قتل نازحين من عرسال واحتلال بيوت ونهبها

استكمل المسلحون من «داعش» و«جبهة النصرة» ومن معهما من ألوية «الإسلام» و«البراء» و«كتيبة الفاروق»، عملية «رد الجميل»، كما أطلق أحد أبناء عرسال التسمية بسخرية مرّة على احتلالهم لبلدته ومهاجمة الجيش اللبناني وخطف عناصر قوى الأمن الداخلي.

وعليه، لم يكتفوا بالسيطرة على البلدة وقتل أبنائها منذ اليوم الأول لخروجهم من أوكارهم والجرود، بل عمدوا أمس إلى احتلال العديد من المنازل التي نزح عنها العراسلة بالآلاف، وأسكنوا فيها نازحين سوريين من المخيمات التي طالها القصف.
ولم يكتف المسلحون باحتلال البيوت، بل استمروا في التجوال بآلياتهم التي تحمل مضادات الطيران والمدفعية وقاذفات الصواريخ، يقصفون منها تارة من قلب الأحياء العرسالية ومن بين بيوتها ومساجدها، وطوراً من قلب مخيمات اللاجئين السوريين. وفوق ذلك كله، أفاد أحد مخاتير عرسال (تمنع من ذكر اسمه تجنباً لتصفيته) وعدد من أهلها، أن المسلحين قاموا بقصف بعض الأحياء كونهم لم ينجحوا في استدراج الجيش إلى قصف ناسه خلال ردّه على مصادر النيران.
وثمّن العديد من الأهالي الصامدين في عرسال حكمة الجيش في الرد على مصادر النيران وحرصه على حياة سكان البلدة، مؤكدين أن رد الجيش لم يحصل إلا على مصادر النيران البعيدة عن المنازل وعلى أطراف البلدة، برغم كل الاعتداء والاستفزاز الذي يمارسه المسلحون من داخل الأحياء.
وتحدث العراسلة عن سقوط العديد من الشهداء في عرسال نتيجة للقصف على منازلها من جهة، واستهداف المسلحين لمن يحاول من أهلها النزوح عنها وصولاً إلى قطع الطريق قرابة العاشرة من صباح أمس. ووصل بعضهم إلى التأكيد على وجود جثامين ست شهداء في أحد المستشفيات الميدانية في عرسال، معدداً أسماء أكثر من عشرة آخرين. لكن «السفير» لن تدخل في تحديد الأعداد كونه لم يتم التأكد من الأرقام بسبب العزلة التي تعيشها البلدة وعدم تمكن أحد من دخولها. ولكن ملحم الحجيري أكد لـ«السفير» مقتل ابنة شقيقته مشيرة الحجيري مع طفلها الرضيع في قصف طال منزلها…
وعليه، منع المسلحون آلاف العراسلة الذين نزلوا بالسيارات وآليات «البيك آب» والكميونات والتركتورات، وكل وسيلة تمكنوا منها، إلى طرقات البلدة، من الوصول إلى الطريق المؤدية إلى اللبوة. وعمدوا إلى إطلاق النار على عائلة فاستشهد أطفالها الثلاثة فيما أصيبت الوالدة بجراح، كما قتلوا ثلاثة أخوة من عرسال وسورياً كان يغادر معهم فيما جرح سوري آخر برفقتهم. وهكذا دبّ الرعب في صفوف الأهالي وخافوا المغادرة.
وأفاد محمود الفليطي «السفير» أن صف السيارات التي كانت تحاول مغادرة البلدة امتد من رأس السرج عند مدخل عرسال إلى وادي عطا عند نهاية البلدة، أي بطول كيلومترين اثنين، «ولكن الذين تمكنوا من النزوح أقل بكثير ممن حاولوا الخروج منها». وحذّر الفليطي من انفجار الوضع المعيشي والحياتي للعراسلة «لم يدخل البلدة ربطة خبز منذ ثلاثة أيام، يعيش الأهالي على المؤونة، ولكن ماذا سيفعلون بعد نفادها، خصوصاً أن الدكاكين مقفلة، وبعض الناس يحتفظون بما عندهم خوفاً من طول الأزمة ومعها الحصار الذي فرضه المسلحون».
واشار ملحم الحجيري إلى وجود نحو ستين مريضاً في عرسال يخضعون لغسيل كلى مرة أو مرتين في الأسبوع «ماذا عنهم؟ هؤلاء مشاريع شهداء أيضاً لأنهم لا يستطيعون مغادرة البلدة».
