مروة علوان تؤرشف بيوت حاصبيا فوتوغرافيا

تختصر البيوت التراثية في بلدة حاصبيا، حكاية تاريخ وجغرافيا بلدة بكاملها، إذ تتعرف على الوجه الاخر من الحياة، التي تتجه ناحية التدحرج في ملعب الإهمال والتهميش، ورغم الهمز واللمز من قناة ترميمها، لحفظ إرث الأجداد إلا أن أحداً لم يعر الامر إهتماماً.

في حاصبيا تتعرف على نمط أخر من البيوت التراثية، العتيقة ذات الحجارة المعقدة والنوافذ الخشبية، ولكن معظمها مترهل. في احد المنازل تنهمك ورد في ري ورودها، تعتني بها، تقطن في منزلها القديم جدا يفوق عمره ال100 عاما وربما أكثر، ولكن في منزل مجاور لها يصرخ الإهمال من النوافذ. والسؤال الحتمي من يحمي إرث الجنوب التراثي والثقافي من التهميش وأين دور وزارة السياحة؟ لما لم تدرج حاصبيا على خرائطها السياحية رغم ما تتمتع به من جمالية طبيعة وبيوت تاريخية وقلعة شهابية يفوق عمرها الـ3500 عام؟

على اطلال الزمن تقف بيوت حاصبيا اليوم، سؤال وحيد يشغلها هل من يأبه لها ويهتم ببث الروح فيها من جديد، بعد ان غادرها قاطنوها؟ و مشروع stop…raje3ni(ستوب رجعني) يعيد الرمق لتلك المنازل، يلتقط الصور، يؤرشفها، يظهر جماليتها ولكن هل من يتلقف المبادرة ويكمل المشوار في بلد كلبنان، تناسى قيمة البيوت التراثية التي تختزل أزمنة عدّة بين دفتيه، من البيزنطي للعثماني والشهابي وغيرها من الحضارات، التي عبرت من “حاصبيا” بلدة السلام الحر.

تشبه إيطاليا
تشبه حاصبيا ايطاليا، بازقتها الضيقة وبيوتها المتلاصقة، وادراجها العملاقة التي تحملك من حي الى اخر اكثر جمالا، تختلف بلدة الزيتون والحمضيات عن غيرها من قرى الجنوب اللبناني، ان لجهة طابعها التقليلدي الذي يذكرك بالحياة القروية، وسهرات الانس الشعرية التي كانت تعقد داخل بيوت مقببة بقرميد احمر، وحجارة حفرت اناقة العمارة اللبنانية بعقودها، ونوافذها الخشبية واسقفتها الخشبية وجدرانها الطينية، او لجهة البساطة التي يمتاز بها اهلها والذين على قلتهم تمكنوا من تكوين هوية نوستالجية لحاصبيا.
من مرجعيون نحو الحاصباني وكوكبا، تطل حاصبيا بلدة المير بشير الشهابي، التي ترتفع 700 متر عن سطح البحر، حديقة عامة ومساحات خضراء تواكب رحلتك محال تجارية، طرق ضيقة باتجاه السوق العتيق ذات المحال المتلاصقة والابواب المرتفعة، كان سوقاً لصناعة الأحذية وبيع زيت الزيتون خلع ثوبه وإستبدله بمحال خضار وتلفونات وملابس.

بين الماضي والحاضر
غلبة ثقافة العصر على اصالة الماضي تلحظها في عبورك داخل السوق، وان ما زالت الذكريات راكدة في مخيلة كبار السن ممن عايشوا حال هذا السوق. فأبو عماد الضيمة كان حرفي احذية عمل بها مذ كان صغيراً كانوا ياتون بالجلود من صيدا ويعمدون الى توزيعها على حرفي المهنة، وكان السوق يكتظ بالوافدين اليه من مختلف المناطق اللبنانية وكانت صناعة الاحذية مشهورة جدا، اليوم يعمل ابو عماد في محل بيع الاحذية الجاهزة، والسوق التجاري القديم حوصر واختنق بدكاكينه وضاقت جنباته، وتكاثرت فيه متاجر الأثاث الجاهز الذي يؤثث بيوت الاسمنت، من دون أن يدري المرء لماذا تكاثرت، ما دام عدد السكان المقيمين يتناقص، وفقاً لوارث أحد أقدم مقاهي السوق في ساحة حاصبيا، التي ضاقت مساحتها حتى الاختناق، باتجاه المنازل التراثية التي غلبتها المنازل المعصرنة تلحظ بعضها بني فوقه عمارة حديثة واخر مهمش. والسؤال لماذا انتهاك الجمالية الخاصة الا تعجب جيل اليوم؟

