الجامعات الخاصة: الأرباح قبل التعليم

يتسابق الطلاب إلى أبواب الجامعات، هذا العام، للحصول على مقعد فارغ، في وقت يبدو صدر الجامعات الخاصة رحباً أكثر مما كان متوقعاً. “أعداد الطلاب في القاعة كانت غير طبيعية”، هكذا تصف مي (اسم مستعار)، إحدى طالبات “جامعة الروح القدس” في الكسليك قاعة الإنتظار التي امتلأت بالطلاب الجدد في اليوم المخصص لإنهاء معاملات تسجيلهم في الجامعة. “هي المرة الأولى التي يتم اللجوء فيها إلى إعطاء أرقام لتنظيم الطلاب”، تقول مي في إشارة منها إلى العدد، غير المسبوق، للطلاب المتوافدين للتسجيل في الجامعة.
الأعداد المتزايدة تبدو مبررة أمام حقيقة أن النجاح في امتحانات الشهادة الرسمية، قد وزع هذا العام بموجب إفادات. ويتجمهر حاملو الإفادات أمام أبواب الجامعات الخاصة، ومنهم من لم يحالفه الحظ بارتياد “الجامعة اللبنانية” ذات المقاعد المحدودة، بينما امتنع آخرون عن خوض تجربة “اللبنانية” بفعل تلاشي الإيمان بهذا الصرح التعليمي العام. بغض النظر عن الأسباب، فالنتيجة واحدة: أرباح غير مسبوقة في القطاع التعليمي الخاص.
الأرباح التي ستسجلها الجامعات هذه السنة قد تكون خيالية، ولاسيما أن عناصرها متعددة. ذلك أنه بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الطلاب الجامعيين الذين أفرزهم قرار وزير التربية الياس أبو صعب بإصدار الإفادات، وما استتبع ذلك من إلغاء للمنح المخصصة للمتفوقين، تنتشر بين الجامعات ظاهرة رفع الأقساط بشكل كبير. وهذه العناصر مجتمعة تصب في معادلة يصفها الناشط في المجال الطلابي والطالب في الجامعة الأنطونية، محمد المعوش، بأنها معادلة قديمة وبيسطة. “الأشخاص الذين يضعون المراسيم هم أنفسهم أصحاب المصالح في الجامعات الخاصة”، في إشارة من المعوش إلى المصالح المشتركة بين أصحاب القرار وبين أصحاب الجامعات الخاصة. غير أن المشكلة لم تعد تتعلق بتقاطع المصالح هذا، فالأهم بات إيجاد سبل المواجهة من خلال تفعيل التحركات الطالبية.
في الشق المتعلق بالأقساط، وبدءا بجامعة “الروح القدس” في الكسليك التي رفعت قيمة الوحدة الدراسية (credit) بنسبة 20%، توضح مي لـ”المدن” أن الزيادة تطال الكليات كلها، غير أن الأكثر تضرراً هي كليات الطب والفنون والهندسة. في هذه الكليات، سيصل سعر الوحدة الدراسية إلى 340 دولار أمريكي، أي ما يعادل 12000 دولار سنوياً عن كل طالب.
من الكسليك إلى طريق الجديدة في بيروت، حيث “جامعة بيروت العربية”. الأخيرة أيضاً دخلت معترك الزيادات بنسبة 20% للوحدة الدراسية. يوضح رئيس فرع لبنان لـ”الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، أحمد مرعي، وهو أحد طلاب الجامعة، لـ “المدن” أن سعر الوحدة الدراسية قد ارتفع هذا العام من 170 إلى 220 دولارا في كلية الحقوق على سبيل المثال. ذلك أن الحد الأدنى من الوحدات الملزمة لكل طالب، هو 12 وحدة للفصل الواحد. بالتالي، وبعملية حسابية بسيطة يتبين أن طالب الحقوق مثلاً، بات ملزماً أن يدفع بالحد الأدنى، 5280 دولارا من دون أن يلتحق بالفصل الصيفيي. هذا وكان الطالب نفسه ملزما بأن يدفع 4080 دولارا للعام الدراسي السابق، أي بفارق 1200 دولارا، بين عام وآخر.
