معاوية بن أبي طالب الأميركي

واشنطن التي أعلنت الحرب العالمية على الارهاب تقول إن “داعش” تنظيم ارهابي تجب محاربته. في حين انها عندما كانت تحتل أرض العراق بجيوشها وعديدها لم تجتث “القاعدة”، ولم تجفف منابع تمويله وتسليحه، بل عمدت الى ابدال الصدام المباشر معه بصدام عراقي – عراقي على أساس طائفي من طريق تكريس التناقضات المحلية التي أفرزت في ما بعد “داعش” الحالي، ربيب “القاعدة”، وغيره من “الدواعش” الطائفية.
اليوم أوباما يعد الحكومة العراقية بمساعدة “كثيفة ومستمرة” في الحرب على “الارهاب” الذي اكتسح بلمح البصر غرب البلاد وشمالها ووسطها، لكنه اكتفى بارسال 300 مستشار عسكري، في حين ان جحافل الجيش الاميركي كانت تتفرج على هذا المسخ الارهابي عندما كان يترعرع في هذا البلد، قبل ان تنسحب من العراق. وجون كيري يشاطر المالكي قلقه من “التهديد الوجودي” الذي يواجه العراق، لكن الادارة الاميركية في الوقت عينه تمهد لنزع قناع الصبر معه بدفعه الى التنازل عن السلطة لشيعي آخر يحظى برضى الملل العراقية، وتعمد الى تسريب اسماء البدلاء المحتملين منه.
واشنطن تشاطر طهران حليفة المالكي، نفورها من الحركات الجهادية وتبحث عن المصالح المشتركة مع ايران وتتجاهل ضغوط محافظيها والجمهوريين لعقد اتفاق تاريخي معها يعيد الوصل بين الدولتين بعد قطيعة معلنة طويلة. ولكن اذا كانت ايران تخشى تمدد “داعش”، فان هذا لا يعني ان واشنطن هي بالضرورة شريكة معها في المعركة، ففي قاموس السياسة الاميركية ان عدو عدونا ليس بالضرورة صديقنا.
اميركا ترسل اشارات مطمئنة الى ايران، لكنها في الوقت نفسه لا تغامر بالتخلي عن حليفها الدائم السعودي المغتبط بالتحول العراقي. فللدور الاقليمي الايراني حدود، وحدوده الحاجز السعودي حيناً والتركي حيناً آخر. والدور الأكبر يجب ان يظل أولاً وأخيراً اميركياً، اما الادوار الثانوية فتمنحها واشنطن الى مَن تشاء من حلفائها الحاليين او المستقبليين وتسحبها ممن تشاء.
اوباما في سني حكمه، اظهر انه ابرع من اتقن التحدث بلغتين متناقضتين في آن واحد. هو اليوم في العراق يتحدث الى السنّة وامتدادهم الاقليمي بحنكة معاوية، ويحدث الشيعة بنهج على بن ابي طالب. انه معاوية بن ابي طالب الاميركي. واذا ما نجح في ارساء تسوية في العراق، فان اي تسوية محتملة يجب ان تكون اميركية وينشدها مرغمين كل الافرقاء المحليين والاقليميين من واشنطن. وهكذا يعود العراق ساحة من ساحاتها برضى كل الاطياف والقوى.
اما عدم التسوية فهو أيضاً لا يضرّ الاميركي اذا كان قائماً على معادلة لا غالب ولا مغلوب، فالاحتراب المحلي والاقليمي على أساس طائفي عرقي وصفة أميركية لمجتمعاتنا. هكذا يحصل في سوريا حيث دمرت الدولة واستنزفت، وهكذا يمكن الاجهاز على ما بقي من الدولة العراقية.

السابق
بلامبلي: لمواجهة التهديد الارهابي والحفاظ على وحدة الصف
التالي
فنيش: لا علاقة للشغور الرئاسي بعودة الانفجـارات