فاذا كان كل ما تقدم من “بركات” داعش، الا ان الغريب هو ما يحصل على الساحة اللبنانية، فبالرغم من ازدياد الكلام والتقارير التي تشير بوضوح وبالمعلومات المؤكدة عن اقتراب هذا الخطر الى الحدود مع لبنان، وما يحكى عن تجمعات “للدولة الإسلامية” على تخوم بقاعنا الشمالي، وما يُقال عن اكتشاف الأجهزة الامنة لمجموعات نائمة تابعة لها، وما رافق احداث عرسال من كوارث ومصائب لا نزال نعاني من تبعاتها، ليس اخرها استشهاد الجندي علي السيد، وقضية اسر باقي رفاقه، فإن كل هذا لم يدفع بالمسؤولين اللبنانيين بعد الى تلمس هذا الخطر الفعلي الا بالخطابات والشعارات بدون الاقدام على الحد الأدنى من التوافق على خارطة طريق جديدة تبدأ بانتخاب سريع لرئيس جمهورية جديد ولا تنتهي برمي كل الخلافات السياسية التافهة خلفنا من اجل السعي الى الوصول لمرحلة التكاتف الوطني الذي يشكل وحده ضمانة مواجهة هذا الخطر.

فلا ادري الى كم من رؤوسنا المقطعة، ينتظر المسؤولون وخلفهم طبعا الشعب اللبناني ليتوحدوا في سبيل مواجهة هذه الكارثة, او يمكن حتى وصول طلائع الدولة الإسلامية الى العاصمة بيروت, ولا ادري الى تلك اللحظة اذا كان بالإمكان تفاديها، قبل فوات الأوان؟واما اذا ما انسحبت غيوم المتغيرات التي حدثت على الساحتين العراقية والسورية ووصلت ايضا الى سماء لبنان وفرضت على الجميع خطوات تنازلية تفضي الى قيام وحدة وطنية حقيقية والتفاف حقيقي حول الدولة ومؤسساتها، وهذا حلم اكثر اللبنانيين، ساعتئذ يصح القول، “شكرا داعش”.

السابق
حريق في علما الشعب تسبب بانفجار الغام ارضية من مخلفات الاحتلال
التالي
ريفي زار المفتي دريان: لن نوفر جهدا لاطلاق اولادنا الاسرى.. ولا صفقة