” قدمنا عريضة لرئاسة الجامعة العربية طلبنا فيها من الجامعة أن تعيد النظر بقرار رفع الأقساط، فهذه الزيادة تشكل عبئاً اضافياً على كاهل الطالب”، يقول مرعي. لكن الرياح جرت بغير ما تشتهي السفن، ليأتي رد الجامعة بعيداً كل البعد عن الرسالة التعليمية: “من لا يستطيع التسديد فليذهب إلى جامعة أخرى”. وتعليقاً على الرد الذي تلقاه اتحاد الطلبة السوريين، يجد مرعي أن “الجامعة تحولت الى جامعة تجارية، تقدم الشأن التجاري على الأكاديمي”.
20% أخرى، هي نسبة الزيادة التي أقرتها “جامعة القديس يوسف” على الوحدات الدراسية، في كلياتها. تشرح دانا وهي إحدى طالبات الفنون الجميلة في الجامعة لـ”المدن”، أنها امتنعت عن استكمال دراساتها العليا في جامعتها، بعد إبلاغها بالزيادة التي طرأت على الأقساط. هذه الزيادة التي لن تستطيع دانا أن تغطيها مما تجنيه في عملها، ستكون السبب في تعليق مستقبل شابة موهوبة على قدراتها المالية. “الجامعة اللبنانية” هي “الحل البديل” بالنسبة لدانا، التي تجد أن “آخر العلاجات هو الكي”.
الوحدة في نسبة رفع الأقساط، لا تنعكس على كيفية مكافحة الحراك الطلابي في الجامعات. فرد “جامعة بيروت العربية” الصريح، لم يجد مثيلاً له في “الروح القدس” التي التزمت بالديبلوماسية. يؤكد مسؤول العلاقات العامة في الجامعة شربل خوري أن أكثر من 50% من طلاب الجامعة يحصلون على مساعدات كخصم على الأقساط وفقاً للحالة المادية والاجتماعية لكل طالب. قد يكون التشكيك في هذه النسبة العالية تبليا، غير أن الإكتفاء به سكوت فاضح عن الحق. فالزيادة في الأقساط لم تؤد إلى زيادة في عدد الحائزين على المساعدات، هذا أولاً. أضف الى ذلك، فإن زيادة نسبة 20% على القسط، تترجم نقصا بنسبة 20% من قيمة المساعدة في طبيعة الحال.
ويبقى الحديث عن المساعدات ناقصاً أيضاً، ما لم توضع الأخيرة في إطار أساليب الضغط على بعض الطلاب الذين انضموا الى الحراك المناهض لرفع الأسعار. وبحسب ما أكده العديد من طلاب الجامعة لـ”المدن”، فان إدارة الجامعة هددت مجموعة من الطلاب بوقف المساعدات عنهم أو بفصلهم من الجامعة، ما لم يتنحوا عن الحراك الطلابي ضد رفع الأقساط. إذن، على الـ50% من طلاب “الروح القدس” المستفيدين من المساعدات، أن يهابوا الإدارة التي تمسكهم من اليد التي تؤلمهم..
الجامعة التي تتحدث عن تبوئها مكانة مهمة بالنسبة لبقية الجامعات في تقديم المساعدات، تمنع طلابها من تشكيل لجان تمثلهم أمام الإدارة، وتدافع عن حقوقهم. هذا الشكل من أشكال القمع الإستباقي، يجد مبرراته، وفقاً لـ خوري، بـ “تدني المستوى الثقافي لدى هذا الجيل، ما يبعدهم عن أصول الحوار والنقاش ويدفعهم لحل مشكلاتهم بالعنف”. تعوض الجامعة عن غياب التمثيل الطلابي من خلال “مكتب للشؤون الطلابية، يلجأ إليه الطالب لمساعدته في حل أي مشكلة تؤثر على دراسته”. والحقيقة أن هذا المكتب لا يؤدي الدور المطلوب من اللجان الطلابية، خاصةً في مجال مساءلة الإدارة ومطالبتها بالكشف عن الحسابات المالية للجامعة للتأكد من أن الحجج التي تقدمها لرفع الأقساط تتطابق مع عملها على أرض الواقع.
الإفادات وارتفاع عدد الطلاب الجامعيين، المبالغة في رفع الأقساط، قمع الحراك الطلابي وحرمان الطلاب من الإنتخابات والحق في أمام إداراتهم.. كلها تؤدي إلى تدهور في مستوى الوعي لدى الشباب الجامعي، ولاسيما أن التعليم الخاص يتحول شيئاً فشيئاً إلى خيار إلزامي في ظل حال التراجع المستمر الذي تشهده “الجامعة اللبنانية”.

 

السابق
إسلام آخر، مسلمون آخرون
التالي
اشكال وتضارب بين عمال سوريين في زحلة