أما أصحاب الأمراض المزمنة فقد بدأت أدويتهم بالنفاد، كما تعاني البلدة من نقص حاد بالمياه لأن مياه الشفة لا تصل عرسال إلا مرة كل عشرة أيام ولساعتين فقط، ويعتمد سكانها على شراء صهاريج المياه. ومع مجاري المياه الصحية الآسنة المنبعثة من مخيمات اللجوء والمكشوفة، يخاف العراسلة من تفشي الأوبئة.
ولم يكتف المسلحون باحتلال منازل النازحين من العراسلة، بل عمدوا إلى نهب البعض الآخر وخصوصاً المحلات، مركّزين على دكاكين بيع خطوط شحن الهواتف ليؤمنوا اتصالاتهم.
ولم تعرف عرسال الهدوء إلا بعد العاشرة ليلاً، مع الحديث عن تحرك وفد «هيئة علماء المسلمين» نحوها لبدء وساطتهم. وكان شهود عيان قد أكدوا لـ«السفير» أن بعض المسلحين نفّذوا انسحاباً تكتيكياً نحو الجرود، وسط تقدم بطيء للجيش نحو أعالي البلدة من ناحية أعالي حي السرج. وأوضح الشهود الذين رأوا من منازلهم بعض المسلحين يتجهون نحو الجرود من ناحية وادي عطا قبل عقبة الجرد حيث نصبوا مدفعية ميدان هناك. كما انسحبوا من حي بيت صميلي القريب من الجرود باتجاه الأعالي. وتحدثوا عن نصبهم مدفع ومضاد للطيران 23 قرب جامع عثمان بن عفان لاستدراج الجيش إلى قصف المسجد.
ميدانياً أعاد الجيش سيطرته الكاملة على ثكنة 83 وأعالي تلال عرسال الغربية كاملة وهي التي تطل على قرى السهل من اللبوة إلى النبي عثمان والعين، منعاً لأي تماس للمسلحين من هذه المناطق مع تلك القرى. كما سيطر الجيش على جميع حواجزه على أطراف البلدة لناحية الجرود، باستثناء إخلاء حاجز تلة الحصن وضم عناصره إلى حاجزي عين عطا وعقبة الجرد.
ولكن عرسال البلدة ما زالت تحت سيطرة المسلحين الذين خففوا بعد ظهر أمس، تجوالهم واستعراضاتهم في شوارعها، باستثناء المدفعية والمضادات المتحركة على الآليات. وافاد شهود عيان عن وجود مسلحين من المخيمات بأعمار صغيرة قد لا يتجاوزون الثالثة عشرة من العمر.
وعبر العديد من الأهالي عن سخطهم من وجود بعض المطلوبين من أهالي عرسال بين صفوف المسلحين، مؤكدين أنهم يعرفونهم فرداً فرداً، وإن كانوا قلة نسبة إلى عدد سكانها.
وساهمت التطورات الميدانية التي جاءت لصالح الجيش أمس في تجنب بعض المسلحين، من مخيمات النازحين وخصوصاً الذين انضموا إليهم بعد احتلالهم البلدة، من الظهور بسلاحهم أمام الأهالي ربما تحسباً لما بعد حسم الوضع.
وشدد العديد من أهالي عرسال على ضرورة حسم الجيش للوضع في البلدة وعدم التراجع قبل إعادتها إلى حضن الوطن، وإنهاء الوضع الشاذ فيها «لا نريد أن نعود إلى الحالة التي كنا فيها، نريد الشرعية وإخلاء المسلحين من البلدة نهائياً، وعدم بقاء أي شخص غير النازح إنسانياً، فقط لا غير».
وعند العاشرة والنصف من ليل أمس اعتلى أحد المسلحين مئذنة أحد مساجد البلدة وتوجه إلى أهل عرسال بالقول «انتبهوا وخذوا احتياطاتكم لأن حزب الله صار في وادي سويد»، في محاولة لتأليب البلدة ضد الجيش وإيهامهم أن «حزب الله» هو من يقاتلهم وليس الجيش. ويقع وادي سويد بعد سرج حسان من ناحية عرسال البلدة، أي فعلياً في البلدة بين عرسال وحاجز الجيش في وادي الرعيان. ولكن العديد من أهالي البلدة وضعوا المكيدة في نصابها الصحيح.
وكانت سرت شائعات مساء أمس عن إقدام المسلحين على إعدام 11 جندياً من الذين أعلنتهم قيادة الجيش في عداد المفقودين ولكن مصادر أمنية أكدت لـ«السفير» أنه «لا صحة لهذه المعلومات، وأن الصورة التي عممت هي لجنود غير لبنانيين».

السابق
هل انتصرت المقاومة؟
التالي
قصر الأونيسكو معطل.. والإهمال مستمر