نتنياهو يواجه انتقادات داخلية على خلفية هدنة غزة

بدت الهدنة التي أعلنت منتصف ليلة أمس الأول هشة في بداياتها، ومثيرة للاستغراب في جوهرها.

فقد أعلنت بشكل غريب عن تمديد لخمسة أيام، خلافا لما كان معهودا من تمديد لثلاثة أيام. وربما ان البعض اعتبر ذلك دلالة على تحقيق تقدم أكبر، أو أن الطرفين أقرب فعليا للاتفاق من أي وقت مضى. لكن سرعان ما بدأت التقديرات في الاختلال نتيجة تصريحات من قادة فلسطينيين مشاركين في المفاوضات، ونتيجة صمت إسرائيلي. وزاد الطين بلة تقريبا أن دوي الانفجارات داخل إسرائيل وفي قطاع غزة تعالى، وأوحى للجميع بأن وراء الأكمة ما وراءها. ومع ذلك ما ان أطل صباح أمس حتى بدا أن الهدنة حقيقية، وأنها رغم كل شيء تحققت.

صحيح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أعطى أوامره للجيش باستهداف مناطق فلسطينية بالقصف، لكن ذلك بدا كأنه إرضاء لوزرائه الذين حملوا عليه لموافقته على هذه الهدنة أصلا، وخصوصا في ظل التعتيم عليهم حول مجرى المفاوضات.

وحاولت أوساط رسمية إسرائيلية الإيحاء بأن قبول الاحتلال بوقف النار جاء فقط بعد مكالمة هاتفية من الرئيس الأميركي باراك أوباما. وأشار معلقون إلى أن المكالمة من أوباما كانت لتسهيل إقناع نتنياهو لوزرائه بأنه تعرض لضغوط أميركية، وبالتالي وافق على الهدنة. والواقع أن نتنياهو تعرض لحملة شديدة من جانب وزرائه الذين اعتبروا أنه يضغط عليهم لقبول صيغة ليست جيدة لإسرائيل. وقال أحد أعضاء المجلس الوزاري المصغر إن “نتنياهو يطبخ شيئا غير جيد لدولة إسرائيل. وهو يفضل الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين وحماس، حتى لو لم يكن جيدا لإسرائيل، كي يصل إلى وقف نار طويل المدى”.

كما شددت أوساط إسرائيلية على أن الاقتراح المصري الأخير الذي قاد إلى التهدئة يشكل في جوهره “إهانة” لحركة “حماس”، لأنه لا يشير إليها صراحة ويتحدث عن السلطة الفلسطينية كطرف. كما أن كل اتفاق في غزة يعيد الاعتبار للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبي مازن) ويمنحه موطئ قدم في القطاع. ويتجاهل من يكررون هذا الكلام أن “حماس” والسلطة الفلسطينية اتفقتا على حكومة التوافق قبل الحرب، وأن إسرائيل ودولا أخرى هي من رفضت ذلك. وليس في أي اتفاق جديد لعودة السلطة للقطاع ما يتجاوز نقاط الاتفاق الأصلي بين “حماس” و”فتح”.

ولتأكيد هذا الانطباع أصر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتس على إبلاغ الجميع بأن “حماس تشعر جيدا بحجم خطئها”، ويقصد أنه تم تأديب هذا “الصبي الشرير”. وقال، أمام حفل اختتام دورة لضباط كلية القيادة والأركان، ان “الجيش الإسرائيلي مستعد لاستمرار المعركة ضد حماس، إذا ما تطلب الأمر ذلك”. وأضاف “تطلب الأمر منا التضحية في المعركة بـ 64 جنديا، ويحتمل أن نكون مطالبين بمزيد من الضحايا. يحتمل ألا تكون الحملة قد انتهت أو اكتملت”. ويبدو أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لم ينتبه لواقع أنه يتحدث بطريقة توحي بأنه لا يعرف شيئا. فالطريقة التي تعاطى بها الجيش مع غزة تبدد ثقة الإسرائيليين بإمكانية فعل شيء حاسم إذا كان الخطر أكبر، من لبنان أو إيران مثلا.

وربما ان هذا ما حاول زعيم حزب “العمل” اسحق هرتسوغ قوله، عندما قال إن هناك “شللاً في القيادة” الإسرائيلية. ومن المعروف أنه في حالات الحرب يلتزم الجميع بالصمت على قاعدة: اسكت، إنهم يطلقون النار. لكن الصراخ والانتقادات خرجت ضد رئيس الحكومة أساسا من داخل حكومته، وحتى من مجلسه الوزاري المصغر الذي يقود الحرب.

وفي مقابلة مع “يديعوت احرونوت” قال هرتسوغ إن نتنياهو “ليس قويا إزاء حماس، بل انه عزز قوة حماس”. وأضاف “لقد أقمنا قدر ضغط مغلقا وفي النهاية انفجر. حماس، التي كانت ضعيفة عشية المعركة، تفهم أنه بوسائل عسكرية تحقق انجازا، وشعبها متراص حولها. لم نعزل حماس وفي النهاية دخل نتنياهو في شرك”.

ودعا هرتسوغ القيادة السياسية إلى الاعتذار، قائلا “حان الوقت لان يعتذر رئيس الوزراء وأعضاء المجلس الوزاري، (افيغدور) ليبرمان ونفتالي بينيت بشكل علني لسكان الجنوب على الوعد العابث الذي قطعوه لهم”.

