33 يوم.. انتهت الحرب وعدنا

في 14 آب عدنا.. وعاد الخطاب وعاد التنميق وعاد البيان الى تموضعه في عقولنا التي نُظمت على نحو لا يقبل الا القوالب الجاهزة، ولا يقبل الا الحزبية المنظمة، كما هو حال جميع الاحزاب الشمولية.. عدنا أقوى وأكثر قساوة لان الضعيف يستظهر القوة في خطابه.

في اليوم الثاني والثلاثين على العدوان الاسرائيلي على لبنان والذي كان قد طفح فيه كيلنا من الصبر وامتلأ الكأس من مرارة التهجير المرّ.. انتظرنا الجلسة العامة لمجلس الامن الذي سيطرح فيها القرار1701 الدولي لوقف اطلاق النار.

لم أكن خائفة من الامم المتحدة، بل كنت اعيش الخوف من رفض حزب الله للقرار، وبالتالي من استمرار الحرب التي دمرت كل شيئ.

لم أنم طيلة الليل بانتظار الصبح الحار على كل الاصعدة. اتصلت أولا بصديق على صلة مباشرة بالحزب وحاولت الاستفهام منه هل يمكن للحزب ان يرفض تنفيذ القرار؟ لم يعطني جوابا. ما زاد من قلقي. لاني بالعبارة الصريحة قرفت من الحرب والفوضى واللأمان واللارتابة.. صرت احلم بالرتابة.

قبيل الحرب كنت اطلب الفوضى في محيطي فلا اجدها، اما اليوم وبعد 32 من الموت والقلق والدمار صرت اعشق الروتين.. اين هو هذا المرض القاتل الذي كان يصيبني؟

اليوم وبعد الفوضى العارمة واللااستقرار اتصلت بكل معارفي المقربين من حزب الله منهم الصحفيين ومنهم العاملين في مؤسسات الحزب الميدانية لأستقصي عن القرار1701. هل يتضمن ما يمكن لحزب الله ان يعرقل تنفيذه؟

الخوف من لحظة عدم الالتزام بوقف اطلاق النار. أذني على سماعة راديو الهاتف تنتظر بشغف موافقة المقاومة… لكن أصوات الرصاص والقذائف والقنابل وكل ما يمكن ان يقتل البشر يطن فوق اذني.

أُخرج جسمي من الشباك نحو الوادي الذي كنا “نستجم” فيه في دير قوبل لأصغيّ لآخر قذيفة تريد اسرائيل ان تقتل فيها اصغر طفل لبناني او فلسطيني. فكانت همجيتها قد وجهت الى ’مجمع الامام الحسن’ بأبنيته الـ11 وقتلت من قتلت.
الوزير محمد فنيش وقتها كان وزير حزب الله في الحكومة وكان تصريحه هو البصيص الذي سيعيدنا الى بيوتنا حيث كرامتنا هناك غير مهدورة. ولو اصبحت هذه البيوت خيما.

في مسيرنا الطويل نحو حارة حريك مشينا بين جبال الحجارة صعودا ونزولا واضعين كمامات جراء استعمال الاسلحة الفوسفورية ضد الباطون الذي لم يكن يضمنا بين جدرانه، فمات بدلا عنا وأخذ ذكرياتنا الخاصة في مكتب شؤون جنوبية التي خرجت اعدادها الى الطرقات مفلفشة تحكي حكايا وقصص ما قبل الدمار..

نظرت الى وريقاتها نصف المحترقة واردت جمعها لانها الوثيقة الوحيدة عن جنوب اخضر كان، لكني شعرت انه لاقدرة لي على الحركة اذ صرت جثة تمشي على الارض تنظر حولها وتبكي وبيدي أجرّ فاطمة الصغيرة التي لا تملّ من السؤال.

33 يوم مروا.. في الرابع عشرمن آب كنت بحاجة لنوم أبدي بعد ان انادي على جميع من افترقنا عنهم في الوديان من الشباب المجاهدين والمناضلين… كنت بحاجة لان أواسي صديقي كريم الذي فقد عائلته كلها… كنت بحاجة لان أكنس الشوارع التي امتلأت بالغبار.. كنت بحاجة الى الجلوس على التقاطع لانظر الى الذاهبين والعائدين من يوم عمل طويل.

يوم وقف اطلاق النار كان انطلاقة جديدة في الذاكرة فصرنا نقول قبل تموز2006 وبعد تموز2006.

صرنا نسامح اكثر بعد العودة.. نصبر اكثر.. نعشق الروتين والرتابة والفرح والزينة.. وصرنا نبحث عن الحياة لان الموت قريب جداً منا.. ولانه يمكن لاسرائيل ان تحول النظام الكوني الى براكين ناشطة.

عندما انظرالى صور غزة.. اليوم ارى نفسي هناك أراعي الهاربين من الموت، لكن لا اجد من يرعاني ..لاني لست بحاجة للرعاية ربما.
من على بوابة 2006 خرجت بيأس كبير وبكره شديد للحرب، رغم ان جميع من حولي عادوا سالمين، لكني كما قلت بداية لكثرة الرتابة والروتين والنظام في حياتي ما قبل تموز2006 صرت ابحث عنهم وصرت اشتاق اليهم وانتمي اليهم. لاني اخاف التغيير واخاف الانفصال عن الصورة الواقعية. ربما انا اصلا كنت من جماعة “النظام” بكل معانيه ولم اكن اعلم عن نفسي هذه العادة.

جاءت نور وعدنا الى ما كنا عليه سابقا.. وعاد ’ريتم’ حياتي الى ما كان عليه. لكن بعد 8 سنوات أفكر لو اني كرهت هذا النظام الى اين سأهرب؟

اعتقد اني لن اهرب ..سأقف على شرفة منزلنا انتظر رصاصة تذهب بي الى نظام “الابدية” الرائع الذي لا تغيير فيه اطلاقا.

السابق
باريس ترسل أسلحة إلى الأكراد لمواجهة ’داعش’
التالي
تفجير ذخائر في حولا الجنوب