قزي: حياد لبنان ملازم لوجوده واستقرار الشرق الاوسط يبدأ باستقراره

ألقى وزير العمل سجعان قزي كلمة لبنان في مؤتمر العمل الدولي في جنيف، أمام وزراء ل 180 دولة عربية واجنبية.

وقال: “إني هنا باسم لبنان، وطني، ووطن كل انسان يسأل اين ترعرعت الديموقراطية في الشرق؟ واين يعيش المسلم والمسيحي جنبا الى جنب في الشرق؟ واين يسود روح التسامح والغفران في الشرق؟ لبنان هو الجواب، وهو العنوان.
لكن لبنان اليوم جريح، والقيم فيه تنزف. وآخر جرح اصابه هو فشل مجلس النواب اللبناني بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. هل تعرفون بلدا في العالم من دون رئيس، بل من دون رأس؟ إنها صراعات الشرق والغرب تضغط بثقلها، فتعطل الانتخابات، وتهدد وحدة لبنان وتطيح دستوره، وتعلق العمل بقيم الحرية والديموقراطية، وتتجاهل استقلال لبنان وسيادته واستقراره. لذا ندائي الأول اليكم ايها الزملاء والاصدقاء هو ان تقنعوا المتصارعين في الشرق الاوسط وعليه بأن يحيدوا لبنان عن صراعاتهم، فحياد لبنان ملازم لوجوده”.

أضاف: “من خلال قراءتي تقرير المدير العام السيد غي رايدر الذي اوجه اليه تحياتي وشكري على عنايته بلبنان وباللبنانيين العاملين في منظمة العمل الدولية وأتمنى أن يزيد عددهم، أدركت أكثر فأكثر مدى أهمية معالجة موضوع الهجرة بين الشعوب والدول. لقد تغير مفهوم الهجرة، إذ لم يعد يقتصر على أفراد يبحثون عن عمل، بل تجاوز ذلك إلى هجرات منظمة، منها ما هو لتعزيز التبادل الانساني ضمن إطار العولمة، ومنها ما هو للتواصل بين قوى خارجة على القانون الدولي وشرعية الأمم. والمؤسف أننا في القرن الواحد والعشرين لا نزال نشهد نزوج شعوب مضطهدة كالشعب الفلسطيني، وأخرى مشردة كالشعب السوري. إن لبنان يصدر أبناءه مهاجرين الى العالم، ويستقبل لاجئين ونازحين تعرضوا في بلدانهم الأم للحروب والمآسي والاضطهاد والاستيطان. ابناء لبنان الذين يهاجرون يحملون معهم الى المجتمعات التي يطأون أرضها، السلام والثقافة والعمل الشرعي، يساهمون في بنائها وتنميتها وهي تساعدهم على ايجاد فرص العمل والسكن المستقر. اما النزوح الى لبنان فيلقي على كاهل الدولة اللبنانية تحديات لا تستطيع ان تواجهها بقدراتها الذاتية”.

وسأل: “من أين لبلد لا تتعدى مساحته 10452 كيلومترا مربعا ولا يزيد عدد ابنائه المقيمين على 3752000 الفا ولا تنقص كثافة السكن عن 400 انسان في الكيلومتر الواحد، من أين له ان يتسع اليوم لنحو مليون و600 الف نازح سوري هجرتهم حرب مدمرة، فيما لا يزال على ارضه نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني ينتظرون ان تفرج اسرائيل عن حق عودتهم الى بلادهم؟ فإلى مأساة الفلسطينيين والسوريين يضيف العالم اليوم مأساة جديدة هي عجز اللبنانيين، دولة وشعبا عن تحمل تداعيات المأساتين الشقيقتين.
نحن اللبنانيين متضامنون مع الشعب الفلسطيني وداعمون للشعب السوري، لكن لبنان الكيان والدولة والمجتمع لا يستطع استيعاب هذا النزوح البشري الذي يشكل 57 % من عدد سكان لبنان. فلا البنية التحتية اللبنانية ولا الاقتصاد اللبناني ولا المالية اللبنانية ولا المساحة الجغرافية ولا التوازن الطائفي ولا الأوضاع الأمنية قادرة على تلبية هذا الواجب الانساني خصوصا وان هذا النزوح الكثيف يحمل معه اخطارا امنية وسياسية على البلاد نظرا الى امتداد الحرب في سوريا داخل الحدود اللبنانية وانقسام بعض المكونات اللبنانية بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له.