“البيوت التراثية تتجه ناحية لفظ انفاسها الأخيرة ورغم جماليتها وأناقة تصاميمها فإن أهلها غادروها ظنا أن الحداثة اجمل” وفق المهندسة مروة علوان التي أخذت على عاتقها مشروع حماية المنازل التراثية إرث لبنان الخالد”. تتحدث “عن إرث حاصبيا الأثري المهمل والمنسي” تسأل علوان “لما لم تدرج حاصبيا على خارطة لبنان السياحية، فهي بلدة جميلة تملك كل مواصفات القرية اللبنانية، ومقومات السياحة من الطابع التراثي الى القلعة الشهابية ومزار روبين شقيق النبي يوسف، والبياضة الدرزية وكنيس يهودي وكنائس … ولكن للاسف على الوعد يا كمون”.

حالة تأسيسيّة
علوان التي تعمل على حماية المنازل التراثية، عبر تصويرها فوتوغرافيا لأرشفتها وإدراجها في ملصقات أطلقت مشروع stop raje3ni التراثي لأننا “بتنا على مشارف فقدان أثر الجدود وقيم التاريخ، سرقت العولمة الشباب من أهدافة”، في شوارع حاصبيا الضيقة تعمل علوان على التقاط الصور للمنازل العتيقة تعرف تفاصيل البيوت الطينية وذات الأسقف الخشبية والقرميدية والتي يجري تأهيلها ، حالة ثقافية تراثية أرستها علوان في حاصبيا البلدة الاولى التي ستنطلق منها ناحية كل قرى لبنان. ولكن هل من يصغي؟ هل يوجد من يدعم؟ تجزم علوان “ان لا أذان صاغية لما نقوم به حاولنا أن نستقطب الفئة الشبابية وعنوان مشروعنا اخترناه بلغة الإنترنت علّ الشباب يتحرك ويضغط بإبتجاه حماية حضارة بلدنا العريق”.

تجهد علوان في البدء بمشروعها “ستوب رجعني” وكأنها تضرب ضربة على حافر الوعي وأخرى على مسمار الأزمة. ولكن على من ترمي مساميرها؟ تضحك علوان التي ترى أن مشروعها ينطلق من رغبة لديها بحفظ إرث الأجداد، وبهدف وقف هجمة التدمير المتصاعدة للمعالم الأثرية والأبنية القديمة ولا سيما الحجرية والقرميدية، وذلك بالتعاون مع مديرية الآثار، البلديات، التنظيم المدني والوزارات المعنية، وفي مقدمها وزارتا الثقافة والشؤون الاجتماعية، تعتمد الخطة وفق مروة علوان على أرشفة المواقع التراثية بالصور الفوتوغرافية، الى إصدار كتيب عن البلدة ولا تنسى الإشارة الى اقامة مسرح شارع ، وستتكفل الجمعية بتقديم الدراسات والنصائح في هذا الموضوع، على قاعدة «الإستثمار المُجدي» بالتعاون مع نخبة من المهندسين الإختصاصيين.
فهل ستنجح تجربة حاصبيا لتنتقل الى كافة القرى اللبنانية لتكوين معلم لبنان التراثي بالصورة؟ سؤال ربما يبدو فضفاضاً على بلد كلبنان يرمي ارثه التراثي جانباً ولا ينشط السياحة التراثية الجنوبية فالجنوب مكتظ بالاثار والمتاحف التراثية والمنازل، التي عبر التاريخ منها وكوَّن لبنان بعراقته وما “ستوب رجعني” إلا “حركشة” في الشباب فهل من يسمع؟

 

السابق
حرب الشرعيات الإسلامية الكبرى
التالي
باسيل: لمعرفة ما يحصل في سفارة بنغلادش