من توظيف داعش الى الاصطدام بالدولة

خلال جلسة في القصر الجمهوري في بغداد قال الرئيس صدام حسين في حديث لم يكن للنشر لكنه طلب نشره في النهاية: مَن استعجل الصعود اختصر زمن الهبوط. وهو عرف كيف يصعد بالتأني، قبل أن يغريه استعجال الصعود الذي اختصر زمن الهبوط، عندما قرر اجتياح الكويت ضمن حسابات متعددة تركزت على أمرين: أولهما الرهان على الالتباس في الكلام الذي سمعه قبل الغزو من السفيرة الأميركية ابريل غلاسبي. وثانيهما القراءة المتسرعة في الأحداث الدولية عشية الانتقال الى نظام عالمي جديد، اذ تصور أن أمامه فرصة لاستباق التطورات وأخذ الدور الذي يحدده العراق لنفسه في النظام العالمي الجديد، بدل انتظار أن يحدده له الكبار.
صدام ددفع ثمن غلطة حذّر منها في معادلته التي تنطبق اليوم على كثيرين: نوري المالكي والشخصيات العراقية التي تصرفت على أساس أن الغزو الأميركي أعطاها فرصة للتحكم الدائم بالعراق. الأكراد الذين تمتعوا بالحكم الذاتي الكامل تحت الرعاية الأميركية، ويقتربون من غلطة التمسك بكركوك وإعلان الاستقلال في مواجهة تحديات كبيرة. القوى الاقليمية التي ساهم الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق في فتح الطريق أمام مشاريعها، وفي الطليعة المشروع الايراني في العراق وسوريا ولبنان. واللاعب الأخير هو زعيم داعش أبو بكر البغدادي الذي استعجل السيطرة على أرض في العراق وسوريا يصعب الاحتفاظ بها، كما استعجل اعلان الدولة الاسلامية ونفسه خليفة المسلمين.

ذلك أن عوامل عدة، أولها إصرار الأنظمة على التصحير السياسي، جعلت التيارات الأصولية، ومنها داعش، صاحبة جاذبية تبدو كأنها الرد الوحيد للمجتمع على القمع والفساد والارتهان للخارج. لكن أنظمة محلية وقوى اقليمية ودولية ساهمت في تقوية داعش وتوظيفها في تحقيق أهداف من النوع الذي يخدم فيه طرف أصولي عدوه، وهو يخدم نفسه بالطبع. لكن اعلان دولة الخلافة يدق أجراس الخطر في كل العواصم بما فيها تلك التي دعمت داعش. ولا يبدل في الأمر كون الخلافة مسألة أكبر بكثير من أن يتولاها شخص غامض يفاخر بأنه يكسر الحدود وصنم الوطنية، ويتصرف على أساس أنه الخليفة الذي يجب أن يحكم ١.٣ مليار مسلم.
والسؤال ليس إن كان بين الحكام والأحزاب من يمكن أن يبايع الخليفة ابراهيم بل إن كان هناك من يمكن أن يقف مكتوف اليدين، وهو يرى الأخطار الجغرافية – السياسية والارهابية والظلامية. فالمسألة تجاوزت التوظيف التاكتيكي الى الخسائر الاستراتيجية. والكل يعرف أن الرهان على الأوضاع الحالية في العراق وسوريا للتخلص من خطر الدولة الأصولية هو رهان عى العمر الطويل للخطر. والتجارب تؤكد، من أيام افغانستان والقاعدة، أن اللعب مع التيار الأصولي ينتهي بانقلاب المواقف في اللعبة.

المصدر: صحيفة الانوار اللبناني
السابق
اصابة ضابط وعنصر خلال عملية دهم في بلدة بوداي
التالي
هزة أخرى في النخبة السعودية