مراجعة بالعمق لحقوق الانسان: في اطار التحولات اليوم

اختتمت المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم ومؤسسة كونراد اديناور الندوة الاقليمية العربية حول موضوع: “تعليم وثقافة حقوق الانسان في الجامعات العربية اليوم: الحالة الراهنة وتوجهات واستشراف”.

شارك في الندوة باحثون وعمداء كليات حقوق من عشر بلدان عربية: لبنان، الاردن، الجزائر، المغرب، فلسطين، اليمن، العراق، مصر، تونس، سلطنة عمان.

عُقدت الندوة بالتعاون مع كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية والمعهد العربي لحقوق الانسان ومكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في الامم المتحدة.

يُستخلص من الابحاث والمناقشات ضرورة المراجعة بالعمق للتربية على حقوق الانسان لستة اسباب على الاقل: مواكبة التحولات في المجتمعات العربية، وتحول حقوق الانسان غالبًا الى ايديولوجيا، وتحولها في بعض الحالات الى دين جديد اطلاقي، والتمادي في الفردانية على حساب الصلة الاجتماعية، والانجراف غالبًا الى نشاطية لا تؤثر على السلوك، وتحول تعليم حقوق الانسان الى اختصاص جامعي منعزل. نعيش اليوم الانحرافات في تعميم ما وصفه قداسة البابا فرنسوا “بعولمة اللامبالاة”.

العالمية والتأصيل

تمحورت الابحاث والمناقشات حول اربعة شوؤن:

1. ماذا نعلّم ومن يعلّم؟ تشمل حقوق الانسان كل الحياة وكل الجوانب القانونية وكل الاختصاصات بدون استثناء بشكل يستحيل حصرها في مادة وحيدة في برامج جامعية. ومن الخطورة تحول حقوق الانسان الى اختصاص مُنعزل، لانها بطبيعتها عابرة لكل الاختصاصات (جواد النوحي، المغرب، معن بو صابر، لبنان…). يتطلب ذلك العمل على “اصلاح التعليم القانوني” (احمد الحوامده، الاردن).

2. التأصيل في اطار عالمية المبادئ وخصوصية التطبيق: الحاجة الى “زرع ثقافة الحقوق والحريات” حيث ان التربية على حقوق الانسان غارقة في الخصوصيات. ما هي العوائق والحظوظ في البنيات الذهنية تجاه احترام حقوق الانسان في مختلف البلدان العربية؟ كيف نتعامل مع السلوكيات السلطوية في البنيات التحتية للمجتمعات العربية في العائلة والقبيلة والعشيرة والطائفة؟

3. نماذج تطبيقية في سبيل التمكين: عُرضت في الندوة خبرات تطبيقية ومعيارية من خلال التفاعل بين كلية الحقوق في الجامعة الاردنية والمدارس (طارق الحموري، الاردن) والعيادات القانونية وانتفاضة القانون والمحكمة الصورية وتنظيم مباريات وانشاء اندية حقوق الانسان، والزيارات الميدانية الى المحاكم (جمال الحيدري، العراق) والبرلمان الطلابي (محمد الجبور، الاردن) ورابطة العيادات القانونية، والعمل مع البلديات والمدارس (جوليا ابو كروم، لبنان).

4. ما العمل؟ يُستخلص من الندوة التوجهات التطبيقية التالية:

– الانطلاق من المخزون الثقافي في البنيات الذهنية في ايجابياته وسلبياته في سبيل تأصيل ثقافة حقوق الانسان عربيًا “فيكون الشخص المتلقي هو المحور” (ايلي بوعون، لبنان).

– اعتماد ثقافة حقوق الانسان بشكل عابر لكل الاختصاصات بدون استثناء وكمدخل للمواطنة.

– استعادة التزام الجامعات والجامعيين في الحياة العامة في زمن نعيش فيه “نهاية المثقفين” (انطوان مسرّه، لبنان).

