النظام الداخلي للتيار الوطني: هل احترقت «طبخة باسيل»؟

النظام الداخلي للتيار الوطني الحر موضع بحث العونيين من جديد. بعد ثلاث محاولات فاشلة، بدا أن الرابعة «ثابتة». لكن المسودة التي وُزعت لـ«التسوية» المفترضة أشعلت النقاش من جديد

خلال تسع سنوات، اختلط الحابل بالنابل في التيار الوطني الحر، حتى بات يستحيل التمييز بين عونيّ وآخر، إلا عند النقاش في النظام الداخلي للحزب البرتقالي ونفوذ الوزير جبران باسيل ومستقبل التيار. ومن الشمال إلى الجنوب، مروراً بجبل لبنان طبعاً، هناك، دائماً، مجموعة صغيرة جداً تتحدث بغضب عن هذه القضايا بلغة لا يفهمها العونيون الآخرون. سريعاً، يتضح أن هذه المجموعات ليست إلا الهيئة التأسيسية للتيار التي تضم غالبية من عُيّنوا قبل عام 2005 في مواقع قيادية، في المناطق ولجان الجامعات والمدارس. كان الهدف من تأسيس الهيئة جمع أبرز الناشطين العونيين في إطار يتيح لهم تنظيم الحزب. إلا أن الهدف تعثّر مرة تلو الأخرى، حتى غدا الحزب فعلياً في مكان والهيئة في مكان آخر.
يعدّد أحد أعضاء «التأسيسية» ثلاث محطات رئيسية في حياة الحزب: الأولى عام 2006 حين حال خلاف الأكثرية في الهيئة مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون على صلاحيات المكتب السياسي، دون إقرار النظام الداخلي. والثانية عام 2008 حين بلغ التصادم ذروته في ما يعرف بـ«الثلاثاء الأسود»، وتطلب الأمر عامين لإعادة الأمور إلى نصابها. والثالثة اليوم، إثر فتح عون النقاش في شأن نظام الحزب.
بدا، هذه المرة، لبعض الناشطين أن التسوية الداخلية الكبرى واردة: يعطي الناشطون رئيس الحزب الحالي الوسائل التنظيمية لضمان انتخاب الوزير باسيل رئيساً لولاية واحدة أو ولايتين. ويعطيهم رئيس الحزب نظاماً انتخابياً نسبياً وصلاحيات أكبر للمكتب السياسي. بدأت حركة اتصالات واسعة لتحقيق هذا الهدف، في ظل اعتقاد بعض العونيين، وبينهم نواب، أن من حقهم مزاحمة باسيل على الرئاسة. وبدا لوهلة، في الرابية، أن الجسم التأسيسي الصلب الذي عرقلت وحدته إقرار النظام الداخلي عامي 2006 و2008، بات سهل الاختراق لخشية النواب الأعضاء في الهيئة على مقاعدهم، وتطلع المرشحين (الأعضاء في الهيئة أيضاً) إلى استرضاء الجنرال، وانقطاع العلاقات الشخصية بين مختلف الناشطين. مع العلم أن نفوذ باسيل الذي كان صغيراً جداً في التيار عموماً، و«التأسيسية» خصوصاً، بات اليوم كبيراً في التيار وقوياً في الهيئة. يضاف إلى ذلك تسويق أشرس المعارضين سابقاً لنظرية المقايضة: باسيل رئيساً للتيار مقابل الديموقراطية الحزبية. نتيجة لذلك، اقتصر الاعتراض الفعلي على مبدأ إقرار نظام داخلي يمهّد لانتخاب باسيل رئيساً لحزب التيار الوطني الحر، على قلة قليلة فقط.
بداية العام الجاري، صدرت النسخة الأولى من النظام ووُزّعت عبر البريد الإلكتروني على غالبية أعضاء الهيئة. وكان لافتاً عدم تلقي بعض الناشطين، وبينهم نواب، المسودة بحجة «عدم تجديد بطاقة الانتساب». لاحقاً، باشر باسيل عقد لقاءات جانبية في منزله ومكتبه وأحد المطاعم لجسّ نبض رفاقه في التيار حول النظام. لكن الاعتراض بدا عارماً، فالاتفاق المفترض لم يُحترم: الصفحات الإحدى والأربعون تضمنت «نظاماً ملكياً تخجل حتى دول أفريقيا والخليج من اعتماده»، يقول أحد المسؤولين العونيين. وصعب إيجاد فقرة واحدة لا «تغلّب منطق التعيين على آليات الانتخاب الديموقراطية، ما يعني حصر الصلاحيات والقرارات في شخص الرئيس الذي يمكنه تجديد ولايته باستمرار. فلا حاجة لانتخاب المكتب السياسي والمجلس الوطني ومجلس التحكيم وفقاً لهذا النظام، بل يمكن الرئيس تعيين» أعضاء هذه الهيئات. هكذا سقطت «صفقة» مقايضة رئاسة التيار بـ«الديموقراطية الحزبية». وتحت ضغط الهيئة التأسيسية سُحبت النسخة الأولى من التداول. ظن الجميع أن النظام عُلّق من جديد إلى أجل غير مسمى، وخصوصاً أن التعليق تزامن مع انشغال الرابية وباسيل بمفاوضات تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب وموضوع رئاسة الجمهورية. وبعد أخذ ورد، عقد مساء يوم الجمعة الماضي اجتماع لمناقشة وجهة نظر الفريقين، من دون تحديد موعد نهائي للبتّ في هذا الملف الشائك، مع تأكيد أحد المطلعين تفضيل عون تأجيل الحسم إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية؛ «إذ إن من سيعارضه داخلياً بعدها سيكونون قلة قليلة جداً؛ لأن موقعه كرئيس يحول دون ذلك، ولأن مراعاته من أبناء تياره في حال عدم انتخابه رئيساً ستكون في ذروتها».
عونياً التفاؤل دائم، أما تنظيمياً فلا تفاؤل، وخصوصاً وسط أعضاء الهيئة التأسيسية رغم ادعاء بعضهم عكس ذلك حتى لا يتهم في الرابية بعرقلة التفاهمات. الغالبية في الهيئة التأسيسية تقول إن القيادة غير جدية في تأسيس حزب ديموقراطي. وبما أنّ «الرابية لم تدع إلى مؤتمر عام، وما دامت مستمرة في تغييب الهيئة التي تقترع في النهاية وحدها على النظام الحزبي ولا قدرة لأحد على إلغائها إلا عند تشكيل الحزب، فإن ذلك يعني أن عون يلعب في الوقت الضائع. سنجاريه بعدم إحراق الطبخة، منتظرين الرد على ملاحظاتنا، فإما نبصم بالعشرة أو نفقشها علناً هذه المرة».

السابق
حنا غريب أكد انه يمكن تمويل سلسلة الرتب من أموال الهدر والفساد
التالي
إجتماع أمني عند 9:30 في بعبدا برئاسة الرئيس سليمان