أسرة لبنانية: 5 آلاف ليرة مصروفها اليومي

عندما نستمع إلى أشخاص يتحدثون عن فقرهم وعوزهم قد نتأثر ونتفاعل معهم، ولكن عندما نعاين حالهم ونعايشها، تتجاوز مشاعرنا كل التوقعات.

“كلما سعيت لتأمين المأكل والمشرب والحليب والحفاضات لأسرتي، أجد نفسي أستجدي”، هذا ما بادرتنا به منال زيدان (39 عاماً)، الأم لثلاثة أطفال، لدى زيارة “النهار” منزلها في منطقة رويسة البلوط قرب بحمدون.
كانت الساعة قرابة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر حين دخلنا المنزل الذي تقيم فيه العائلة المؤلفة من خمسة أشخاص. تأثرنا لدى معرفتنا أن الولدين جنبلاط وتاليا كانا بلا فطور، وذلك لعدم توافر المال لجلب الخبز واللبنة أو الجبنة، كما تقول منال، فيما مهند ابن العشرة اشهر، ينتظر جرعة حليب تروي غليله. أما رب العائلة ماهر (40 عاماً) فإنه يبحث عن عمل بعد أكثر من تسعة أشهر من ملازمته البيت بسبب البطالة.
أقل ما يمكن أن يُقال عن البيت أنه متواضع بأثاثه القديم المهترئ. تجول بنظرك في أنحاء غرفة الشتاء بعدما تجلس على مقاعدها المكسّرة، يسترعي انتباهك تلفزيون صغير من الطراز القديم باللونين الأسود والأبيض. أما غرفة النوم فغير صالحة بفعل تزايد “النش” على جدرانها المتشققة، ونوافذها المخلّعة في معظمها والمغطاة بشرشف بدل الستارة، ناهيك عن الأسرّة التي تهتز يميناً ويساراً لاهتراء الخشب. تدخل المطبخ المغطى بالسواد “الشحبار” وترى أنه يحتاج إلى ورقة ودهان واثاث وأدوات طبخ. تفتح البراد تجده فارغاً من الطعام حتى أن فرن الغاز بلا قارورة، إذ تكتفي العائلة بإشعال “الوجاق” لسلق البطاطا أو الرز.
لم تعرف هذه العائلة من الحياة غير الفقر والحرمان، فهي متروكة برسم الإهمال. ونادراً ما تجد منال أحداً يسأل عنها أو يُخفف عنها همومها. تروي منال ودموعها تنهمر: “اقتنعت بأن نعيش حياتنا الزوجية بالحد الأدنى من العيش الكريم، إذ عمل زوجي سنينا طويلة في الحطب واعتنى بحقول الناس الى أن تراجع مدخوله بدرجة قياسية ولم نعد في إمكاننا شراء الطعام لأطفالنا”. يقاطعها ماهر قائلاً: “تراجع شغل الحطب وصرنا برّا بوجود العمال الأجانب، وخصوصا السوريين، لهذا السبب بالكاد أجد ساعة عمل في اليوم”. يضيف: “أتمنى أن أعمل ناطور بناية، أو في محطة وقود، أو عامل في الحقول وما شابه”. ويزيد بغصة: “كنت أجني حوالى 30 الف ليرة في اليوم قبل موجة العمال السوريين الذين استولوا على معظم الأشغال وبمبالغ زهيدة، واليوم لا تتجاوز يوميتي أكثر من خمسة آلاف ليرة”.

ماذا يتمنى الأولاد؟
تنظر إلى الأولاد فترى وجوههم شاحبة وأجسادهم نحيلة بسبب سوء التغذية. تقول تاليا (10 سنوات): “طالع على بالي أعرف كيف هي طعمة البيتزا، وأن يكون عندي لعبة Dora وثياب جديدة”. أما شقيقها جنبلاط (8 سنوات): “حلمي أن أشتري طابة وسيارات لألعب مع أولاد عمتي”.
لا يعرفون المرح ولا الترفيه، لا يسلكون سوى طريق المدرسة التي تبعد أمتاراً عن البيت. يستمعون إلى كلمة “مشوار” وتمضية نهار على البحر، لكنهم يمضون صيفيتهم محرومين، مظلومين، عكس كثيرين من الأولاد، وقد يلعبون أحياناً مع أولاد أقاربهم ليتناسوا قساوة الحياة عليهم. يكبرون والحاجة تطاردهم من ألبسة وأحذية ومستلزمات أخرى.
بالكاد تسد العائلة رمقها. وتخبر منال أنهم يستفيدون من بعض الخدمات التابعة لـ “البرنامج الوطني لدعم الأسر الفقيرة” وتقدماته، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، إذ “تخوّلنا البطاقة التي حصلنا عليها تسجيل أولادي في المدرسة الرسمية حيث تغطي كلفة رسم التسجيل وبدل الكتب والقرطاسية، بالإضافة إلى تغطية دخول المستشفى الحكومي”.
وتزيد بغصة: “كنت دائماً قوية متعالية على فقرنا وحرماننا، وغالباً ما تكون أجوبتي جاهزة تجاه أولادي، مبررة فقرنا”، وتشير الى أن ثمة أقارب يلتفتون إلى الأولاد ويتحنّنون عليهم ببعض الألبسة او الأحذية المستعملة.
ماذا عن أبناء المنطقة والبلدية والمسؤولين فيها؟
لا أحد يكترث لحالهم من أهالي المنطقة أو البلدية أو حتى المسؤولين السياسيين من النواب أو الزعماء، “باستثناء مساهمة النائب وليد جنبلاط قبل أعوام في ترميم سقف البيت، فضلاً عن المساعدة التي يقدمها مكتب الوزير وائل أبو فاعور من حين إلى آخر، والذي مدّنا ببعض الحصص الغذائية والأدوية المتوافرة لدى وزارة الصحة”.
تفضل منال ملازمة البيت، ليل نهار، كي لا يزورها أحد لأنه ليس بمقدورها أن تكرّم ضيوفها باستثناء ذويها أو أقارب زوجها. وعلى رغم كل معاناتها، تؤكد أنها “متفائلة بأنه سيأتي يوم يُفرج علينا والله سيوفق ماهر بعمل ثابت، خصوصاً وأننا في حاجة إلى مستلزمات اساسية لا يمكن العيش بدونها”.
أمام هذا المشهد المؤلم والمأسوي، متى تنتفض الوزارات المعنية والأجهزة والمسؤولون فيها للوقوف مع عائلة زيدان وأمثالها من العائلات تحت خط الفقر، وإن بالحد الأدنى من ظروف العيش الكريم؟

السابق
المثيرون فقط لا يمرضون!؟
التالي
ما هو معنى LOL BRB TYT وغيرها من الرموز؟