سكرية: تواطؤ رسمي مع التجار لرفع أسعار الأدوية

بلغت الفاتورة الدوائية في لبنان، في العام 2013، مليارا ومئتي مليون دولار. ومن المتوقع أن ترتفع، في العام الحالي، إلى مليار وأربعمئة مليون دولار، ما يعادل نسبة أربعين في المئة من الفاتورة الصحية.
ينفق الفرد، في لبنان، ثلاثمئة دولار سنوياً على الدواء، بينما يبلغ إنفاق الفرد في السعودية 90 دولاراً، وفي الإمارات العربيّة 170 دولاراً، وفي مصر 38 دولاراً، وفي الأردن 45 دولاراً، وفي سوريا 24 دولاراً.
تبيّن تلك الأرقام، وفق الدكتور اسماعيل سكرية الذي أُعيد انتخابه رئيساً لـ«الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية»، المشاكل الأساسية التي يواجهها لبنان في قطاع الأدوية من حيث ارتفاع الأسعار وعدم وجود رقابة فعالة على نوعية الأدوية.
يعيد سكرية ارتفاع أسعار الأدوية في لبنان إلى تواطؤ وزارة الصحة العامة مع التجار والمستوردين، إذ تحرر التجار من وجوب إرفاق شهادة عن أسعار بلد المنشأ مع الملف. ويفتقر لبنان إلى وجود مختبر مركزي لمراقبة جودة الأدوية ونوعيتها، وتقوم المختبرات الجامعية ببعض الفحوص المخبرية من دون أن تمتلك القدرة على إجراء الفحوص المطلوبة.
ويلفت سكرية إلى أن سوق الدواء في لبنان يضم أدوية جيدة وفعالة، وأدوية مقلّدة، وأدوية جنسية غير مضمونة التركيبة والفعالية، وأدوية تم سحبها من الأسواق العالمية وما زالت تباع في الأسواق اللبنانية.
ويُذكّر سكرية بمواجهته مافيا الدواء في لبنان، إذ توجّه في أيار 1997، من موقعه نائباً في جلسة تشريعية عامة بسؤال شفهي، للحكومة آنذاك، عن المكتب الوطني للدواء، تحول استجواباً شفهياً في آب 1997، وقدم في كانون الأول 1997 مطالعة عن المكتب الوطني للدواء. وتوجه، في الثاني من أيار 1999، بطلب إلى النيابة العامة التمييزية في شأن التلاعب بأسعار الدواء وبدأت التحقيقات غير أنه تم اقتحام قصر العدل في ليل 27 أيار 1999 وخلع باب القاضي المحقق وسحب ملف التحقيق.
جعل سكرية ملف الدواء في لبنان قضيته داخل البرلمان وخارجه، وكشف كثيراً من المخالفات ومحاولات الفساد والتهريب. فعلى سبيل المثال، قام سكرية بالتعاون مع الشركة المنتجة لدواء «Taxotere» للعلاج الكيميائي، في العام 2009، بالكشف عن وجود بعض المنتجات المهربة من دون أن يتم محاسبة المتورطين أو معاقبتهم. وشكّك سكرية، في العام 2009، بفعالية الدفعة الأولى من لقاحات الإنفلونزا. وساهم، في العام 2010، بتبيان تهريب مئة ألف علبة من دواء «plavix» للقلب والشرايين غير الفعالة إلى لبنان وتم سحب سبعمئة علبة واقفال 12 صيدلية. وأثار، في العام 2013، موضوع وفاة بعض الأمهات بسبب تناول بعض الحقن التي تم سحبها من دول أخرى. غير أن وزير الصحة السابق علي حسن خليل أودع القضاء تصريح سكرية.
يلفت سكرية إلى أن محاولات الإصلاح في قطاع الدواء أسقطتها مافيا الدواء التي يسيطر عليها التجار والمحتكرون وذوو النفوذ السياسي والطائفي. فعلى سبيل المثال، لم ينجح وزير الصحة الراحل الدكتور اميل بيطار بتخفيض أسعار الأدوية، وتم اسقاط المكتب الوطني للدواء في العام 1998، وتم هدم المختبر الوطني لفحص الأدوية، ولم يصدر لبنان لائحة بالأدوية الأساسية وبقيت السوق مفتوحة إذ يتوافر اليوم 6350 نوع دواء.
في المقابل، ساهمت التجربة، منذ 17 عاماً، في رفع وعي الأفراد في المجتمع اللبناني في شأن الفساد في قطاع الدواء، وفي تشجيع المواطنين على المطالبة بحقهم في الصحة، وبالحصول على الأدوية الجيدة وبأسعار مقبولة. يقول سكرية إنه «في البدء، أثار طرح ملف الدواء الشكوك بين المواطنين غير أن الاستمرار في كشف الفضائح أدى إلى اقتناع الأفراد بصدقية القضية وأهميتها».
تأسست «الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية»، منذ عشر سنوات، وتضم حالياً 230 عضواً من جميع المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف والمذاهب. وتعمل الهيئة على حفظ حقوق الإنسان في الصحة والمجتمع تحت شعار «الصحة حق وكرامة». لا يتوقع سكريّة أن تبادر الوزارات بمحاولات الإصلاح، بل يعود إحداث الفرق في هذا المجال إلى الأفراد في المجتمع والرأي العام.
تكمن أهمية متابعة ملف الدواء على مر السنوات، وفق سكرية، في الدفاع عن حقوق الأشخاص في الصحة والحد من الآثار السلبية على صحة المواطن وفي جعل الصحة مقياساً لصدقية شعارات الأحزاب والقوى السياسية.

السابق
بالفيديو: شاروق بحري يجتاح شاطئ الصرفند
التالي
’داعش’ يدعو أنصاره الى ’الزحف’ جنوباً نحو بغداد وكربلاء