– ربط كل تربية بسياق تطبيقي يُحوّل المعرفة الى سلوك منسجم وتمكين.

– نبذ التوجه المحض احتجاجي في قضايا حقوق الانسان عربيًا والتوجه نحو الفعل ورصد الممارسات الايجابية المعيارية.

– صيانة الحريات الجامعية حيث ذّكر في هذا المجال انه في خلال 24 ساعة، في
19-20/6/2014، حصل اعتداء في فلسطين من قبل سلطة الاحتلال على ثلاث جامعات: جامعة بيرزيت وجامعة بوليتكنيك والجامعة العربية الاميركية. حصل خلع لابواب الجامعات واقتحام الحرم من قبل مئة جندي و15 آلية عسكرية وتفتيش مرافق الجامعة وخلع ابوابها ومصادرة مقتنيات الحركة الطلابية.

تعليم القانون… حقوقيًا!

افتتح الندوة رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان حيث جاء في كلمته: “الديمقراطية نظام قيم ينبغي ان تتعمق وتتوسع بخاصة في التحولات العربية اليوم. اصبحت حقوق الانسان علمًا  قائمًا بذاته ومادة خصبة نحتاج الى تأصيلها في المجتمعات العربية والهدف الاسمى هو انشاء محكمة عربية لحقوق الانسان في اطار تطوير العدالة الدستورية.”

شارك في جلسة الافتتاح الممثل المقيم لمؤسسة كونراد اديناور بيتر ريميلي Peter Rimmele الذي عرض الاشكالية المعاصرة لثقافة حقوق الانسان وضرورة تنمية التعاون بين المؤسسات العربية وتراث مؤسسة كونراد اديناور في نشر الثقافة الديمقراطية  وممارستها.

ممثلا عميد كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، تكلم الدكتور انطونيو ابو الكسم فقال: “اذا لم نبن مواطنًا عربيًا عبثًا نبحث عن حقوق الانسان حيث ان الهدف نقل ثقافة حقوق الانسان والبلوغ الى المواطنية الفاعلة.   في المجتمعات العربية خصوصيات في مجال المعتقد فيكون الايمان خيارًا واعيًا وليس انتسابًا تبعيًا.”

جاء في كلمة الممثل الاقليمي للمفوض السامي لحقوق الانسان الاستاذ نضال الجردي: “ليس المطلوب مجرد ادخال مادة حقوق الانسان في البرامج، بل دمج ثقافة حقوق الانسان في كل العملية التربوية”. وتكلم مقرر لجنة حقوق الانسان النائب غسان مخيبر فقال: ” هناك ثلاثة معايير في ثقافة حقوق الانسان: ١) المعيار الكمي ويُعني الاعلان عن حقوق الانسان ونشرها، ٢) المعيار النوعي اي النقل بشكل مفهوم وتطبيقي،
٣) المعيار الوظيفي ويعني الالتزام والدفاع”.

في عرض لاهداف الندوة شرح منسقها المحامي ربيع قيس المنهجية المتبعة والسعي الى مقاربات مقارنة وتطبيقية.وعرضت خلود الخطيب نتيجة استقصاء حول تعليم حقوق الانسان في الجامعات العربية. وفي مداخلة بعنوان: ” كيف يكون تعليم القانون… حقوقيًا؟”، عرض عضو المجلس الدستوري انطوان مسرّه الحالة الراهنة في ثقافة حقوق الانسان في ما يتعلق “بعالمية المبادئ وخصوصية التربية والآداء وضرورة تجنب الانحرافات نحو الفردية على حساب الصلة الاجتماعية وضرورة العمل على تأصيل ثقافة حقوق الانسان عربيًا”.

تصدر اعمال الندوة ومناقشاتها في ايلول 2014 في منشورات المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم (جزء 35) بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور.

السابق
بري: ما يجري اليوم هو ترسيم حدود
التالي
سماع دوي انفجارات في مزارع شبعا