لذا، إن النداء الثاني الذي أطلقه من هذه المنصة الدولية هو ان تحترم الدول العربية والاجنبية التزاماتها المالية، لا تجاه لبنان تحديدا بل تجاه النازحين السوريين في لبنان. فأين الاموال التي أقرها مؤتمرا الكويت؟ وأين الاموال التي أقرها مؤتمر الدول الصديقة المانحة للبنان في أيلول الماضي في نيويورك، ثم في مؤتمر باريس في الشتاء الماضي؟ الى الدول التي وفت بوعودها الشكر والامتنان والى التي تأخرت، ندعوها الى الاسراع في انقاذ النازحين السوريين من جهة، ووحدة لبنان من جهة ثانية”.

وتابع: “لقد أثبتت التجارب طوال المئة سنة الماضية أن استقرار الشرق الاوسط يبدأ باستقرار لبنان، وان انفجار الشرق الاوسط يبدأ بتفجير لبنان. لبنان لا يزال مختبر الحرب والسلم في الشرق الاوسط. حين حذرت الدولة اللبنانية المجتمعين العربي والدولي من خطر عدم ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، لم تلاق الاذان الصاغية فانفجر الوضع في لبنان سنة 1975 فنشأت الى جانب القضية الفلسطينية القضية اللبنانية. واليوم ندعو بإلحاح الى معالجة انتشار النزوح السوري داخل الاراضي اللبنانية لئلا نصل الى انفجار جديد.

يكفي ان اطلعكم على هذه الارقام المذهلة لتدركوا معاناة لبنان. آخر احصاء رسمي يشير الى ما يلي:

“يوجد في لبنان مليون و600 الف نازح سوري منهم نحو مليون و200 ألف مسجلين في هيئات الأمم المتحدة والأمن اللبناني.
يشكل الأطفال والنساء 73 % من عدد النازحين
وحدهم الاطفال يشكلون 52 %
يبلغ عدد التلامذة النازحين نحو 400 بينهم 200 الف في المدارس الرسمية اللبنانية في حين ان كل عدد التلامذة اللبنانيين في المدارس الرسمية لا يتجاوز الــــ 175 الف تلميذ لبناني.
يتوزع النازحون السوريون على 1700 وحدة سكنية عشوائية. من اصل هذه الوحدات السكنية يوجد 360 وحدة منتشرة في قرى لبنانية فقيرة.
47 % من النازحين هم قوى عاملة تزاحم اليد العاملة اللبنانية، فيما زادت نسبة البطالة بين اللبنانيين 21% منذ النزوح السوري، وبلغ عدد الشباب اللبناني العاطل عن العمل نسبة 35%. وأخطر من كل ذلك هو الرقم الذي تبلغناه في مجلس الوزراء اللبناني بأن 34% من الجرائم التي تقع في لبنان يرتكبها سوريون.
لا اعطي هذه الارقام انطلاقا من موقف عدائي تجاه اشقائنا السوريين فهم شعب يمر بمأساة وطنية وإنسانية، لكن من أجل أن يتحسس المجتمع العربي والدولي فداحة الواقع اللبناني والمأساة السورية فيسرع إلى معالجته فورا”.

وقال: “يسرني أن أقف بينكم اليوم، ممثلا لحكومة بلدي لبنان، في منظمة العمل الدولية، التي جمعت شركاء الانتاج في العالم وحكومات دولهم لمتابعة تجليات القوى العاملة في مختلف البلدان وللاستفادة من الخبرات والتجارب للدول الصديقة في ميدان العمل.
ولا يغرب عن بال الوزارة السير قدما في مشروع اصبح واقعا وهو “تحقيق اول فرصة عمل للشباب” وخصصت له الاعتمادات المالية اللازمة بالتعاون مع البنك الدولي وهو على قاب قوسين او ادنى ليصبح في وضع حيز التنفيذ”.

وختم: “اما سياسة وزارة العمل فتطال في اولوياتها تطوير عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليشمل اوسع مروحة من العاملين في القطاعات كافة وزيادة حركة وحداته لتنفيذ المكننة الشاملة تمهيدا لبلوغ التغطية الصحية الشاملة لكل المواطنين. ثلاثة مشاريع، المنح المدرسية، ضمان الشيخوخة، ضمان الموظفين بعد التقاعد، وتحديث قانون العمل للمقيمين والأجانب ليصبح ملائما مع حقوق الإنسان.
إني إذ أشكر استماعكم أدعوكم للتعاون والتنسيق في مجالات العمل كافة وشكري الى ادارة المنظمة على الجهد البارز الذي تقوم به لتعزيز الحياة الاجتماعية والعدالة الانسانية”.

السابق
حسني مبارك رحمه الله
التالي
الصين وأميركا تقرران مصير العالم