وفي نظره فإن “معارك من هذا النوع لا تحسم فقط بشكل عسكري، فخريطة المعركة ليست مدافع وصواريخ فقط. إنها أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. لقد فشل نتنياهو لأنه على مدى السنين اتخذ سياسة اقعد ولا تفعل شيئا. وقد رأى التهديد يتطور في الجنوب، وكانت له إمكانية لتغيير وجه التاريخ في خطوة سياسية شجاعة مع الفلسطينيين. ولكن في كل مؤشر طريق وصل إليه، سياسته أضعفت أبا مازن وشجعت حماس على الدخول معنا في مواجهة”.
عموما ورغم الانتقادات والحملات فإن غالبية الكلام لا يستند إلى أساس، وذلك لأن لا أحد يعلم تماما ما هي الصيغة النهائية للورقة المصرية التي يجري التفاوض بشأنها.

وربما لهذا السبب من المفيد عرض ما كتبه المعلق العسكري لـ”يديعوت” أليكس فيشمان في هذا الشأن، إذ أشار إلى أن الجيش أشاع أنباء عن تحركات واستعدادات لاستئناف القتال وتجنيد للاحتياطي، ولكن كل هذا في نظره مجرد “حيل ومراوغة ترمي للإيحاء للجمهور وحماس أننا مستعدون فلا تُجربونا. واننا قد نغضب”. واعتبر أن ذلك مهين لإسرائيل التي غدت “جاثية على ركبتيها تقريبا تنتظر أن تقرر لها منظمة إرهابية أتكون هدنة أم لا. إن حماس تُملي علينا صورة الحياة وإيقاعها، والحكومة الضعيفة والمترددة والمستخذية تنتظر ما يخرج من فمها”.

وكشف أن “الوفد الإسرائيلي عاد من القاهرة للتشاور، حاملا وثيقة مصرية للتقريب بين وجهات النظر غير ناضجة بقدر كاف ومعها إنذار من حماس”. وكتب أن الوثيقة المصرية هي في الحقيقة صيغة أولية مؤلفة من مرحلتين، وهي ليست وثيقة نهائية بل هي تفصيل فقط للمبادئ التي يجب التباحث فيها للتعمق في تفاصيلها، ولهذا طلب المصريون أمس 72 ساعة هدنة أخرى للاستمرار على المحادثات.

ويتناول القسم الأول من الوثيقة اتفاقات على المدى القصير ستنال غزة فيه عدة علامات عن رفع الحصار، وفي مقدمتها موافقة مصرية على فتح معبر رفح. وقد وافقت “حماس” على طلب القاهرة وضع عناصر من السلطة الفلسطينية في الجانب الفلسطيني من المعبر، وأن يُنشر ثلاثة من رجال قوة “دايتون” على طول محور فيلادلفي. كذلك زيادة حجم السلع الداخلة والخارجة من غزة. ويفترض أن يستقبل معبر كرم سالم عددا أكبر من الشاحنات – يبلغ 900 شاحنة كل يوم – وأن يُفتح معبر إيريز مرة أخرى لحركة حرة نسبية.

وهناك مادة أخرى في المرحلة الأولى حظيت بموافقة إسرائيل، وهي استئناف التصدير من غزة إلى الضفة. ويستطيع جهاز الكشف الهولندي عن السلع، الذي يعمل في معبر كرم سالم، بيقين تلبية مطالب إسرائيل الأمنية، بل إنه تجري مباحثات في شراء جهاز آخر لزيادة سهولة إمكانية التصدير من غزة إلى الضفة. وكذلك التزمت إسرائيل بإعادة مدى صيد السمك، ليصبح حوالى 10 كيلومترات عن شواطئ غزة. بل أبلغت إسرائيل مصر أنها ستكون مستعدة لأن توسع المدى حينما يحين الوقت ليصبح 20 كيلومترا بحسب سلوك حماس.

وفي ما يتعلق بعرض الشريط الأمني على طول الحدود، أعلنت إسرائيل أنها مستعدة لأن تتنازل من 300 إلى 500 متر في غضون أشهر. وستكون إسرائيل مستعدة للتخلي تماما عن المنطقة الأمنية حين يُنشر رجال قوة “دايتون” على طول الحدود مع إسرائيل. وتعرض الوثيقة المصرية زيادة على كل ذلك أيضا نشاطات تعميرية وإنسانية ستزيد إسرائيل في نطاقها عدد خطوط الكهرباء إلى غزة، وتعمل في إصلاح خطوط الكهرباء والماء، وتُعجل في إدخال المعدات الطبية، وهي نشاطات أصبحت تجري اليوم.

ويضيف فيشمان أن الجزء الذي يهم “حماس” أكثر هو الجزء الثاني من الوثيقة المتعلق بالأمد البعيد، ويفترض أن ينفذ بعد شهر فقط، ويشمل هذا الجزء موافقة إسرائيل في المستقبل على التباحث في بناء ميناء ومطار في غزة مقابل إثارة قضية نزع السلاح من القطاع للتباحث فيها. وسيُثار في هذه المرحلة أيضا موضوع مبادلة جثث الجنديين الإسرائيليين بأسرى “حماس” الذين اعتقلوا في أثناء عملية “الجرف الصامد”.

ويخلص إلى أن الوثيقة المصرية تتضمن تحسينات طفيفة على اتفاقية العام 2012، وهو ما يسمح لقيادات “حماس” بالقول لسكان غزة إن التضحية العظيمة التي دفعتموها لم تكن عبثا، ولا سيما أنه ينتظرهم في الأفق أيضا مشروع إعادة إعمار، وبحث في منحهم رموز سيادة واستقلال اقتصادي وحرية تنقل على هيئة مطار وميناء.

السابق
ملامح حلّ قريب للسلسلة والإفادات للطلاب
التالي
باسيل التقى الحريري في جدة