سعدي المالح كان وفيّاً للأدب والحياة.. لكنّ قلبه خانه

سعدي المالح
لم ييد سعدي المالح، كالمثقف البعيد عن الحياة بل ذلك الذي يبحث عن دورها المنسي ويستحضر غيابها عبر مبادرة فردية. كان حريصا على ان يتعرف على الاخر أيضاً ونتاجه الأدبي.

عندما زار الكاتب سعدي المالح بيروت، التقى مجموعة من الأدباء والمثقفين. بدا محبا للحياة وللناس، باحثا عن تفاعل ثقافي بات نادرا في أيامنا الحالية. كان المالح يوقع كتابه “عمْكا” للأصدقاء الجدد والقدامى ويقدمه لهم كهدية تعارف او هدية ثقافية ان صح التعبير. كانت المرة الاولى التي التقيه فيها. لم ييد كالمثقف البعيد عن الحياة بل ذلك الذي يبحث عن دورها المنسي ويستحضر غيابها عبر مبادرة فردية. كان حريصا على ان يتعرف على الاخر أيضاً ونتاجه الأدبي. ان تستيقظ على خبر وفاة كاتب بسبب جلطة قلبية امر محزن، خصوصا وقد وجدته محبا للحياة وهو يعدك بلقاءات اخرى في العاصمة بيروت التي احبها. على وعد اللقاء الجديد، ودعنا المالح ولم نعرف ان الحياة تغدر هكذا. ربما كان قدر الحوار المقتضب معه الا يتوسع في لقاءات مقبلة، كانت هناك أسئلة كثيرة لا يزال بالإمكان طرحها لكن ضيق الوقت حاصرنا. يبقى وجود ذكرى بسيطة افضل من عدمها لذا نعيد نشر الحوار الذي اجريناه معه مؤخراً في بيروت ولترقد روحه بسلام.

سعدي المالح

وهنا نصّ المقابلة التي أجرتها معه الزميلة جنى الحسن تحت عنوان: “سعدي المالح: كل القوى الكبرى تحاول القضاء على الأقليات”:

يقدّم الكاتب العراقي السرياني سعدي المالح عبر فصول روايته (الصادرة حديثا بعنوان “عمكا” عن دار “منشورات ضفاف) التسعة قراءته الخاصة في تاريخ بلدته (عنكاوا) في بدايات النصف الثاني من القرن المنصرم: “لكنّ الرواية ليست رواية تاريخية”، يؤكّد المالحي في حديث لـ”جنوبية”: “هي رواية تجمع بين الدين والتاريخ والميثولوجيا والمكان والخيال”، يقول الكاتب الذي في رصيده العديد من الروايات والمجموعات القصصية والترجمات والأبحاث.
عاش المالحي في “عنكاوا” ، بلدته الأم الّتي تقع شمال العراق ضمن منطقة إقليم كردستان في أربيل، حتّى أتمّ عاممه الـ25، لينتقل بعدها إلى موسكو حيث حاز على ماجيستير في النثر الفني. لكن المكان الّذي ولد فيه وغادره شاباً بقي يرافقه ويسكنه في الاغتراب وقد كان موضوع رسالة الماجيستير: “حكايات من عنكاوا”.
“عنكاوا هي مرتع طفولتي، صرت أحب هذا المكان أكثر وأكثر لما خرجت منه… حملته معي وعبّرت عنه”، يقول المالحي الّذي عاش أيضاً في كندا في إحدى المراحل من حياته. لكنّ حبّ الكاتب لبلدته الأمّ لم يمنعه عن حبّ الأماكن الأخرى: ” بعض الدول بالنسبة لي بمثابة وطني الثاني كالرئة الّتي أتنفس بها”، يقول وهو و يُدرج بيروت الّتي عاش فيها خلال فترة حصار عام 1982 في هذا الإطار.
بيروت بالنسبة الى المالحي مركز ثقافي كبير لكنّه يتأسّف أنّ “الوهج السابق لم يعد موجوداً” ويشير إلى أنّه لاحظ ذلك في زياراته الأخيرة إلى معرض الكتاب في بيروت: “تراجعاً ملحوظاُ في حضور الندوات والأنشطة الثقافية وهذا ليس أمراً محصوراً ببيروت بل كافة البلدان العربية وربما يكون مردّه الى طفرة التكنولوجيا وحلول الانترنت مكان العلاقات الاجتماعية وقرصنة الكتب المتزايدة”.
أمّا عن الأزمة في العراق، فيصفها المالحي بـ”الوضع الصعب جداً. فقد عشنا أزمة سياسية وفكرية قبل 2003 والآن هناك أزمة أخرى بمستوى الأزمة السابقة نفسها”، يقول الكاتب. ويضيف: “هناك آفاق جديدة ولكن لا نعرف كيف ستُستغل هذه الآفاق ويبقى الحل بناء الدولة على أسس غير طائفية”.
موضوع حضارات الأقليّات همّ أساسيٌ الى المالحي الذي يشغل منصب مدير عام “المديرية العامة للثقافة السريانية” في عنكاوا، التابعة لوزارة الثقافية: “لقد حاولت الحكومات الّتي تعاقبت في المنطقة، كما يظهر تاريخ الصراع بين القوى المختلفة، أن تقضي على القوى الصغيرة”، يقول المالحي. ويضيف: “التراث السرياني في طريق الزوال والثقافة السريانية في خطر ومهددة بالانقراض”.
ويختم لـ”جنوبية”: “أدبنا مهدّد لكنّه لا يزال موجوداً في المخطوطات القديمة”. ويعوّل على دور المثقف السرياني والكردي في هذا الإطار.
لكن هل يمكن تحميل الأدب هذه المسؤولية القصوى؟ نسأله، فيجيب: “نعم، أنا أكتب حتّى أعلن جرس إنذار أنّ هذه الحضارة في خطر”.

السابق
ماذا يحمل رئيس البنك الدولي إلى لبنان؟
التالي
نانسي عجرم تحول أغنياتها إلى مساحات إعلانية